بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الأول 2023 12:00ص العلماء عن دور الأمّة تجاه فلسطين وأهلها: المطلوب هو عمل للنصرة.. أما الخطب النارية فلن تكلّفنا إلّا المزيد من الانهيار..؟!

حجم الخط
تعتبر فلسطين بالنسبة للمسلمين بمسجدها الأقصى وبمدينة القدس وبكل شبر من أراضيها، جزء من عقيدتهم، وركن من ثوابتها فقد وصفها الله عزّ وجلّ في كتابه بأنها مقدّسة {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِين}, كما وصفت بأنها مباركة في قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وكذلك في قوله تعالى أيضا {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.
فواجب المسلمين, أفرادا ودعاة وعلماء وشعوبا وحكاما, كبير جدا جدا تجاه هذه القضية...
فما هو هذا الدور؟..
وكيف نقوم بتأديته؟..
وكيف نحسن العمل به؟...
هذا ما طرحناه على السادة العلماء وكان هذا اللقاء..

شحادة

بداية قال القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة أن دور العلماء ليس دورا مرحليا بل هو دور وواجب مستمر منذ بداية النكبة عام ١٩٥٨ فكان على العلماء وغير العلماء التطوع الفعلي لتحرير فلسطين وبما أن ذلك غير ممكن فالواجب أن تكون لهم مواعظ وتحفيز يومي الى المواطنين ورواد العلم والمساجد للتشجيع على التوجه نحو فكرة التحرير ولا يتركوا ذلك الى الغير من غير أقوام يتسترون باسم القضية الفلسطينية وان كانوا فعلا لديهم الهمّة لتحريرها إلّا ان المسلمين والعرب أوْلى بهذا القرار.
وقال: ان للعلماء دورا مفصليا في ترسيخ فكرة الاحتلال في أذهان الطلاب والمجتمع وتشجيعهم بدعم الشعب الفلسطيني في أي مجال ممكن لهم فيه مكان وإلّا تنحصر الهمم بمشاكل السياسيين والأوضاع السياسية الداخلية التي هي لا تقل أهمية على حياة اللبنانيين أيضا إلّا ان المصير في فلسطين هو مقدم على كل الأزمات وهذا ما لا نجده عند حديث الدعاة إلّا عند الأزمات إلّا ما ندر، لذلك عليهم أن يكونوا قدوة وفي مقدمة الداعمين والمحررين والمرشدين للدفاع عن قضية العرب والمسلمين والمسيحيين في التاريخ لانها الأهم، وأتمنى أن تتغيّر المفاهيم التعليمية أيضا في مدارس العرب كافة وأن يخصص منهاجا خاصا للأزمة الفلسطينية في برامج التعليم الإلزامي كي لا تغيب القضية وتذكّرنا فيها مجازر العدو الصهيوني التي تجاوزت النازية ويدعمها الغرب الظالم.
واختتم بالقول: ان لم نتحد ونغيّر ما بأنفسنا لن يتغيّر شيء، واغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالدعاء والرحمة على شهداء فلسطين ولبنان ضد الاحتلال والشفاء للمصابين والنصر للشرفاء في فلسطين والله على كل شيء قدير.

حداد

أما المفتش العام للأوقاف في دار الفتوى الشيخ د. أسامة حداد فقال: يقول الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ ‌عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، فإن اليهود الذين أعرضوا عن شرع الله هم: شعب مكر وخداع، وغدر وخيانة، يكيدون للبشر، ويلحقون الأذى بهم، {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً}، غايتهم: إشاعة الفساد في العالم، وإبعاد الدين عن حياة الناس، وتحطيم أخلاقهم بسلاح المنكرات والفواحش من خمر، وربا، وزنى، ومخدرات.. فيسهل عليهم الاستيلاء على العالم أجمع، ويعملون على إشعال الفتن والخلافات والاضطرابات في كل دول العالم عن طريق جمعيات سرية وهيئات سياسية، ودينية، ورياضية.
يعملون على إغراء الحكومات باضطهاد الشعوب، وإغراء الشعوب بالتمرّد على الحكومات.. ومع كل ذلك فهم جبناء، يخافون الموت، {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} ولا يحاربون إلّا خلف الجدر والبروج المشيّدة {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}، وصفهم الله بنقض المواثيق.. {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}، ووصفهم بأكل المال الحرام باستحلال سرقة مال غير اليهود.. {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}. ووصفهم بإشعال الحروب بين الناس والفساد والإفساد.. فقال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً}. ولذلك كثيرا ما نجد أن اليهود وراء الإلحاد، وفساد الأفكار، وفساد الأخلاق، وفساد الاقتصاد، وفساد العائلات، وفساد الإعلام.
وقال: يدّعي اليهود أن القدس أرضهم، وأنها من مقدّساتهم؟ فما حقيقة ذلك؟ هذا ادّعاء كاذب، ومغالطة في التاريخ، فأول من سكن القدس هم العرب الكنعانيون، وكان لهم حضارة استمرت مئات السنين، وكان ذلك حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ثم دخلت القدس بعد ذلك في حكم بني إسرائيل على يد سيدنا داود عليه السلام، عام 1049 قبل الميلاد، ومن بعده سيدنا سليمان عليه السلام..
ثم تعرّضت عبر التاريخ لكثير من الغارات، فسقطت في أيدي الآشوريين، ثم احتلّها الإسكندر الأكبر، ومن بعده سقطت في أيدي الفرس، والروم، حتى فتحها العرب المسلمون في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أمر قائده أبا عبيدة بن الجراح أن يتجه من الشام إلى بيت المقدس، وبعد حصار طويل، دام أربعة أشهر، طلب سكان القدس من القائد أبي عبيدة أن يصالحهم، وأن يكون المتولي للعقد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج إلى الشام لأول مرة، وما إن أشرف على بيت المقدس حتى علت الأصوات بالتكبير، وأطلّ البطريرك صفرونيوس من سور المدينة، وطلب أن يرى عمر بنفسه، وهنا، تقدّم عمر نحو سور المدينة بمفرده، ففتحوا له الباب وخرج أهل المدينة يلتفون حوله يسألونه العهد والميثاق والذمّة فلما نظر إليهم عمر تواضع للّه، ثم نزل إليهم، ولاطفهم وكتب عمر عهده المشهور (لأهلها أمانا لأنفسهم، وأموالهم، وكنائسهم، وصلبانهم، لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص من أموالهم).
ثم سار في المدينة، ودخل كنيسة القيامة، وعندما حان وقت صلاة الظهر، طلب البطريرك منه أن يصلي فيها، ولكنه اعتذر حتى لا يتبعه المسلمون ويحوّلونها الى مسجد، فصلّى في مكان قريب منها، حيث بُني مسجد عمر ولا زال الى يومنا هذا..
هذه هي مدينة القدس الإسلامية العربية، وهذا هو تاريخها على مرِّ العصور..
لذلك من الواجب علينا أن نُعدّ العدّة لتحريرها من أيدي الغاصبين، فنربّي أولادنا على مبادئ الدين، والتزوّد بالعلم، ليحملوا في المستقبل شعلة الدفاع عن الأوطان، ونشر السلام في كل بقاع الأرض.
قال السلطان نور الدين زنكي لصلاح الدين الأيوبي، وهو شيخه: إلى أين مسيرك؟
قال: لأحرّر بيت المقدس.
فقال: ارجع، فحرّر نفوسَ الناس من البغضاء والشحناء، والحقد والحسد، قبل أن تخرج لتحرّر بيت المقدس، فرجع، ونشر العقيدة والآداب، حتى هذّب النفوس.
وكان يتفقّد خيام جنوده، فإن وجدهم يتلون القرآن أو يقومون الليل قال: من هنا يأتي النصر. وإن وجد بعضهم يلهون ويلعبون قال: من هنا تأتي الهزيمة.
ثم رجع الى بيت المقدس، فحرّره بإذن الله تعالى... بالنفوس الأبيّة الرضيّة.
وإذا كان المسجد الحرام قبلة المصلّين، والمدينة المنورة قبلة المحبين فإن المسجد اﻷقصى قبلة المجاهدين..
قيل لنور الدين زنكي: لِمَ لا تبتسم؟
فقال: أستحي من الله أن ابتسم، وبيت المقدس أسير. ثم سجد وبكى، وتضرع إلى الله لينصر دينه.
ولن يُحرر بيت المقدس والأقصى الشريف وفلسطين إلّا بعد نبذ كل فرقة بين المسلمين، وتطهير النفوس، والرجوع إلى كتاب الله، وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم . وأن نشارك بقول الحق بالتوعية، بالتوبة، بالدعاء، بالمال، بالتكافل، بالدعوة إلى الله، بإتقان الأعمال كل واحد في مجاله، الطالب في درسه، والبائع في متجره، والمدير في مؤسسته، والإمام في مسجده، والموظف في وظيفته، لا يمكنني أن انصر المجاهدين ولا أي قضية وأنا إمام فاشل، ومدرّس لا مبالي، ومدير متسلّط، وتاجر غشاش مرتشٍ محتكر.. الخ...
أما الخطب النارية الفارغة المضمون فلن تكلّفنا إلّا المزيد من الانهيار.
وقد بَشر صلى الله عليه وسلم بفتح بيت المقدس قبل أن يُفتح ببضع عشرة سنة، وهو أول القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن والقلب يعصره الألم، أمام وحشية اليهود الغاصبين الذين ينشرون الرعب، ويسفكون الدماء.. على مرأى ومسمع من العالم، ولكن، أين هم المسلمون؟ هل فقدوا هيبتهم؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقوله: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى الأُمَمُ عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». فَقَالَ قَائِلٌ: أوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»، وقد وجهنا الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
واختتم بالقول: إن طوفان الأقصى قام به أشخاص باعوا أنفسهم للّه وضحّوا بكل شيء، يحتاجون منا دعماً ودعاءً وتضحية، فكلنا مسؤول، وكلنا عليه التحرك، ولا تستصغروا حركة أو كلمة أو خطوة، في سبيل الدفاع عن فلسطين ولنثق بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر ورائه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله».
كل التحية والتقدير والاحترام لشجاعة أهلنا في فلسطين في تصدّيهم وتخطيطهم وتنفيذهم لهذا الطوفان الحق، طوفان الأقصى، بعدما طغى اليهود عليهم ظلماً وقتلاً وقهراً، فهبّوا لاستعادة أرضهم وبيوتهم وكرامتهم، ونسأل الله أن يبارك بهم ويرحم شهدائهم ويشفي جرحاهم وينصر مجاهديهم ويحمي بلادهم.. إنه على كل شيء قدير.