بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 نيسان 2023 12:00ص بيروتيّات (31).. الشيخ عبد الباسط الأنسي ... ودليل بيروت (6/7)

دليل بيروت دليل بيروت
حجم الخط
ولد الشيخ عبد الباسط الأنسي في بيروت سنة 1867 في بيت علم وأدب. نال شهادة تكميلية في بيروت وشهادة من القدس، درس العلوم الدينية وعلوم العربية على علماء عصره. درّس في مدارس جمعية المقاصد. أسس سنة 1893 المكتبة الأنسية في بيروت وكانت تحتوي على آلاف الكتب وكانت مكتبة تجارية أعلنت انها مستعدة لإرسال كل ما يطلب منها من كتب ولوازم المدارس الى مختلف الجهات. أصدر سنة 1902 جريدة «الاقبال» مستعينا بتحريرها بالشيخ محيي الدين الخياط. توقفت عن الصدور سنة 1934. تولى رئاسة معهد الصنائع والهلال الأحمر وعضوية الأوقاف الإسلامية. وفي 2 شباط 1933 رفعت عريضة من 400 من علماء بيروت وأفاضلها الى المفوض السامي بطلب تعيين عبد الباسط الأنسي نقيبا للأشراف مرفقة بمنشور من نقابة الأشراف في إسطنبول بتعيينه نقيبا الذي تبلّغه بعد الاحتلال.

مؤلفات الشيخ عبد الباسط الأنسي

ألّف الشيخ الأنسي عدة مؤلفات منها: أبدع الأساليب في إنشاء الرسائل والمكاتيب وتأسيس المباني في اللسان العثماني وهداية السائل في إنشاء الرسائل وتعليم الأعمال التجارية والأعمال الحسابية.
وأصدر الشيخ عبد الباسط الأنسي «دليل بيروت» أو تقويم الأقبال لسنة 1327هـ/ 1909- 1910م وذكر في غلافه انه يصدر في غرة محرم من كل سنة هجرية إلا انه لم يصدر إلا سنة واحدة فقط وكان من خمسة أقسام:
تناول القسم الأول وقائع قبل الهجرة النبوية وبعدها والأشهر العربية والشمسية والأعياد الشريفة.
وتناول القسم الثاني السلاطين العثمانيين والحكم الدستوري وحكام المقاطعات وولاة بيروت وعدد النفوس والسكة الحجازية.
وذكر في القسم الثالث ولاية بيروت وتوابعها ورؤساء الدوائر المدنية والعدلية والعسكرية والثكنة العسكرية والمستشفى العسكري وغرفة التجارة ودوائر النفوس والأوقاف والنافعة والجمرك والكرنتينا وشركات الماء والمرفأ والريجي والترامواي والبنك العثماني وشركة الغاز.
وتناول القسم الرابع رؤساء الطوائف والقناصل والمساجد والكنائس والمدارس والأئمة والمستشفيات وأحياء المدينة.
وتناول القسم الخامس أعضاء مجلس المبعوثان وتفاصيل عن أسواق المدينة.

ملاحظات تمهيدية

وردت في غلاف الدليل الإشارة الوحيدة الى تاريخه بالتقويمين: الهجري والميلادي، أما الأخبار والوقائع الواردة فيه فهي بالتقويم الهجري، مع ان كثيرا من البلاغات الرسمية والإعلانات كانت تؤرّخ بالتقويم الهجري والمالي والميلادي. فقد ورد في الدليل ان بيروت أصبحت ولاية سنة 1305 وكان على القارئ أن يبحث في مراجع عديدة ليعرف ان تلك السنة تعادل سنة 1887 ميلادية.
وورد في الدليل ان من محلات بيروت عين المريسة، علما ان هذه التسمية لم ترد إلا بعد أعمال المسح العقاري الفرنسي سنة 1924. ففي انتخابات البلدية سنة 1880 سُمّيت بدار المريسة وحتى سنة 1913، كما ان السجلات الشرعية أوردت اسمها بدار أو دير مريسة. كما أشرنا في كتابنا «منزول بيروت».

أخطاء غير مسموح بها

اعتمد الدليل بالنسبة للمساجد والزوايا على السرد بدون تدقيق أو تحقيق ووردت أخطاء غير مقبولة من شيخ بيروتي اعلامي وعضو الأوقاف الإسلامية ونقيب الأشراف. ويبدو ان من كتب في تاريخ المساجد والزوايا في بيروت نقل ما ورد في الدليل بدون أي تحقيق.
خلط الدليل بين الجامع العمري الكبير والجامع العمري الصغير (البحر) وجامع التوبة
جاء في الدليل ان الجامع العمري الكبير هو من آثار الفتح الإسلامي في أوائل القرن الأول للهجرة، وان جامع الدباغة قديم يُصعد إليه بدرج واقع في الميناء. وان مسجد التوبة مرتفع عن الأرض في راس سوق الخضر وهو من جملة الفتوحات الإسلامية.
لا يمكن أن يكون الجامع الكبير من زمن الفتح لأن بيروت كانت مهدّمة ولا يصلح موقع الجامع الحالي لأنه غير محصّن، فقد نصح عمر بن الخطاب معاوية بتحصين جيشه بالرجال والأماكن العليا.
يجب الحذر ما يُروى عندما يخلو من سند وثائقي معتمد. وإذا رجعنا الى كتاب الشيخ طه الولي «تاريخ المساجد والجوامع الشريفة في بيروت» وجدناه قد نقل عن مخطوط غير منشور للشيخ محيي الدين الخياط يذكر فيه هذا الأخير ان «أول جامع بناه المسلمون وأقدمه هو جامع البحر أو الجامع العمري» (الولي ص65 و69) وقد سمّاه الخياط جامع التوبة لأنه تحوّل مع الصليبيين الى كنيسة ولما استرجع المسلمون بيروت أعادوه مسجداً (ص66)، ووصفه الخياط بأنه واقع في رأس سوق الخضار وهو مرتفع عن الأرض زهاء 15 متراً يصعد إليه بدرج وأن بناءه شبيه بهندسة الكنائس ويستنتج بأن المسلمين الأوائل شادوا المسجد على أنقاض كنيسة قديمة (ص68).
وفي عنعنات البيارتة كما نقل الشيخ عبد الغني النابلسي سنة 1700 ان جوامع بيروت أربعة: الجامع الكبير وجامع الأمير منذر وجامع الأمير عساف وجامع البحر ويسمّى هذا الأخير الجامع العمري لأنه كما هو مشهور عندهم (أي البيارتة) من زمان عمر بن الخطاب وهو مرتفع ومُطلّ على البحر، يُصعد إليه بسلم من 15 درجة ثم بدرج آخر من 8 درجات.
وقد نقل الشيخ طه الولي في كتابه «تاريخ المساجد والجوامع الشريفة فــــي بيــــــــــروت» من كرّاسة صغيرة للشيخ محيي الدين الخيـــاط (ت 914م) بعض معلومات عن هذا الجامع منها أن الشيخ خياط ذكر الجامــــــــع بإســــــم «جامع التوبة»...
وسنقف قليلاً عند اعتباره جامع التوبة. فمما عثرنا عليه في سجلات محكمة بيروت الشرعية وثيقة مؤرخة في 24 شعبان 1279هـ/ 1863م باع بموجبها عباس ابن الحاج سليمان المصري (والد الشيخ أحمد عباس الأزهري) الى محمد أحمد رمضان داره الكائنة «في محلة فرن الكنيسة قريباً من جامع التوبة داخل بيروت... يحدّها شرقاً كنيسة الموارنة...». وبموجب وثيقة مؤرخة سنة 1282هـ/ 1866م باعت الحاجة عائشة حسن القيســــــــي الــــــى الشيخ عبد القادر حسن النحاس وزوجته حليمة محمد يموت البيت الواقع في الدار المعروفة ببني قنبريس الكائنة «في محلة رجال الأربعين قريباً من جامع التوبة داخل المدينـــــة...». وفي وثيقة مؤرخة في 8 ربيع الأول 1304هـ/ 1887م وكّلـــــــــت ظريفــــــــــــة زيـــــــــن وأولاد محمد عبد اللطيف سعادة الدبس لبيع حصة في دار «في محلة التوبة قبلتها الطريق السالك الآخذ الى جامع التوبة...». وتفيدنا وثيقة مؤرخة في 6 ربيع الثاني 1304هـ/ 1887م انعقاد مجلس شرعي في دار في محلة التوبة جارية بملك المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري.

زاوية ابن الشويخ (جامع المجيدية فيما بعد)

إن أيّاً من كل الذين كتبوا عن تاريخ بيروت أو عن مساجدها وزواياها وتراثها لم يذكر الشويخ أو ابنه أو زاويته التي بناها الوالي قبلان باشا المطرجي أو محلة تعرف باسمه وتنسب إليه.
وأن كل الذين كتبوا عن جامع المجيدية نقل بعضهم ما قاله الآخر دون تحقيق يركن إليه أو ثبت يعتمد عليه كقولهم بأن الجامع كان قلعة بحرية أو جزءاً من قلعة أو أنه استخدم كمخازن للتجار ثم دفعت الحمية بعض أبناء المدينة أيام السلطان عبد المجيد فجمعوا المال وعمّروا القسم الغربي - كذا - منه وأن القلعة أصبحت جامع المجيدية.
وهذه الأقوال ليست دقيقة ولا كافية ولا يوجد ما يؤيّدها كما سنثبت فيما بعد. أما الحقيقة التي عرفناها فهي أن جامع المجيدية كان في الأصل زاوية إبن الشويخ شيخ الطريقة القادرية في أيامه ويعود نسبه الى الشيخ عبد القادر الجيلاني (أو الكيلاني) وهذه الزاوية مع قبة زاوية ابن عراق همـــــا ما تبقّى من زوايا بيروت القديمة (أوضحنا بالتفصيل أخبار هذه الزوايا وبقية الزوايا في كتابنا «زوايا بيروت»).
* مؤرخ