بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آذار 2023 12:00ص بيروتيّات (29).. الشاعر عمر الأنسي الصقعان من الإدارة إلى السجن (4/7)

حجم الخط
عمر الأنسي الشافعي النقشبندي إبن محمد ديب بن اعرابي بن إبراهيم بن حسين الشهير لقبهم بالصقعان ولد في بيروت سنة 1237. تعلّم القرآن وأحكام التجويد على الحافظ الشيخ حسين الجيزي المصري. توجه سنة 1259 الى مكة المكرمة مع الركب الشامي وقضى فريضة الحج، وبعد رجوعه شرع بأخذ العلوم والمعارف على الشيخين محمد الحوت وعبد الله خالد. عمل بعدة وظائف منها ستة: 1264 نظارة النفوس في جبل لبنان لمدة أربع سنوات ثم عاد الى بيروت وعيّن سنة 1275 عضوا في مجلس إدارة بيروت. ثم مديرا لقضاء لاذقية العرب ثم مديرا لقضاء مدينة صيدا وتزوج من أهاليها. وفي سنة 1291 وجّهت إليه نيابة صور وعاد سنة 1293 الى بيروت وتوفي فيها في السابع والعشرين من شهر رجب. خلف من البنين يوسف الذي توفي صغيرا والدكتور عبد الرحمن والشيخين عبد الغني وعبد الحليم. هذه خلاصة ترجمته كما رواها صديقه الشاعر قاسم أبو الحسن الكستي. وله ديوان شعر جمعه ونشره ابنه الدكتور عبد الرحمن بعنوان «المورد العذب» وفيه قصائد أرّخ بها للكثير من وقائع بيروت الاجتماعية والثقافية.

عمر الأنسي من الإدارة إلى السجن العسكري
يتبيّن من الديوان ان الشاعر عمر الأنسي سُجن سنة 1860 (دون معرفة السبب) من قبل فؤاد باشا مع جماعة في إحدى حجرات القشلة (السراي الكبير) المطلّة على وادي أبي جميل ونظر القوم غانيتين برزتا من خدرهما ووضع لهما كرسيان على سطح أحد القصور في الوادي فاندهش القوم من حسنهما فقال الشاعر يصف ذلك الوادي الناضر:
أشبه بالكواكب كل خودٍ
ويعجبني اجتماع الفرقدين
في الوادي الجميل أبي جميل
وحقك قد نظرتهما بعيني
وقال أيضا:
أحييّ زورة المشتى الملوكي
ومنظره المطلّ على الطلول
فواديها وساكنه وصبري
جميلٌ في جميلٍ في جميل
وقال مبتهلا الله تعالى في تفريج همّه وإنقاذه من شدّته قصيدة مطوّلة مطلعها:
حمدا لك اللهم يا من قد قضا
للنفس بالتسليم في حكم القضا
وقال فيها:
مولاي ان الكرب أوهى جلدي
والسجن قد أحرم أجفاني الكرى
مولاي انقذني من السجن على
أحسن حال واكسني العز حلى
يا رب أعداؤك قد جارت على
أمة محبوبك طه المجتبى 
يا رب قد زاد الغمّ والهمّ بنا
والسجن أصمانا وقد طال الثوا
وكتب الى فؤاد باشا يشكو إليه طول مكثه في السجن وافتراء أضداده وحسّاده ويسترحم منه تخلية سبيله والنظر الى حال عياله وضيق عيشهم وقلّة ناصرهم وذلك في 13 ذي القعدة سنة 1277هـ/ 1860م فقال في قصيدة طويلة مطلعها:
أرجى الوسائل طه أكرم الرسل
شفيعا من هدانا أوضح السيل
فهو الفؤاد الذي عمّت مراحمه
بالحلم والحلم أسنى حلية الرجل
أملت منه يقينا ان سيرحمني
فبتّ والقلب من كرب الهموم خلي
فانظر حالي وارحم فقر عائلة
تحمّلت ضيق عيش غير محتمل
ثلاث عشرة نفسا بين عاجزة
وقاصر ما له بين الأنام ولي
عمر الأنسي ومسرحية «كشف الظنون»
ازدهر الفن المسرحي في بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكتب البيارتة كعمر الأنسي وقاسم الكستي وحسين بيهم وأحمد عباس الأزهري وعرضوا مسرحيات مُثّلت في البيوت والمسارح والمدارس، وقد تابع الأنسي الحركة المسرحية وقرظها. ومما يؤسف له ان البيارتة اهملوا حفظ نصوصها واهملوا تراثهم وتقاليدهم كما عادتهم الى اليوم.
وضع الشاعر عمر الأنسي رواية بعنوان «كشف الظنون فيما جرى بين الأمين والمأمون» وكتب على ستار الرواية كعادة تلك الزمان:
رواية أفراح روايتنا غدت
بمن شرّفوها بالحضور الى هنا
وسلطاننا عبد العزيز تفضّلا
حبانا كل السرور إلهنا
أدمه يا ربّ جاهاً وملجأ
وأسبل علينا الستر بالأمن والهنا
وقد مثّلها تلامذة المدرسة الرشدية في بيروت سنة 1874م وكانت من خمسة فصول مشتملة على أخبار خلافة الأمين والمأمون وما جري بينهما من المحاربة واستيلاء المأمون على العرش. وقد حدد ثمن ورقة الدخول بفرنكين وبيعت الأوراق في عدة محلات منها محل الشيخ مصطفى نجا في سوق العطارين. وخصص ريعها للفقراء عموماً. ولم تطبع الرواية المذكورة ولم يبقَ منها إلّا ثلاث أبيات كُتبت على ستار المسرح (سبق ذكرها) وخمس أبيات هي التالية:
لك الحمد يا مستوجب الحمد والثنا
ويا من بنا فقر له وله الغنى
إليك التجأنا في الشدائد فانمحت
وكان لنا في بابك الأمن والمنى
قصدناك في كل الأمور فلم يخب
بجدواك يا رب البرية قصدنا
وهبت لنا عوداً لأوطاننا التي
بفضلك ما زالت معاقل عزّنا
تكرّمت بالحسنى وألهمت شكرها
فشكراً على شكرٍ ولا زلت محسنا
مسرحية «الرواية الجميلة في تزويج جميل بجميلة»
وهي من تأليف الشيخ حسين عمر بيهم، ابن عم العريس. أُعيد تمثيلها في دار الولاية. وقد انتقد البعض في حينه بعض موضوعاتها زاعماً انها من الملاهي الممنوعة والملاعب التي هي غير مشروعة. فردّ عليهم الشاعر عمر الأنسي الصقعان ( السجعان ) بقصيدة مطوّلة مطلعها:
للجد صورة هزل حليها الأدب
فليس ينكر فيها اللهو واللعبُ
والعقل كالسيف يعرو متنه صدأ
حيناً ويجلو صداه الأنس والطرب
وما رياضة أرباب العقول سوى
روض السماع به الآلات تضطرب
وتابع الأنسي يقول:
قلْ للجهول الذي أضحى يعارضنا
ذببت وحيك مهلاً فاتك العنب
وشرّف الله قوماً شرّفوا كرما
ملاعباً لهم الأفراح تجتلب
أكرم بدار كرامٍ لا يحل بها
إلا كرام لها العلياء تنتسب 
بنو أبيهم همُ في كل منقبة
لها المكارم أمٌّ والكمال أب
قاموا بها حول عبد الله في فرح
كأنه البدر ضاءت حوله الشهب
قوم أقاموا على تقوى الإله كما
قاموا بما فعله أو تركه يجب
ويقول في الرواية:
رواية كلها فضلٌ ومعرفةٌ
وحكمة ومعانٍ كلها نخب
جميلة ينسب الوضع الجميل لها
فليس يطرأ إطراءٌ ولا كذب
باهت بتشخيص أحوال
فكم شخصت لها عيون محا من عجبها العجب
فقلْ لمن رام يحكيها معارضة
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب 
ويخلص الشاعر في الختام الى مدح السلطان والوالي والمتصرف فيقول:
وجدْ لسلطاننا عبد العزيز بما
فيه لنا العزّ والإقبال والأدب
وزد إلهي والي الأمر راشده
رشداً به يتباهى المجد والرتب
وكاملاً هبه حظاً كاملاً فبه
لقد أتى تكامل من أفراحنا الطلب
مسرحية «فرح بن سرور»
مُثّلت رواية «فرح بن سرور» في قصر بني حمادة ولم تأخذ مكانتها في عالم التأليف المسرحي إلّا ان بعض ما قاله الشاعر الشيخ عمر الأنسي فيها يشير الى انها تناولت أحوال السلف وقد تضمنت الحكمة والعبرة، قال الشاعر:
زهت بتشخيص أحوال الألى سلفوا
حتى كأنهم غابوا وقد حضروا
رواية كلها فضل ومعرفة
وحكمة وإفادات ومعتبر
دلت على فضل منشيها الأمير ومن
بمثله هذه الأيام تفتخر
محمد الاسم من أفعاله حمدت
لا يحمد الغصن حتى يحمد الثمر
وتابع مادحاً آل حمادة:
بنو حمادة أهل المكرمات وهم
أهل المحامد فينا أينما ذكروا
قوم من البرّ والتقوى منازلهم
هي المطالع فيها الأنجم الزهر
وختم الشاعر قصيدته بقوله:
يا ليلة أشهدتنا بهجة وهناً
كليلة القدر أحظانا بها القدر
شكراً لسلطاننا عبد العزيز فقد
أعطى لنا الأمن لا خوف ولا حذر
مسرحية «سيف النصر»
قرّظ الأنسي رواية «سيف النصر» للشيخ يوسف الأسير التي مُثّلت سنة 1875م فقال:
رواية سيف النصر أبهى رواية
غدت لأسير الحق بالوضع تنسبروت حكما تشخيصها شخصت له
عيون والباب تقرّ وتطرب
وعزت فبزت فاستطيب مكانها
وكل مكان ينبت العر طيب
مسرحية «حكمة الأفكار»
 كما قرظ الأنسي رواية «حكمة الأفكار» لقاسم أبي الحسن الكستي التي مُثّلت سنة 1875 في مسرح سورية فقال:
رواية حكمة جمعت فنونا
وآدابها بها العقل استنارا
ومذ أرّختها كانت بخير
حَوَت أبيات تاريخي افتخارا
من شعر عمر الأنسي
وفي ديوان الأنسي قصائد في واقعات اجتماعية وتاريخية بيروتية، منها:
{ حمّام الدركاه:
جرت عادة أصحاب الحمامات أن يثبتوا على مدخل الحمام بلاطة تحفر عليها أبيات من الشعر تؤرّخ لبناء الحمام، فعند بناء حمام الدركاه التمس صاحباه أحمد حمزة وإلياس سلوم من الشاعر الأنسي تاريخا ليكتباه على الحمام المذكور فنظم لهما الأبيات الآتية:
أيا حسنَ حمّام حوى الحسن وألبّها
فلا زال من عين الحسود سليما
سما بهجة بالواردين ويمنة
كأن شموساً أشرقت ونجوما
 لأحمد آغا وابن سلوم لم تزل
محامد تهديها الأنام عموما
هما أنشآه طبق ما اقترح المنى
فأصبح نفعا للديار عميما
فمن يأتهِ ينظر على النار جنّة
ويعجب منها من يكون حكيما
تناجي أنابيب المياه حياضه
فتسمع صوتا للرخام رخيما
ثم بعد ان أخذا من الشاعر الأبيات ردّها إليه أحدهما قائلا له انها لم تخرط له عقلا ولم يعرف لها قياسا ولا شكلا، ونقش أبياتا غيرها على باب الحمام فغارت أصحاب حرفة الأدب وأجمعوا على أن يقول بالحمام ما يجب أن يقال وإلا من عثرته لا يقال، ونظم بعضهم أبياتا في ذلك ثم أقاموا حكما بينهم فحكم بمحو الأبيات التي نقشها أصحاب الحمام عدا شطرة التاريخ جزاء لفعله وعبرة لغيره ومُحيت فعلا.
يذكر ان حمزة وسلوم اشتريا أرض الحمام الملاصقة لسور المدينة من السيد علي محمد الإدلبي رئيس مجلس تجارة بيروت في حينه، وذلك بوكالته عن محمد طاهر باشا مأمور موقع بيروت بثمن قدره 70 ألف غرش عن كل غرش منها 40 مصرية.
{ كرامات الشيخ بحر:
نشير الى أن الشاعر عمر الأنسي ذكر في ديوانه ان بائع حليب يقال له الشيخ بحر كان يبيع الحليب المغلي في القدور ويمزجه بالماء حتى لا يبقى فيه من شبه الحليب سوى اللون فقال:
للشيخ بحر من كرامات قد اشتهرت
في الناس أشهر من نار على علم
قدوره من حليب بات يملأها
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
{ تأريخ جامع الباشورة:
عرف جامع الباشورة أو البسطة بجامع الأحمدين نسبة لأحمد البدوي وأحمد حمدي والي سورية فقال الأنسي:
بجامع الأحمدين عجّ لترى
مظاهر الحق تبهج النظرا
واسلك طريق الهدى إليه فقد
أحياه ذو الفضل أوحد الكبرا
أحمد باشا والي الايالة من
أبقى بتجديده له أثرا
فزده حمدا وقل مؤرخه
بناه للّه أفضل الوزرا
في شعر عمر الأنسي
يقول أبو بكر بن دريد الإمام اللغوي في مقصورته المشهورة: والناس ألف منهم كواحد. وواحد كالألف إن أمر عنى. والمقصورة المذكورة كان يدرّسها الشيخان محمد الحوت وعبد الله خالد لطلابهما وكان من بين الطلاب المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري الذي وضع فيما بعد شرحاً مفصّلاً للمقصورة لا يزال مخطوطاً. كما كان من الطلاب أيضاً الشيخ حسين بيهم وقاسم أبو الحسن الكستي وغيرهم، وقد استوحى الشيخ عمر الأنسي (الصعقان) بيت ابن دريد فقال مادحاً نقيب الأشراف في بيروت الشيخ عبد الرحمن النحاس: فإن الناس واحدهم بألفٍ. وألف في الحساب يُعد فردا. يُذكر أن الشيخ ناصيف اليازجي مدح الأنسي بقصيدة منها قوله: وإذا أردت قصيدة.. نبّه لها عمراً ونمْ.
ومن أجمل ما نظمه عمر الأنسي قوله:
يا راكبا في البحر لست مفارقي
بل أنت يا إنسان في لساني
البحر دمعي والسفينة مقلتي
وشراعها يوم النوى أجفاني

* مؤرخ