بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 شباط 2023 12:00ص بيروتيّات (22).. من السّاعات الرملية والشمسية والمائية... إلى الساعة الصوفية

حجم الخط
في «لسان العرب» ان الزمن هو الدهر أي الله ومن هنا حديث: لا تسبوا الدهر. والزمن سنة من سنن الخالق ولو عاش الإنسان للأبد لما كان هناك كتاب لأفعالك ولا كان حساب. وقد أدرك الإنسان قيمة الزمن فوضع القواعد الحسابية للساعات والأيام والشهور والسنين ولما وضع التقاويم الشمسية والقمرية.. وفي القرآن الكريم أقسم الله بالوقت {والعصر} {والفجر وليال عشر} {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى}.
ويفهم من الزمن استمرار تقدم الأحداث بدءا من الماضي ومرورا بالحاضر وحتى المستقبل أي لأجل غير مسمّى وتعاقب الليل والنهار والأيام والشهور فرض على الناس تخيّله.
والتاريخ هو برهة من الزمن تأخيرها بين قرن وقرون وقع فيها اختلاف وأمر عجيب كوقعة الطوفان. فلأجل ضبط الآتي والماضي من الزمان يعدّ منها الأيام والأعوام ولما كانت الشمس والقمر أظهر الأجرام السماوية وكان دور الشمس في حدود سنة وتمام دور القمر في حدود شهر فقد تقرر في العقول وتلقتها الطباع السليمة ان اثني عشر شهرا هي أشهر السنة كما نطق به القرآن الكريم {ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله}.

كان تاريخ العرب قبل الإسلام فيما شجر بينهم من الحروب والوقائع والأيام كعام الفيل وغيره، ثم لما مضى من الهجرة النبوية سبع عشرة سنة كتب أبو موسى الأشعري الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- «يأتينا من قبلك كتب ليس فيها تاريخ، فأرّخ لنا»، فاستشار عمر الصحابة فقال البعض: نؤرّخ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال البعض: نؤرّخ بوفاته، فقال عمر: بل نؤرّخ بهجرته الى المدينة فانها هي التي فرّقت بين الحق والباطل. فأرّخ فيها.
أما الشهر الشرعي فالعبرة في ابتدائه الرؤية بعد الغروب، ومن هنا ما يُعرف بالتوقيت العربي، فبدء اليوم من الغروب الى غروب اليوم التالي فعندما يقال ليل الخميس يعني ان الخميس يبدأ من غروب يوم الأربعاء، فلو ان اخوين مات أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب قبل الزوال فالذي بالمغرب يرث الذي بالمشرق لأن الشمس تزول في المشرق قبل زوالها بالمغرب فالشرقي مات أولا فهو الموروث.
لا حكم لغير الله على الزمان
واختلفوا في آدم أبو البشر فقال البعض خلق قبل آدم ثلاثين ألف آدم وبين كل آدم وآدم ألف سنة وان الدنيا بقيت خرابا بعدهم خمسين ألف سنة ثم عمّرت خمسين ألف سنة ثم خلق آدم أبو البشر عليه السلام. وقال البعض انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف عام أو أكثر. ذكر الشيخ الأكبر ابن العربي ما يقتضي بظاهره ان قبل آدم بأربعين ألف سنة آدم غيره. وكل ذلك لا دليل عليه ولم يرد به خبر صحيح يعتمد عليه، وقد لخص الفقهاء ذلك بقولهم «كان بعد لم يكن ولا يكون بعد ان كان وأما انه متى كان ومتى لا يكون فمما لا يعلمه إلا الله تعالى».
يتضح رأي الفقهاء في الزمان من بحثهم موضوع تحريم الربا في أمرين: أولهما المساواة بين الجواهر والأعراض فمن اشترى مدّاً من حنطة بيضاء بمدّين من حنطة سمراء فالمد الزائد ثمنا للعرض وفيه ظلم لأنه ساوى بين الجواهر والأعراض وهذه الأخيرة لا تملك. وثاني الأمرين ان إقراض مائة ليرة تسدد مائة وعشرين بعد سنة فالعشرين هي مقابلة للزمان فالزمن ليس بموجود ولا هو ملك المقرض فيجوز بيعه والزمان لا حكم لغير الله تعالى عليه.
الأزمان أزمنة وظروف لإيقاع الأمور
ينسب الشعراء والأدباء النوازل للزمان ولأهله مع ان الزمان ليس بفاعل، قال ابن نباتة:
ولا تأمننّ عروض الزمان
فان الزمان فعولٌ فعولُ
أي انه من ناحية الزمان فعولن أي كثير الفعل وأكّده بإعادة فعول مرة أخرى.
وقال آخر:
لا اشتكي زمني هذا فأظلمه
وإنما اشتكي من أهل ذا الزمن
هم الذئاب التي تحت الثياب فلا
تكن الى أحد منهم بمؤتمن
وقال ثالث:
إذا رأيت أمرأ وضيعا
قد رفع الدهر من مكانه
فكن سميعا له مطيعا
معظّما من علو شانه
فقد سمعنا بأن كسرى 
قال قديما لترجمانه
إذا زمان السباع ولّى
ارقص الى القرد في زمانه
ولشعراء بيروت شكاوى من الزمان وبنيه، قال الشاعر عمر الأنسي:
عرفت بني الزمان فلا تؤمل
بهم خيراً تضلّ عن الرشادِ
خبرت بني الزمان فليس عندي
لهم ودّ فأمنحهم ودادي
وقال شاعر الموال شعيب العيتاني:
أهل الزمن صحبتهم خداع ومرى
وعيوبهم ظاهرة تتلالا شبيه المرى
بالناقصة ما يستحوا على ما يشوفوا مرى
دنياهم الفانية مذلول فيها الحر
واللي ما يبالي بالطعم ما يهمّو الحر
أهل هالعصر جهلان ما عارف برد من حر
واكثر رجالو بينقادو لصبي أو مرى
البيارتة وساعة أهل التصوّف
انشغل الفلكيون برصد حركة النجوم والكواكب السيّارة، فوضعوا جداول الأيام والشهور والسنين، فيما انشغل آخرون بتحديد وسائل لمعرفة الساعات كالساعة الرملية والساعة الشمسية والساعة المائية كالتي شاهدناها في مدينة فاس العتيقة. كما ان أهل التصوف نظّموا لهم في العهد العثماني ساعة صوفية عرض صورتها مؤخراً الصديق كريم قليلات.
وللبيارتة وقائع مع الساعات فمن المعروف ان التقليد الإسلامي لم يكن يسمح أن ترتفع في سمائه إلّا المآذن الى سنة 1898 حين بُنيت الساعة العربية في ساحة القشلة (السراي الكبير) وعندما بُنيت الساعة في ساحة النجمة وسط بيروت قال عمر الزعني «يلعن هالساعة وهيديك الساعة».
يذكر انه كانت توجد ساعة في مكتب قاضي بيروت الشرعي عبد الله جمال الدين مقابلة لوجهه دلالة على دقّته، فنظّم الشيخ قاسم الكستي فيها:
لهذه الساعة صوت طليق
وهي به إذا سكتنا تنطقٌ
كأنها بالوصف صبّ شيّق
فؤاده في حبه مستغرق
وكيف لا يظهر منها القلق
ووجهها فيه الجمال المطلق
وكانت لمحمد عبد الله بيهم أساليب مختلفة في تشجيع الطالب المتفوّق بمنحه ساعة ذهبية في وقت كانت الساعات الذهبية شبه حلم عند كل طالب. فكان ممن فاز بساعة ذهبية أمين ميسر (من مدينة حلب) وعمر الزعني الشاعر المعروف، وأحمد نجل الشيخ يوسف علايا، والأديب عمر فاخوري، والأديبة عنبرة سلام الخالدي، وآمنة حنون، ونظمية رمضان.
الشيخ سليم ناصر... والساعة الآتية
كان الشيخ سليم ناصر يؤمُّ الموظفين يتقدمهم الوالي في مصلى بالطابق الأرضي للسراي الصغير والذي كان مؤلفاً من قسمين: قسم مخصص كمصلى والقسم الآخر سجن.
لاحظ الوالي أن الشيخ سليم يتأخر أحياناً في إقامة الآذان وأحياناً يتقدم عن مؤذني الجوامع المجاورة للسراي كجامع الأمير عساف (السراي) وجامع الدباغة (العمري الصغير قديماً واليوم جامع أبي بكر الصديق) والجامع العمري الكبير. ولما سأله عن السبب أجابه بأنه لا يحمل ساعة فوعده الوالي بتأمين ساعة خاصة له. وغدا الشيخ سليم عند حلول موعد آذان كل صلاة يتنقل بين موظفي السراي يسألهم: توفيق أفندي كم الساعة؟ أحمد أفندي كم الساعة؟ الخ.. كي لا يتعرّض لملاحظة أخرى أو ملامة من الوالي.
وتأخّر الوالي بتنفيذ وعده وذات يوم أمّ الشيخ سليم المصلين لصلاة الظهر وبعد أن قرأ الفاتحة في الركعة الأولى قرأ من سورة الأعراف {يسألونك عن الساعة ايان مرساها قل إنما علمها عند ربي} (أية 187). وقرأ في الركعة الثانية من سورة الحج {وإن الساعة آتية لا ريب فيها وإن الله يبعث من في القبور..} (الآية 7) وقرأ في الركعة الثالثة من سورة طه {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعـــى} (الآية 15). وقرأ في الركعة الرابعة من سورة القمر {اقتربت الساعة وانشق القمــر} (الآية 1).
وبعد انتهاء الصلاة والتسليم نهض الوالي وسأل الشيخ سليم عن الداعي الى الإكثار من آيات وقوع الساعة، فأجابه: يا مولاي انها آيات كريمة أخطرها ببالي الساعة التي كنتم سعادتكم قد وعدتموني بإهدائها إليّ. وهنا نزع الوالي ساعته الذهبية الخاصة من جيب صدريته وأعطاها للشيخ سليم تقديراً لفطنته.

* مؤرخ