بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 أيار 2023 12:00ص بيروتيّات (33).. فرمان إنشاء أول مسرح في بيروت لمارون النقاش

مسرح مارون النقاش مسرح مارون النقاش
حجم الخط
بعد فرض سيطرة الشهابيين على بيروت وتوطّنهم فيها مع حلفائهم انصرف همّهم الى تحصيل الأموال لدفعها للدولة والتنافس فيما بينهم لتوسيع مقاطعتهم وزيادة ثرواتهم والحصول على خلعة الرضا من الولاة. كما ان الأمراء وحلفائهم سيطروا على تجارة المدينة وبنوا فيها الخانات والقيساريات حتى ان الأمير حيدر مؤرّخ تاريخ الجزار قال بان أرباب الوظائف الإدارية والأمنية ودزار القلعة وكذلك المغاليق (جمع مغلق) أي المخازن والدكاكين كانت كلها موقوفة على موافقة الأمير ملحم وتحت أمره. ولم يبنوا مسجدا أو مصلى أو مدرسة أو حتى كتّابا أو مستوصفا. في حين كان الولاة العثمانيون يوسّعون الطرق ويشجعون المدارس وينظمون الشؤون البلدية وعمل أهل المهن والحرف، وكانوا أول من أسهموا بتأسيس أول مسرح في بيروت، أو الاعتراض عليها أو انتقادها، وأسهموا في تشجيع مارون النقاش في إنشاء أول مسرح في بيروت.
*****
المسرح في بيت مارون النقاش

يعتبر مارون النقاش رائد المسرح العربي ومؤسسه، فقد قدّم سنة 1846م في بيته الكائن في بيروت بين طريق النهر وكنيسة مار مارون، رواية «البخيل». كما قدّم سنة 1850م في بيته أيضاً رواية أبي الحسن المغفل أو هارون الرشيد، دُعي إليها والي الإيالة.
وصف الرحالة الإنكليزي هذه الحفلة فقال «في 13 كانون الثاني سنة 1850م، بعد انتهاء المجلس ذهبنا الى المسرح، أن الرواية التي افتتح بها أول مسرح عربي قد وضعها ابن أحد أعضاء المجلس وقامت بتمثيلها عائلته في بيتهم في الضواحي (كانت طريق النهر من ضواحي المدينة). كان البيت يغصُّ بجمع حاشد، كانوا في هرج ومرج ولما دخلنا الى قاعة الاستقبال، وجدنا ثلاثة من العلماء هم: المفتيان والقاضي. وأديرت أكواب القرفة الساخنة». وأضاف «أقيم المسرح أمام البيت... باب في الوسط تعلوه كوّتان، وعلى جانب منه نافذتان، وكانت الكواليس في آخر الفناء، وبالقرب منها تقع الأبواب الجانبية. أما المنصة فقد أقيمت في الصدر وجلس النظارة أمامها، ونشرت فوق القاعة ظل من أشرعة السفن... أما أدوار النساء فقد قام بها شبان مُرّد ونجحوا تماماً في تنكّرهم. لما لم يكن بين الممثلين نساء، لم تقع عيني على امرأة بين الحضور ولا في النوافذ المفتوحة المطلّة على الحديقة... ووضعوا مقعداً طويلاً للقضاة الى الشمال، وأجلسوا بقية المدعوين الى اليمين، وتركت فسحة واسعة لإعداد الشبك والنراجيل، وكنا بين الفصول نختلف الى الديوانخانة، حيث تقدّم لنا المرطبات... ومثّلت بين الفصلين الثاني والثالث رواية هزلية قصيرة، يدور موضوعها على زوج خان زوجته... كان في التمثيل بعض الارتباك، كما كان الغناء رديئاً، ولكن إخراج المسرحية من الناحية الفنية كان موفّقاً...».

فرمان إنشاء المسرح

وكان أمين مخلص باشا، أحد رؤساء شورى الدولة قبل أن يوزّر ويصبح والياً على صيدا وهو الذي شق باب إدريس وسمّيت الطريق منها غرباً بالأمينية، يعطف على مارون ويحثّه على السعي بإنشاء المسرح وتأليف الروايات، وسعى مع الوالي وامق باشا على استصدار فرمان لمارون النقاش بإنشاء مسرح خاص له قرب بيته، وبالفعل صدر سنة 1850م الفرمان بذلك، فمدح النقاش أمين مخلص باشا ووامق باشا فقال:
والوامق السامي المقام
والي إيالتنا الهمام
وفريقنا وأميننا
في شكرهم حسن الختام
في عصرهم إذ أصبحا
باب العلوم مفتّحاً
قد أنشأ النقاش في
بيروت هذا المرسحا
وأرّخ النقاش إنشاء مسرحه مادحاً أمين مخلص باشا ووامق باشا والسلطان عبد المجيد، فقال:
أشرق الحلم فغاب الظلم من
ملك خاقان الورى عبد المجيد
غدا في ثغر بيروت الهنا
باسماً بالوامق الوالي الفريد
وأمين الحق فيه قد أضا
ليسوس الناس بالرأي السديد
قد رأى عقد الروايات التي
صاغها النقاش كالعقد النضيد
قال فليبنَ لها بيت لكي
يغنم الطلاب منها ما يفيد
هو ذا في ظله تاريخه
لاح هنا مرسح الفن الجديد
وعندما عاد وامق باشا والياً تزيّنت بيروت لاستقباله فنظم النقاش نشيداً أنشده صبيان المكاتب مطلعه:
بشراكم نادى المشير
وافى أفندينا المشير
هذا الذي أحياكم
الوامق الوالي الخطير
ما بال بيروت سرت
فيها النجوم وأقمرت
من بعد غيبة بدرها
بشروقه قد أزهرت
وحينما لُقّب السلطان عبد المجيد بالغازي في الحرب مع روسيا نظم النقاش نشيداً تداولته آلات الطرب وسارت به الركبان وغنّته الأولاد، مذهبه: يا ربنا كنْ واقيا، عبد المجيد الغازيا.
نشير الى انه لما قدم صالح وامق باشا والي صيدا وطرابلس وملحقاتهما، من الاستانة الى مقر حكومته في بيروت مدحه مفتي بيروت الشيخ أحمد الأغر فقال:
تأمل تجد قلبي خليلي موافقي
ولست تراه في الهوى غير خافقِ
ولست تراني صاح سكران ساعة
بغير طلى حال صفي مع مرافق
إن مرّ بي الساقي بحالي كؤوسه
حلا لي به ما مرّ من حال ذايق
ألم ترَ ان السعد ليس بخادم
شريفاً ظريفاً صالحاً غير وامق
مشير سمّي اسماً وجسماً ومنصباً
كقول مفيد مثل فعل وصادق
وحيث أتى برية الشام أشرقت
سواحلها من نوره كالشوارق
وبيروتنا مذ حلّ بدراً بأرضها
تبدّت سماء للبلاد الشواهق
تقول له أهلاً وسهلاً ومرحباً
قدمت بخير بالسرور الدمالق
ركابكم مذ حلّ بي حلّ بي الهنا
وقد حصرت أم الخير بين الشقايق
وفي مرة ثانية عاد وامق باشا من عكا الى بيروت فاجتمع مع المفتي الشيخ أحمد الأغر في مقام الإمام الأوزاعي فأسمعه المفتي موشحاً قال في لازمته:
قدم الخير علينا قدما
بقدوم الأسد المستأنس
من به نلنا منانا بعدما
أن حرمناه بوقت البردسي
وقال في أحد أدواره:
ذاك والي ساحل الشام الجميع
مع جبال وأراضي وثغور
صالح الاسم كفعل وصنيع
وامق الحق أخو الحلم الوقور
الوزير الأفخم الحصن المنيع
المشير الأكرم الليث الجسور
وفي سنة 1265هـ/ 1848م وُلد لوامق باشا في بيروت مولود فقال الأغر مؤرّخاً ولادته ومهنّئاً والده بقصيدة قال فيها:
نور الصفا لاح بالآصال والبكر
والأمن حلّ جميع البدو والحضرِ
وشبّ شخص هناء العيش من هرم
وعمّ ذا صغر منّا وذا كبر
وديمة الأنس قالت وهي تمطرنا
ماء السرور أهنيكم بذا المطر
وأنبتت بسطنا الزاهي بسيطتنا
وأثمرت راحة للبال والفكر
حيث الإله تجلّى بالرضى كرماً
منه على عبده ذي المجد والخطر

* مؤرخ