بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الأول 2022 12:00ص العلماء مع توسّع دائرة الطلاق والتفكك الأسري: لنعترف بأخطائنا... وليكن شعارنا بالعلم والعمل نبني الأسرة والمجتمع

القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي
حجم الخط
يقول الله تعالى في كتابه العزيز {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فالزواج سكن، وهو مودة ورحمة، وعليه تُبنَى سعادة الأسرة أو تشقى، فإذا حرص الزوجان على دوام هذا السَّكن وعلى المودةِ والرحمة كان ذلك فلاحاً ونجاحاً في الدنيا وفي الآخرة، فالمعاملة بالحسنى وحسن العشرة والاحترام المتبادل بين الزوجين من أهم أسباب نجاح الحياة الأسرية، ومراقبة الأبناء والاهتمام بشؤونهم ومراعاتهم وتحمّل المسؤولية واجبة على كل زوج وزوجة، ولذلك قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)، فالتفكك الأسري وانتشار حالات الطلاق في المجتمع يعتبر من الآفات التي لا بد من علاجها واستئصالها والإسراع في معالجة أسبابها خاصة أن الدين الإسلامي حثّ على ذلك وأمر به.
وفي مجتمعنا اللبناني وفي ظل الظروف المحيطة به في كل المجالات، كثرت حالات الطلاق والتفكك الأسري، مع غياب واضح لسبل العلاج من مختلف المسؤولين...
فما أثر هذه الظاهرة في بلادنا..؟!
وكيف يرى العلماء خطورتها وأيضا كيف يرون علاجها..؟!

الكردي
بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: العلاقات الاجتماعية والأسرية هي عماد المجتمع وأساس بناء الأوطان ولذلك علينا جميعاً المحافظة على هذه العلاقات وتنميتها وتقويتها حتى نواجه التفتت الأسري والمجتمعي، فقد أصيب الجميع بتشتت الأسرة والمجتمع مع وجود الكم الهائل من وسائل التواصل الاجتماعي من «فايسبوك» و«واتس أب» و«تويتر» وغير ذلك من الوسائل التي أصبحت لإظهار المواهب والصور وبروز الذات أمام أشخاص وهميين شغلت الجميع على حساب الأم والأب والأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة وكل الأصدقاء والأصحاب الحقيقيين وأمسى أفراد العائلة والمتزاورين فيما بينهم بمجتمع صامت يتحدثون ويضحكون ويمرحون مع أشخاص بعيدين عنهم بل ربما يكونوا أعداء لهم يريدون إفسادهم واستغلالهم بشتى الطرق والوسائل، وهذا هو الإنحراف الخطير الذي يجب مواجهته ومحاربته بالفكر والكلمة.
وتابع: واجبنا الشرعي والأسري والمجتمعي أن نرجع للواقع المحسوس ونقترب من أهلنا وأصحابنا الذين نراهم ويروننا وإن الصلة بهم لا تحتاج لكثير جهد وعمل وإنما بكلمة طيبة وبسط معاني الوجه بالبشر وحسن اللقاء والتواصل لهم بكل مناسبة اجتماعية ومنها الأعياد التي أمرنا الله بالاحتفال والفرح والتزاور بها، لأن المجتمع إذا تفرّق والأفراد توحّدت وانفردت انقطعت الصلات المجتمعية التي ميّزت الإنسان عن غيره من الكائنات التي خلقها الله.
لقد أمرنا الله تعالى بالتعارف والتقارب والتواصل الحقيقي فيما بيننا فنتشارك في أفراحنا وأتراحنا ونبني مجتمعاتنا بالترابط الصحيح والقوي وإظهار المحبة والألفة وقد قال الله تعالى {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يدُ اللَّهِ مع الجماعَةِ ومن شذَّ شذَّ إلى النّارِ). ولهذا كله ندعو أفراد الأسرة وأفراد المجتمع وكل الجمعيات والهيئات للمشاركة الفعّالة لبناء أسرة قوية ومجتمع مترابط لا تهزّه الرياح ولا تهدمه العواصف.
واختتم قائلا: فليتعاون الجميع على البر والتقوى وعمل الخير والانتفاع من الوقت والاستفادة منه بكل عمل نافع وفتح أبواب العلم والعمل، لينشغل المجتمع بكل ما يؤسس لبناء الأوطان وليكن شعارنا (بالعلم والعمل نبني الأسرة والمجتمع).
شحادة
أما القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة فقال بدوره: تشهد مجتمعاتنا وبعض العائلات في منطقتنا بشكل عام لا سيما في السنوات الأخيرة هذه تراجعا ملفتا بالتماسك والتقيّد والحفاظ على تنفيذ تعاليم الدين الحنيف وكذلك ابتعادا عن أبسط القيم الأخلاقية والاجتماعية الى ان وصلت الى التخلّي عن التقاليد الراقية التي عهدناها في مختلف الفئات والمجتمعات والعائلات على اختلافها، مما أدّى الى توسّع رقعة الخلافات الأسرية وبالتالي العائلية وقلّ فيها الاحترام والوفاء للآخر بين المجتمع وصولا الى الأفراد حتى وصل ذلك الى العائلات التي كانت تعتبر محافظة إلا ما نذر ورحم ربك.
وقال: أما الأسباب فتعددت وتنوّعت ونبدي بعض منها:
الابتعاد عن تعاليم الدين والقيم الدينية، إسلامية وغير إسلامية، حيث ان هذا الابتعاد قد أصبح شائعا وطال العديد من المجتمعات حيث ان قول الله تعالى في كتابه العزيز {وقضى ربك الا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} وقوله صلى الله عليه وسلم  (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، معادلة بسيطة وراقية أن يتمسك بها الإنسان لما عانى المجتمع والعائلة من تفكك وانعدام الاحترام والوفاء.
للأسف اتخذ العديد من الناس عبادة الله صوريا وعبادة المصالح فعليا وحب المال أصبح مفضّلا عن محبة الناس والأصدقاء والأقارب حتى الأهل في العائلة الواحدة، فأصبح الفرد الضال قدوة لأمثاله، وانتشرت تلك القواعد الشاذة وكأنها هي الأساس، يجد أن المصلحة الخاصة أهم من المصالح العامة. ومخالفة الشرائع أصبحت سهلة لدى العديد من هذه الأصناف من الناس.
وأضاف: الأمر الآخر الخلافات العائلية والزوجية تفاقمت وتكاثرت لأسباب منها أخلاقي ومنها مادي، وما جعل الفساد العائلي يتوسع بالانتشار بسبب تفشي الخلافات العائلية أمام أفرادها وأمام الفئات الأسرية بحضور الأولاد وعلى مسامعهم والذين يتأثرون بلا أدنى شك بخلافات الأهل، ولذلك أصبحنا نعاني من انتشار هذه الظاهرة من عدم احترام الأولاد لأهلهم، والأخوة تباعدوا، فضلا من أن تنتشر بينهم المحبة والغيرة على بعضهم البعض.
وقال: لا شك ان الأزمات الاقتصادية والمعيشية غير المسبوقة ساهمت بشكل ملحوظ في الابتعاد عن الأخلاقيات والمحبة والتآلف وانتشرت بين الناس تلك الطباع التي تخدم مصلحة كل فرد وان كانت على حساب الآخرين وأن كانوا من أقرب المقرّبين. انها مرحلة خطيرة فعلا تنذر بتحلل الأخلاق وانحلال الأسر التي هي قاعدة المجتمع، فان فسدت الأفراد تنعكس تلقائيا على فساد العائلة وان حصل ذلك يؤدي بلا شك الى فساد وانحراف المجتمع.
وهذا أمر محزن فعلا لأننا شعب من أصل طيب وان عادوا الى تعاليم الشرائع والى التقاليد الشريفة التي نشأت عليها العائلات أجيالا تلو الأجيال سوف تضيق تلك الفجوة من الانحراف الأخلاقي والاجتماعي لان الدين المعاملة وليس مقتصرا على العبادة. (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) هذا هو المبدأ الذي تربّينا عليه وقدوتنا بذلك نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام.
وتابع: ان استمر الحال على ما هو عليه فلن يسلم أحد من الانهيار الأخلاقي والأسري ولا يوجد رابح في هذه الحالة، فما نتمناه على اخواننا واخواتنا في مجتمعاتنا التي طالما تباهينا بها ونأمل أن تعود لما كانت عليه فالعودة الى الله تعالى وتعاليمه والى سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، سوف نحظى برضى الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وسوف تنتشر الفضيلة وتسود المحبة وينتشر السلام والاحترام، ولا يسعنا إلا أن ندعو للجميع بالهداية والسلام والمحبة لأنها هي الخلاص مما نحن فيه. وان الله تعالى على كل شيء قدير.