بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 أيلول 2023 12:00ص المفتي حجازي في حوار مع «اللواء»: الحريّة التي نريدها تبني الشخصية.. وتحرس الأمن.. وتحفظ النفس والفطرة

المفتي الشيخ وفيق حجازي المفتي الشيخ وفيق حجازي
حجم الخط
الحرية في النظرة الإسلامية ضرورة من الضرورات الإنسانية، وفريضة إلهية وتكليف شرعي واجب.. وليست مجرد «حق» من الحقوق، يجوز لصاحبه أن يتنازل عنه إن هو أراد، فمقام الحرية يبلغ في الأهمية وسلّم الأولويات مقام الحياة.
وكم نحتاج في هذه الأيام إلى أن نتعرّف على معنى الحرية وما موقف الإسلام من الحريات، وكذلك أن نعرف الفرق بين الحرية والمسؤولية، وهل حرية الإنسان تدعوه لكي يزدري الآخر أو يؤذي الآخر أو يعتدي على الآخر؟!..
ففي أيامنا وفي بلادنا، نرى الحرية تُغتال تحت ستار ممارستها..
يُعتدى عليها وتُشوّه وتُحمّل ما ليس منها.. ثم يقال حرية؟!
نسيء لكل آخر ونهين كرامته ثم نقول حرية..؟!
فهل الحرية فعلا كما نرى.. أم هي ذات إطار إنساني وأخلاقي له شروطه وحدوده؟
هذا ما طرحناه على سماحة مفتي راشيا الشيخ د. وفيق حجازي، وكان هذا اللقاء:

المنهج الصائب

{ بداية ما هي الحرية وحدودها؟
- الإسلام دين جعل الحرية عمادا من أعمدته، وحقا مكفولا لجميع الناس، وأنها مطلب محق لكنها لا يمكن أن تؤتي أُكلها إلّا حينما تكون ضمن المنهج الصائب والممارسة الصحيحة، بما لا يتعارض مع شرعة الإسلام وقانون الدولة والنظام العام، وهي إحدى مقومات الشخصية الإنسانية، وأساس أي مجتمع إنساني، لذلك فإن الإسلام حرص على تربيتها وتهذيبها وتقويمها، وضمن الحرية الشخصية؛ وحرية الرأي، وحرية العمل، وحرية المأوى، والتملّك، والتعلّم والتعليم.
فحرية أي إنسان بدءا هي مكفولة لكنها تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، فتُمارس في إطار نظام وليس عبث، والله تعالى يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وإن فرقا بين الحرية والعبث والفوضى وهي عندما تخرج عن القيد وتكون مبنية على الهوى والشهوة لا تكون حرية وهذا الخروج عنها مدمّر في حقيقته للإنسان أكثر مما هو بنّاء وحرية الشخص تعني حرمة الذات، وتأمين الذات، ولا تكون الحرية منتجة إلّا عندما تكون بالتذلل للّه والعبودية له.
{ ولكن كيف تكون الحرية في خدمة الإنسان ليس في محاربة القِيَم والأخلاق؟
- إن الحرية التي يريدها الإسلام هي الحرية التي تبني الشخصية، وتحرس الأمن، وتحفظ النفس والفطرة، وتقيم الحق والعدل، وإذا تجاوز أي إنسان حدود وضوابط الحرية؛ فإنه يؤذي نفسه ومجتمعه وأمته، لأن الحرية عبارة عن المطالبة بالحقوق والوقوف عند الحدود، وإنها للأسف عرضة للتلاعب والتحريف والاستغلال؛ فالمجرم يفهم الحرية: ممارسة السلب والنهب والقتل، والمحتال يفهم الحرية: سلبَ الأموال، وممارسة الغش والاحتكار، وحيل المضاربات والقمار، وقد يصوّر للمرأة الحرية انفلاتها من ضوابط العفّة والقوّامة وأي ضابط خُلُقي، ومن استغل الحرية للتعدّي على ثوابت الدين ومسلّمات الشريعة، وعمل على إضلال الناس؛ فإن حقه العقوبة والحجر.
وإذا كان البعض يزعم أن معنى الحرية أن يخرَّب المجتمع المسلم وتنتقض أسسه التي قام عليها؛ فهذا مجون، ونحن بحاجة إلى أن نفهم الحرية من نصوص الوحي، لا من خلال تصورات بشرية قائمة على الأهواء والشهوات والمصالح التي تتعارض والقيم والثوابت الدينية فضلا عن الأخلاقية، وعندما يتغنّى الغرب بالحرية يقصرها على نزواته وبالتالي يشجع على الشذوذ والإباحية ولكنه يحارب العفّة والأخلاق فكيف يكون هذا حرية؟!

دور الدعاة

{ وماذا عن دور الدعاة في التوعية بهذا الأمر وتوضيح معالمه؟
- إن دور الدعاة جوهري وأساسي لأنهم ملزمون بالتوجيه والإرشاد الديني الذي يعزز من القيمة القيمية للإنسان ومنها قيمة الحرية، ذلك أن حرية الرأي والتعبير كما العقيدة هي من منطلقات الحرية، والداعية هو مبلّغ عن الله، والتوعية من الوسائل اللازمة التي لا بد منها تجاه الأمة لأنها في سفينة ولنجاتها لا بد من التوجيه وأن يؤخذ على يد منتهك الحرية حتى لا تغرق السفينة بالأمة كلها.

الإعلام له دور رائد

{ والإعلام.. وخاصة في أيامنا، أي دور يجب عليه القيام به؟
- الإعلام هو السلطة الرابعة وله دور كبير في إيصال رسالة الحرية للمجتمع ذلك أن ما يبثّ على وسائل الإعلام يسهم في تغيير مزاج وتصوّر وعمل المجتمع لما له من كبير التأثير على الناس. على الدولة اللبنانية أن تضبط إيقاع الإعلام اللبناني من التهوّر في أكثريته ذلك أن ما يبث على وسائل الإعلام اللبناني في عمومه سلبي وممقوت لأنه ينشر الإباحية ويشجع على الشذوذ، فضلا عن أن كثيرا من البرامج الفضائية مخزية وبدلا من نشر القيم والأخلاق إذ بها تعطي مجالا للهواء الإعلامي لاستقبال الماجنين بيد ان عليها أن تواجه هذا الفكر القمئ، والقرآن الكريم حذّر من نشر الفاحشة وحدّد له عقابا رادعا له، بل إن هنالك من الفقه من اعتبر أن التشويه لفقه الحرية ومفهومها واعتبار الخروج عن القيم والمبادئ منطلقا من معنى الحرية إن هذا الفهم يُعدّ بمثابة قطّاع الطرق لأنه يخرم مقاصد الشريعة الإسلامية التي تعني حفظ النفس كما العرض والعقل والمال والدين، ومن هنا دور الإعلام مهم وأساس وجوهري لا يمكن الاستغناء عنه في عصر التكنولوجيا والثورة الرقمية، ومن هنا كانت المحافظة على حرية الإعلام موجبة لمحافظة الإعلام على صدق اللغة وتثبيت المبادئ والثوابت وعدم السماح للمرجفين بأن يكون لهم موطئ قدم في الساحة الإعلامية.