بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2023 12:00ص العلماء في يوم عرفة: يوم يباهي ربّنا تبارك وتعالى بعباده.. فالفوز لمن كان منهم

الشيخ د. خليل شعراوي الشيخ د. خليل شعراوي
حجم الخط
يوم عرفة هو التاسع من ذي الحجة، وردت في فضله نصوص عديدة صحيحة منها: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله - تعالى - فيه عبداً من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء?»، وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «خير الدعاء يوم عرفة. وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك. وله الحمد. وهو على كل شيء قدير»، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة. ينزل الله - تعالى - إلى السماء الدنيا فيباهى بأهل الأرض أهل السماء. فيقول: انظروا إلى عبادي شُعثاً غُبراً ضاحين (أي واقفين متجمعين من الضحى) جاءوا من كل فجّ عميق. يرجون رحمتي ولم يروا عذابي. فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة».. فماذا يقول الدعاة والعلماء في هذا اليوم..؟!

العرب

بداية قال الشيخ حسن العرب، إمام وخطيب المركز الاسلامي في سبينه، إن يوم عرفة يوم عظّم الله تعالى أمره، ورفع قدره، وأقسم به؛ فقال سبحانه: {وشاهد ومشهود} [البروج3]. والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، وهو اليوم الذي أكمل الله عزّ وجلّ فيه الدين، وأتمّ علينا النعمة، وأنزل على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم  في موقف عرفات المشهود قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة:3]. قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعرفات، في يوم جمعة.
وفي يوم عرفة يباهي ربنا تبارك وتعالى بعباده، ويغفر لهم، فما رئي الشيطان في يوم أحقر ولا أدحر، ولا أذلّ ولا أصغر منه في يوم عرفة؛ لما يرى من سعة رحمة الله سبحانه بعباده وعفوه عنهم، فالشيطان يحرض بين الناس؛ ليوقعهم في الآثام، قال الله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} [الإسراء:53]. وقال عزّ وجلّ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم} [البقرة:263].
أما كيف نغتنم عطايا الله سبحانه في هذا اليوم الكريم؟ فعلينا أن نستثمر كل لحظة في طاعته، لننال مغفرته ورحمته، فنتوجه إليه تعالى سائر يوم عرفة بالسؤال والدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» رواه الترمذي. فندعو الله تعالى بالخير للنفس والأهل ولعموم المسلمين.
قال الإمام النووي رحمه الله: يوم عرفة أفضل أيام السنة للدعاء. وندعو بقلب خاشع، موقنين بالإجابة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عزّ وجلّ أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» رواه الترمذي.
وأَضاف: وفي يوم عرفة نكثر من قراءة وتدبّر القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، فذلك من أسباب الفوز بجنته، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله عزّ وجلّ. وقراءة القرآن الكريم أفضل الذكر، وكذلك نتقرّب إلى الله تعالى بالسنن والنوافل حتى ننال محبته ورضاه، وننهل من فيض كرمه وعطاياه، وإن المرء قد ينشغل ببعض أمور الحياة، فهل من عمل صالح يشمل نهار يوم عرفة كله؟ نعم؛ إن الصيام يحقق لنا ذلك، فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن صوم يوم عرفة، فقال صلى الله عليه وسلم : «يكفّر السنة الماضية والباقية» رواه مسلم، فما أعظمه من أجر، وما أكرمه من عطاء، فهل نغتنم يوم عرفة ونصومه، لننال تكفير السنة الماضية والسنة الباقية؟
وتابع بالقول: ومن أهم مظاهر الخير في عرفات هو اجتماع الحجيج في مكان واحد، في وقت واحد، من شتى بقاع الأرض، فالله تعالى خالق الخلق، يجمع المسلمين في يوم عرفة، ليكون ذلك لهم درسا في تحقيق الوحدة والائتلاف، وإعلاء راية التسامح، وقيمة المودة والتصالح، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف، التي تمنع العفو، وتحجب المغفرة التي يؤخّرها الله تعالى عن المتشاحنين، فيقول لملائكته الكرام: «اركُوا هذين حتى يصطلحا» رواه مسلم، أي: أخّروهما، فهذا يوم التصافي والتواد، وتوطيد العلاقات مع الله تعالى، ومع الناس؛ باحترام حقوقهم التي أمر الله تعالى بها، وأوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم  حين وقف في نهاية مسيرته، وختام دعوته؛ فألقى خطبة وسأل فيها أصحابه: «أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ ثم قال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» فقرر صلى الله عليه وسلم  صيانة الدماء أن تسفك، وحفظ الأعراض أن تنتهك، والحفاظ على الأموال أن تستباح، وهذا يظهر المقصد الأسمى من رسالة الإسلام، وهي السلام والرحمة والعدل.

نسبين

أما الشيخ غنوم نسبين، إمام جامع الأزهر، ومدير إذاعة القرآن صوت الأزهر في البقاع، فقال بدوره: يوم عرفة هو اليوم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «يوم صوم يوم عرفة يكفّر السنة الماضية والسنة القابلة»، وهو اليوم الذي فسّر النبي صلى الله عليه وسلم  قوله تعالى {وشاهد ومشهود} في سورة البروج ان اليوم الموعود هو يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة وشاهد هو يوم الجمعة وقد ورد في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان رجلا من اليهود قال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم نقرأها وتقرأونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم  وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ان الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة وأخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبل قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين أو تقول إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. نعم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب ويوم العتق من النار والمباهات بأهل الموقف، قال صلى الله عليه وسلم : «ما من يوم أكثر من أن يعتق فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء؟».
وفي يوم عرفة يبدأ حجاج بيت الله الحرام التدفق الى صعيد عرفة لأداء ركن الحج الأعظم بعد أن قضوا في مشعر منى يوم التروية وهو يوم من أيام الله تعالى حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى الى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء». وفي رواية ان الله يباهي بأهل عرف ملائكته فيقول: يا ملائكتي انظروا الى عبادي آتوني شعثا غبرا ضاحين. ولا ننسى ان يوم عرفة ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في فضله انه من صام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده ويشرع في هذا اليوم الأغرّ المبارك أولا الصيام والإكثار من الذكر والتكبير والدعاء، وان موقف عرفة من المواقف التي ينبغي للمسلم أن يعتني فيها بالدعاء بجدّ وإخلاص، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». ولنعلم ان الأيام والشهور والأعوام تمضي سريعا وهي محط الآجال ومقادير الأعمال فاضل الله بينها فجعل منها مواسم للخيرات وأزمنة للطاعات تزداد فيها الحسنات وتكفّر فيها السيئات، ومن هذه الأيام يوم عرفة فهو أحد أيام الأشهر الحرم، قال تعالى {ان عدة شهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض} منها أربعة حرم والأشهر الحرم هي: ذو القعدة ذو الحجة محرم ورجب ويوم عرفة من أيام ذي الحجة، ويوم عرفة يوم اقسم الله به في قوله تعالى {والفجر وليال عشر} وانه يوم عيد لأهل الموقف، قال صلى الله عليه وسلم : يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام والدعاء في عرفة خير الدعاء.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: يوم عرفة هو يوم العتق من النار فيعتق فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأنصار من المسلمين فلذلك صار اليوم الذي يليه عيد لجميع المسلمين. وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين.

شعراوي

أما الشيخ د. خليل إبراهيم شعراوي، مدرّس الفتوى وإمام وخطيب مسجد مكحل، فقال بدوره:
يقول الله سبحانه وتعالى: {ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا} فها نحن في أيام الحج خير أيام الدنيا، الحجاج ذهبوا لقصد بيت الله الحرام، وتلبية لنداء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتمّ التسليم قائلين: لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، هذا هو شعارهم وقولهم، وهذا هو منهجهم، تركوا بلادهم وودّعوا أهلهم وجيرانهم على هذا الشعار.
هذه الأيام كما قال صلى الله عليه وسلم : «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا الجهاد في سبيل الله إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
وخير هذه الأيام يوم عرفة، هو يوم مغفرة الذنوب، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «صوم يوم عرفة يكفّر السنة الماضية والباقية». وهو يوم العتق من النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عباداً من النار من يوم عرفة». وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، فقد أنزل الله في هذا اليوم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}.
وهو يوم استجابة الدعاء، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الدعاء هو دعاء يوم عرفات».
فيوم عرفة هو يوم اعتراف العباد بذنوبهم إلى خالقهم، يوم طلب العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.
فلذا ترى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم تلهج لزيارة تلك البلاد الطاهرة، ولكنَّ الله رحمته واسعة فهو العليم الحكيم حيث قال سبحانه: {ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا} فجعل الحج للمستطيع وأعطى ثواب الحج لمن أخذ بالأسباب ولم يستطع الذهاب إلى جبل عرفات، ليقف مع حجاج بيت الله الحرام، إذ أعظم ركن في الحج هو يوم عرفة، لا بل بلا عرفة لا يكون هناك حج.
فيا من لم يتسنَّ له الوقوف على جبل عرفات جسداً لا يفوته أن يقف معنىً وروحاً، فإخوانكم من المسلمين قد ذهبوا إلى تلك الديار المباركة طلباً للمغفرة ورضا الله سبحانه وتعالى، فلا تكونوا في بلادكم على غير منهجهم، فالله قريب ويغفر لمن يشاء متى شاء.
ولا يكن إخوانكم من المسلمين يرجمون الشيطان في حجّهم وأنتم له مستقبلون. فالحج وإن كان لا يقبل إلّا بالذهاب إلى تلك الديار بالجسد، إلّا أنَّ الله كريم يعطي ثواب الحج لمن صدق في طلبه ولم يستطع إلى ذلك سبيلا.
فالحمد للّه على واسع كرمه وجوده وأنَّه لم يجعل لأحد على دينه سلطة في التحكم بالثواب والمغفرة، ورزقنا الله الزيارة والعودة إلى تلك الديار والوقوف على جبل عرفات مراراً وتكراراً آمين يا رب العالمين. وكل عام وأنتم بخير.