بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 حزيران 2023 12:00ص المفتي الشيخ د. وفيق حجازي لـ(اللواء الإسلامي): الحج تنقية للنفوس من الأخلاق الذميمة وتصويب لمسارها الحياتي

الشيخ د. وفيق حجازي الشيخ د. وفيق حجازي
حجم الخط
ها هو موسم الحج قد هلَّ علينا.. وهذه الأيام هي أيام مباركة، حيث يدعى المسلمون فيها لأداء فريضة الحج في الأوّل من ذي الحجة، وتكون هذه الأشهر أشهراً يمتدُّ فيها الشعور بالتعبّد والتفرّغ للعمل على تهيئة النفس والأجواء الدينية التي ينبغي أن يتمتع بها كل مسلم لا سيما من يريد أداء فريضة الحج فيبدأ بالتعوّد على فضائل هذه الأشهر، وهذه الفريضة يكثر فيها من التعبّد، وأنصح أن يبدأ بالقراءة عن فرائض الحج والتفقّه في أمور دينه وتعلّمه كيفية أداء مناسك فريضة الحج كي لا يقع في أخطاء.
فعلى المسلم أن يعرف ما هي العبرة من المناسك التي يقوم بها، فهي ليست فقط الانتظار للذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج وإسقاط الواجب الفرض عنه بل هي مرحلة منحت له وعليه أن يستغلّها ليتعلّم ما معنى فريضة الحج وما أجرها عند الله تعالى حيث انها من أفضل الفرائض، وهي قد فرضت على المسلم مرّة في العمر لمن استطاع إليها سبيلا ويعود منها خالياً من الذنوب والمعاصي ويبدأ حياته بطهارة ونظافة وإيمان وسلوك حسن كما ينبغي عليه.
إن هذه الأيام ما قبل الحج علينا أن نستغلّها في التعبّد والتفقّه والتعوّد على كيفية أداء هذه الفريضة على أكمل وجه ومساعدة الآخرين ممن يريدون أداء فريضة الحج كي يكون لهذه المناسك العبرة الجيدة وتكون قد أدّيت على أكمل وجه دون خلل، وهذه من الواجبات التي على المسلم أن يتعلّمها سواء كان يريد الحج الآن أو فيما بعد لأنها من الفرائض التي فرضت على المسلم واعتبرت من الأركان الخمسة وهي الركن الخامس الذي علّمنا الإسلام هذه الأركان على لسان نبينا محمّد # ولا يبني شيء دون ركنه وهذا ركن أساسي في ديننا الإسلامي.
كما عليه أن يحسن بناء هذا الركن وأدائه، وأن تكون هذه الأيام أيام خير وبركة وعلم، إلى أن يأتي يوم الحج الذي يتمنّاه كل مسلم في هذه الدنيا بزيارة بيت الله الحرام، وأن يقوم بواجبه الديني والإنساني فيه.
فما هي الأبعاد الروحية والاجتماعية لهذه الفريضة..؟!
وكيف يمكن للمسلم، حاجا أم غير حاج، أن يحسن استثمار هذه الأيام..؟!
هذا ما طرحناه على مفتي راشيا الشيخ د. وفيق حجازي وكان هذا الحوار..

عبادة تظهر كمال العبودية للّه

{ بداية ما هي معاني الحج وأبعاده الدينية والاجتماعية؟
- من مكامن عظمة الإسلام الحج إلى بيت الله الحرام، والحج هو القصد إلى معظم، والحاج هو المتخلق بقيم الإسلام ومبادئه السمحة لأنه تعلّم من مدرسة الحج كيفية الاستعداد ليوم العرض على الله تعالى وهذا ما يظهر جليّا عندما يقوم المسلم بأداء تلك المناسك انقيادا لأوامر الله وتأسّيا بالنبي محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنه وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال العبودية للّه تعالى حيث لا حظَّ للنفوس وإنما تنقية لها من الأخلاق الذميمة لأنها مذمومة كل زمان ومكان وعلى وجه الخصوص في الحج، حيث قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}، ومن هنا كان لزاما أن يُعظَّم الحج، ومن لوازم تعظيمه الانضباط في السلوك والمراقبة لملك الملوك جلّ جلاله، وهذا من مقاصد الحج ذلاًّ وانكسارا للّه وتقرّبا إليه بما أمكن من القربات، والتنزّه عن مقارفة السيئات؛ فإنه بذلك يكون مبروراً، والمبرور ليس له جزاء إلّا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كلّ مكان وزمان، فإنها يتغلّظ المنع عنها في الحج، والحياة الدنيا هي سفر وزادها التقوى، بفعل الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات، فالله أمر الحجاج أن يتزوّدوا لسفرهم، ولا يسافروا بغير زاد، ثم نبّههم على زاد سفر الآخرة، وهو التقوى، فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلّا بزاد يبلغه إياه، فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلّا بزاد من التقوى، فجمع بين الزادَين، والمسلم عندما يعتاد على تعظيم شعائر الله، فإنّ ذلك يربّي في نفسه تعظيم أوامر الله وتقواه في كلّ وقت والله يقول: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، ومن قيم الحج كذلك بيان أنّ الإسلام لا يعرف نَسباً، ولا طبقةً، والناس كلّهم أمة واحدة، سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى، وبيان وحدة الأمة وتماسكها وإحياء معنى الأخوة الإيمانية وهذه من أعظم المنافع التي يجنيها الحاج من موسم الحج، حيث إن اجتماع الأمة بهذه الأعداد الكبيرة مع اختلاف أشكالهم ولغاتهم على توحيد الله وعبادته يترك مردوداً نفسيًّا واجتماعيًّا كبيراً في قلوب المؤمنين وباجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالافتراق والتعادي يختلّ نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كلّ واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدّى إلى الضرر العامّ.

إلى كل من نوى الحج

{ وما رسالتكم لمن نوى الذهاب للحج؟
- إن أهم ما يجب أن يتخلّق به الحاج أن يخلص النيّة للّه تعالى ويقصد بالحج وجه الله تعالى دون رياء أو سمعة أو طلب ممدحة من كلام الناس لأنه يستوجب أن يكون الباعث على الحج أن يغفر الله له ذنوبه، فعليه أن يقوم بواجبات الحج وأركانه، وأن يتجنّب محظورات الإحرام الخاصة والمحظورات العامة، الممنوعة في الإِحرام وفي غير الإِحرام، وأن يضبط نفسه وجوارحه وأن يكظم غيظه ويحرص على مجانبة الصخب والجدال والهمّة العلية في أداء المناسك مع استحضار دائم ليوم العرض على الله تعالى والحذر الكبير من الانشغال بأمور الدنيا في الحج على حساب العمل للآخرة، ولذلك على الحاج أن يكون حريصا على استغلال هذه الفرصة لأن المحروم من حرم فضلَ الله وجودَه، والشقي من تمرّ عليه هذه الأزمانُ الفاضلة، والأوقاتُ الشريفة دون استغلالٍ لها، أو إفادة منها، وليس في الأرض يوم إلّا للّه فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقاً للرقاب من يوم عرفة وأن يكون حسن الظن بالله تعالى أنه سيغفر له ذنوبه وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  انه قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

عمل غير الحاج

{ وكيف يمكن لغير الحاج أن يستثمر هذه الأوقات المباركة؟
- من لم يتمكن من أداء مناسك الحج فلا يعني أنه ليس مطالبا بالتخلّق بأخلاقيات الحج بل عليه أن يعيش أطياف الحج بحاله ويلتزم مضامين الحج في سلوكه، لأن المراقبة للّه لا تقتصر على الحج، كما الخشية والمحبة والطاعة للّه هي في الحج كما في غيره، ولذلك حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على صيام العشر من ذي الحجة وعلى وجه الخصوص يوم عرفة لغير الحاج، وسنّ لنا نبينا عليه الصلاة والسلام الأضحية وبيّن لنا أن من يرغب بأدائها عليه أن يتخلّق بأخلاقيات الحج من حيث عدم قص الشعر والظفر، بيد أن النبي حثّ على أداء مناسك ويأخذ المسلم منها ثواب الحج كالذهاب للمسجد للصلاة وحضور مجلس العلم من ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم»، والاعتكاف بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين فيأخذ أجر حاج ومعتمر، يقول عليه الصلاة والسلام: «من صلّى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلّى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة».