بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 أيار 2023 12:00ص بيروتيّات (34).. حرق مسرح أبي خليل القباني في دمشق وكثرة مسارح بيروت

مسرح القباني مسرح القباني
حجم الخط
في الوقت الذي كان مسرح أبي خليل القباني يُحرق ويُخرّب في دمشق، كانت مسرحيات كثيرة تُمثّل في بيروت، في المدارس والقصور والمسارح العامة والبيوت الخاصة، وفقا لما سنبيّنه أدناه.

كثرة المسارح في بيروت

درج الولاة العثمانيون على تشجيع الفن المسرحي بحضور المسرحيات وإبداء الرأي فيما يشاهدون ويسمعون وفي تشجيع المؤلفين والمشخّصين. ففي سنة 1864م قُدّمت في دار حبيب النقاش رواية كوميدية موضوعها «ثمر العلوم ومرآة الجهل المذموم» وذلك بحضور والي صيدا (كانت بيروت تابعة لها) خورشيد باشا الذي كان يتقن العربية جيداً، وحسن باشا قائمقام العساكر الشاهانية وأعيان بيروت، وبعد انتهاء التمثيل خاطب الوالي مؤلف المسرحية طنّوس الحر معلم اللغة الفرنسية في المدرسة المارونية، بألفاظ لطيفة تشير الى انشراح خاطره وسروره من حسن تأليفها وترتيبها. وكان الشيخ الشاعر أبو الحسن قاسم الكستي ممن حضر الرواية فارتجل بعد انتهائها:
أبدى لنا الحرّ الأديب رواية
قرّت بحسن فصولها الأبصار
ألفتْ خيار الناس لطف بيانه
والحرّ تألف فعله الأحرار
وفي السنة نفسها أي 1865م مثّلت في دار آل حمادة مسرحية «فرح بن سرور» تأليف الأمير محمد أرسلان وحضر المسرحية خورشيد باشا والي صيدا ورشدي باشا والي سورية. وفي سنة 1867م وبمناسبة زفاف محمد عبد الله بيهم مُثّلت في دارهم مسرحية من تأليف حسين بيهم بعنوان «الرواية الجميلة في تزويج جميل بجميلة» وذلك بحضور متصرف بيروت كامل باشا. وبلغ من إعجاب الحضور، ان دعا راشد باشا والي سورية الى تقديم الرواية في دائرة الولاية وانتهى التمثيل عند منتصف الليل على أنغام الموسيقى وأنوار المصابيح وأصوات الأسهم النارية وكان ذلك اليوم ذكرى ولادة السلطان.
وفي سنة 1868م كلّف راشد باشا والي سورية، الشيخ إبراهيم الأحدب أن يُحضر جوق الممثلين الى دمشق ليعلّم ابن الوالي مسرحية «الاسكندر المقدوني» التاريخية.
وفي سنة 1875م وبمناسبة تدشين وصول مياه نهر الكلب الى بيروت مُثّلت رواية «النصر القريب» من تأليف الشيخ أحمد عباس الأزهري بحضور والي سورية أحمد حمدي باشا والأمير عبد القادر الجزائري ومتصرف بيروت والمفتي والقاضي. ثم أعيد تمثيلها في المسرح الوطني خاصة أسعد رعد. كما حضر الوالي أحمد حمدي باشا تمثيل رواية «فدرا» سنة 1876م في مسرح سورية عند برج الكشاف. وحضر أيضاً في دار آل بيهم رواية «ولّادة بنت المستكفي مع الوزير ابن زيدون».

مدحت باشا ومسرح القباني

وسمع مدحت باشا عندما عيّن واليا على سورية بما يقوم به القباني في مجال التمثيل فاستدعاه وعلم بما يقدّمه ومكان تمثيله، وكانت نتيجة هذا اللقاء ان أوعز الوالي للبلدية لمنح القباني تسعمائة ليرة ذهبية (كانت تعتبر ثروة في مقياس ذلك الزمن). وباشر القباني بإنشاء مسرح واستأجر مكاناً فسيحاً في حي باب توما أقام فيه مسرحه وقدّم فيه عدة روايات أدخل فيها لأول مرة أغنيات ملحنة تنشد بين الفصول ترويحاً للمشاهدين من متابعة الحوار التمثيلي، ولا سيما ان الجمهور كان معتاداً على سماع الألحان أكثر من اعتياده على الجلوس ساعات لمتابعة حوادث الرواية.
إلّا ان قيامة المسرح لم تستمر، فبعدما نقل مدحت باشا من سورية وما رافق ذلك من إشاعات واتهامات، تحرّكت عناصر محافظة كانت تعتبر التمثيل بدعة وما ينشأ عن المسرح من المفاسد، كإلباس الصبيان ثياب البنات، فسافر أحد هذه العناصر وهو الشيخ محمد سعيد الغبرة الى الاستانة وأوحى للسلطان بِفَشي الفساد والفسق في دمشق بسبب روايات مسرح القباني، فأمر السلطان بمنع التمثيل وإغلاق المسرح. واغتنم المتشددون هذا الأمر، وأثاروا العامة فهوجم مسرح القباني وكسرت أخشابه ونهبت محتوياته وأحرق الباقي، كما علّموا الأولاد أغنية تشتم القباني ذكرها جبرائيل سعادة وهي تقول:
أبو خليل النشواتي
يا مزيّف البنات
إرجع لكارك أحسن لك
إرجع لكارك نشواتي
أبو خليل مين قال لك
على الكوميدا مين دلّك
رجع لكارك أحسن لك
إرجع لكارك قباني
وامتد تشجع مدحت باشا للمسرح الى بيروت التي كانت قد وصلتها أصداء تكريمه للقباني. فعندما قدم مدحت باشا الى بيروت استقبلته جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية بقوس نصر من الزهور وقدّمت له في بيت الحاج محمد بيضون في محلة الباشورة مسرحية من تأليف الشيخ إبراهيم الأحدب بعنوان «نائلة ملكة الحضر المعروفة بالزّباء مع جذيمة الوضّاح ملك العرب»، وتلا ذلك خطاب ألقاه حسن بيهم. وُسرّ مدحت باشا مما شاهده من حسن الاتقان وبلاغة الرواية وما تضمنته من الحكم البليغة، كما سرّ من الخطاب كما تجلّى ذلك في تشجيعه لأعمال الجمعية.
وكان سبق قدوم مدحت باشا، تمثيل عدة روايات في بيروت في السنوات 1865 و1867 و1870م، كما ان جمعية الفنون نظمت سنة 1874م مسرحية «سيف النصر» في دار عبد الغني بيضون في محلة الباشورة، وكانت من تأليف الشيخ يوسف الأسير رئيس جمعية الفنون.

المسرحيات في المدارس

درجت المدارس على قيام الطلاب بمناسبة انتهاء العام الدراسي بتقديم مسرحيات بحضور أهالي الطلاب.
ففي تموز 1877م وبمناسبة انتهاء السنة الدراسية في المدرسة البطريركية وزعت الجوائز ومُثّلت رواية «يهوديت» من تأليف إلياس الباشا بحضور المتصرف رائف أفندي والقاضي الشرعي. وفي سنة 1880م حضر الوالي مسرحية «المروءة والوفاء» من نظم الشيخ خليل اليازجي، كما حضر مدحت باشا مسرحية «عاقبة الظلم» من تأليف الشيخ فضل القصار وذلك في منزل الحاج محمود المجذوب في صيدا.
وفي سن 1894م مُثّلت في مدرسة الروم الأرثوذكس بحضور الوالي عبد الخالق نصوحي بك مسرحية «جزاء الشهامة» من نظم سليم جدي. ويذكر بأن مسرح زهرة سورية أنشأه سليم آغا كريدية سنة 1899م باقتراح من والي بيروت ومساعدته.
كما حضر الوالي خورشيد باشا وصحبه سنة 1865م رواية أنشأها إلياس حبالين معلّم المدرسة الأرثوذوكسية وارتجل الشيخ الكستي بعد انتهائها:
مدارس الروم في بيروت ميّزها
علم اللغات على أمثالها شرفا
قد أعربت عن روايات بها حِكم
في معرض المزح لم نعهد لها سلفا
دلّت على فضل من تروى ملاعبها
عنه، فأثنت عليه ألسن اللطفا
يُذكر ان إلياس حبالين كان أستاذ اللغة الفرنسية لمحمد عبد الله بيهم.
ولم يخلُ الأمر من تقديم روايات باللغة التركية أو مترجمة عنها أو متأثرة بها. ففي سنة 1879م مُثّلت في المدرسة العبرانية رواية تركية من تأليف عبد السلام افندي مدرّس اللغة التركية في المدرسة. وفي تموز 1887م مثّلت في جنينة الزهور رواية «حمزة أفندي» باللغة التركية وكانت ذات فصل واحد وحُدّد ثمن الدخول بستة قروش. وفي الشهر نفسه مُثّلت رواية «أبناء العم» باللغة التركية أيضاً وتخللها غناء مع ألعاب نارية. وفي سنة 1903م مثّل جوق الخواجا انيستي اغاتوبولو رواية «إيكي أحباب جاويش» أو «الخلين الوفيين» وقد أعيد تمثيلها سنة 1909م على مسرح زهرة سورية من قبل الجوق الوطني الأدبي ومُثّلت على المسرح الجديد. وفي سنة 1908م مثّلت في ساحة الثكنة العسكرية (السراي الكبير) رواية الوطن أو سلسترة وهي تركية من تأليف نامق كمال بك، قام الشيخ محيي الدين الخياط بتعريبها (ذكر البعض ان معرّبها كان عبد الغني رمضان). ومُثّلت سنة 1904م في الحفلة السنوية لمدرسة زهرة الإحسان محاورات فرنسية وعربية وتركية.

* مؤرخ