بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيار 2023 12:00ص بيروتيّات (32).. عبد الرحمن عمر الأنسي

إعلان عيادة د. عبد الرحمن الأنسي إعلان عيادة د. عبد الرحمن الأنسي
حجم الخط
بدأت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت تهتم إثر تأسيسها سنة 1878م بتأمين الدواء ومعالجة الفقراء، فاستحصلت من بلدية بيروت على تكليف الدكتور نخلة المدور باعتماد شهاداتها الى الفقراء لصرف ثمن العلاجات من صندوق البلدية، كما أجابها أيضاً الى مسعاها الدكتور سنس الفرنساوي، والصيدلي جرجي طنوس عون الذي تبرّع بإعطاء العلاجات اللازمة للفقراء مجاناً ومثله الصيدلي مسعود الحيمري والجرّاح أحمد اسكندراني. ثم رأت الجمعية ان الحاجة ماسّة الى أطباء اختصاصيين، فخابرت الوالي مدحت باشا الذي خابر الحكومة المصرية بشأن قبول خمسة طلاب ترسلهم الجمعية الى مدرسة الطب المصرية. واختارت لجنة من أعضاء الجمعية خمسة طلاب هم: كامل قريطم وعبد الرحمن عمر الأنسي وسليم سعد الدين سلام وحسن الأسير ومحمد سلطاني. وسافر الطلاب في كانون الثاني (يناير) 1880م على الوابور (Vapeur) الفرنساوي لدرس الطب في مدرسة قصر العيني.
وكانت مدة الدراسة فيه ست سنوات وغالب التدريس في كتب مترجمة يغلب عليها السجع منها كتب: «مبلغ البراح في علم الجراح» و«القول الصريح في علم التشريح» و«الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال» و«كنوز الصحة» و«يواقيت المنحة» و«مشكلة اللائذين في علم الأقرباذين».
وكانت الشهادة تمنح للطلاب الشّوام (لم تكن تعطى للمصريين لإبقائهم في مصر وعدم مغادرتها والإستفادة منهم فيها). وكان عنوان شهادة الشوام: «شهادة نامة طبية خديوية مصرية» ومكتوب في ختمها:
ابدأ بنفسك فانهيها عن غيّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

مدرسة الطب المصرية

يُذكر ان مدرسة الطب المصرية وضع نظامها سنة 1927م الدكتور كلوت بك الفرنسي، أما القصر العيني فهو القصر الذي شيّده المقر الشهابي أحمد بن العيني سنة 1466م على عهد جدّه لأمه السلطان المملوكي خشقدم. وقدّر لهذا القصر أن يستقبل السلطان سليم لدى فتح مصر نابوليون بونابرت ثم أصبح مستشفى عسكرياً حلّت فيه جثة الجنرال كليبر عندما قتله سليمان الحلبي، ثم تحوّل الى مدرسة حربية الى أن نقلت إليه مدرسة الطب.
أنهى عبد الرحمن الأنسي الدراسة وتخرّج بعد أن حلف اليمين الآتية: «اللهم إني أقسم بعزّ جلالك وكبريائك وخير خليقتك من أصفيائك أن أصرف عمري في الإشتغال بصناعتي واجتهد في اتساع علمها وفي العمل بمقتضاها أبذل همّتي. وأن أكون رؤوفاً بالفقراء والمساكين من المرضى وأجعل أجرتي الثواب عند الله والقبول والرضى ولا أكون طامعاً في جلب الدنيا وجمع الدراهم، بل أشتري من مالي للعليل العادم، ما يليق به من الأدوية والمراهم، مبتغياً بذلك وجه رب العباد، كي أظفر بالمقصود فأكون في زمرة فاعلي الخير يوم الثناء. واني إذا دعيت الى علاج غني أو فقير في آن واحد أقدّم الفقير واجتهد في مداواته ولدائه أمانع وأباعد لمضاعفة المصيبة عليه بالمرض والفاقة وإذا طال عليه الحال ضاعت عياله ودهمه ما يخرج من الطاقة وكذا أبدي ما يكون نافعاً لبلدته وعشيرته، والجند الذي يحامي عن الوطن من هجوم العدو ووطأته، ولا أطلب من المرضى الموسرين أجرة تزيد عن اللائق والمناسب ولا أجعل للمرض مدخلاً الى قلبي واشره في المكاسب ولا أهوّل عليهم الأمر وأبالغ في المرض ليبذلوا لي جزيل المال، بل ما يكافئ تعبي ويليق بهم من الحال...».
جمع ما نظمه والده بعنوان «المورد العذب»، وأضاف في مقدمته ان الأصحاب والأصدقاء ألحّوا عليه في ذلك «فوعدتهم بالإجابة الى ما طلبوا والقيام بما فيه رغبوا وكنت يومئذ مغترباً في الديار المصرية لتحصيل العلوم الطبية ثم لما أُبت الى وطني وألقيت عصا التسيار بين أهلي وسكني قمت بما كنت قد وعدت».
عيّن الدكتور عبد الرحمن الأنسي فور عودته من مصر طبيباً لبلدية بيروت ومشرفاً على الصحة العامة في المدينة. وكان متشدداً في أداء رسالته، يقوم بالتفتيش يومياً على أحياء البلدة وأزقتها لاتخاذ التدابير الوقائية. وقد كثرت أوامره ونواهيه أيام عمله في البلدية، وتناقل البيارتة كثرة الممنوعات التي كان يصدرها تحت طائلة العقوبات: ممنوع تسييل المياه على الطرقات، ممنوع رمي النفايات خارج الأوقات المحددة لجمعها، ممنوع إلقاء الحيوانات النافقة في الطرقات، ممنوع الذبح خارج المسلخ، ممنوع إبقاء اللحوم مكشوفة، ممنوع بيع أطعمة بائتة، ممنوع... ممنوع... حتى اعتبروا أن كل شيء أصبح بحاجة الى إذن وموافقة من الدكتور الأنسي فقالوا: لا تصبح ولا تمسي إلّا بإذن من الدكتور الأنسي.
يُذكر ان الطلاب الخمسة قبل توجههم الى القاهرة، نزلوا في الاسكندرية في بيت التاجر الحاج سعد الله حلابة. وهو من أصل حمصي توطّن في الاسكندرية وأصبح شيخ تجارها. ويبدو ان نزولهم لديه كان بمسعى من شريكه في بيروت التاجر عمر درويش غزاوي وابنه عبد الله أحد مؤسسي جمعية المقاصد.

* مؤرخ