بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 حزيران 2023 12:00ص بيروتيّات (36).. «الرواية الجميلة في تزويج جميل بجميلة» في قصر عبد الله بيهم

مسرح بيهم «جميل بجميلة» مسرح بيهم «جميل بجميلة»
حجم الخط
شهد قصر عبد الله بيهم (العيتاني) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تشخيص مسرحية مثّلت سنة 1867م بحضور الوالي في قصره في محلة الأمينية - تجاه مبنى ستاركو (وهذه الدار لا تزال موجودة وقد استضافت الأمير عبد القادر الجزائري وهي التي يجب أن تكون بيت بيروت كما سنبيّن في حينه) وذاك بمناسبة زفاف محمد عبد الله بيهم (فصّلنا سيرته ومناقبه في كتابنا: «محمد عبد الله بيهم - الصارخ المكتوم») وعروسه سعدى ابنة عمر بيهم، وكانت المسرحية بعنوان «الرواية الجميلة في تزويج جميل بجميلة» من تأليف الشيخ حسين عمر بيهم، ابن عم العريس. انتقد البعض موضوعاتها.
*****

 آل بيهم مناقب ومآثر

كان لآل بيهم دورهم الفاعل في بيروت، تولّى محي الدين عمر بيهم عدة مناصب إدارية منها عضوية مجلس إدارة لواء بيروت ورئاسة شعبة المعارف. أحبه فؤاد باشا فاختاره سنة 1860م لعضوية «مجلس كبير فوق العادة» الذي تولى التحقيق في حوادث وفتنة سنة 1860م الطائفية. عهد إليه الوالي عبد الخالق نصوحي بك سنة 1887م الإشراف على تنميق وتجديد مشهد النبي يحيى الحصور. وكان بيته منزولاً لكبار زوار المدينة.
كما تولّى سنتي 1877 و1888 رئاسة مجلس بلدية بيروت. وقد تبرّع براتبه للبلدية إلّا انه لم يستمر طويلاً. فقدّم سنة 1888م استقالته بسبب انه وجد أن أعضاء المجلس البلدي يفرضون رسوماً على الفقراء كجزاء نقدي، فتخلّى عن الرئاسة وطلب من أمين صندوق البلدية كشفاً بالأموال التي تغرّمها الفقراء خلال رئاسته للمجلس، وقام بدفعها من جيبه الخاص للذين أخذت منهم. وانصرف عن المناصب الى أن وافاه الأجل سنة 1904م.
أما حسين عمر بيهم فكان شاعراً وأديباً انتخب عضواً في مجلس المبعوثان (مجلس النواب العثماني)، وكانت له مواقف حاسمة يشار إليها. فكان عضواً في لجنة تجنيد الشبان المعروفة باسم «قومسيون لمّ العسكر». حضر الضابط التركي ذات يوم وطلب من اللجنة أسماء جميع من هم «تحت السن» فاعترض الحاج حسين بأن بيروت لا تقدم جميع الشباب وان بعض هؤلاء يعيل أرامل وأيتاماً. ودار جدل بين الإثنين وصاح الضابط بأن ذلك أمر الدولة، فغضب الحاج حسين وطوى سجل النفوس وقال لزملائه: «تفضّلوا لنفل على بيوتنا وخلّي الدولة تأتي تلمّ العسكر». وملأ الخبر المدينة وهاجت النفوس وأرسل المتصرف امين سره يعتذر من الحاج حسين فأصرّ وتم نقل الضابط.
شارك حسين بيهم في تأسيس الجمعية العلمية السورية سنة 1868م وقدّم في أحد اجتماعاتها أرجوزة طويلة في الدعوة الى العلم مطلعها:
حمداً لمن علّمنا بالقلم
وخصّنا بالنطـــــــق والتعلّـــــم
ثم الصلاة والسلام أبدا
على جميع الرسل أصحاب الهدى
ثم يقول بعد الديباجة:
وبالعلوم تكثر الصنايع
وتتقن الأعمال والبضايع
قد ظهرت شومسه في المغرب
وعنه بلادنا غدت في حجب
فاغتنمت ما ضاع تلك الأمم
وشملها أضحى به ينتظم
وأصبحت بلادنا تحتاج
منها لما لها به علاج
ويشير الى حالة المجتمع:
والله قد غيّر فيما قد مضى
حالتنا حسب الذي به قضى
حتى طفقنا في بحار الجهل
نسبح من بعد الذكا والفضل
فأصبحت حالتنا بين الورى
إلى ورا إلى ورا إلى ورا
ومن شعره في إنشاء تلغراف بيروت:
للّه در السلك قد أدهشت
عقولنا لمّا على الجو ساق
فأعجب الكون بتاريخه
شبيه برق أو شبيه البراق
وعند إنشاء آل حمادة سوق السيد (نسبة لوالدهم السيد عبد الفتاح آغا حمادة) سنة 1864م الذي آل فيما بعد الى آل أياس وعرف بسوق اياس. وكان من ضمنه قبة أقيمت على أربعة أركان كتب في أنحائها بيتان من نظم حسين بيهم هما:
للّه قبة سوق شاد رونقه
بنو حماده آل الجاه والنسكِ
تنسيك من جلق باب البريد كما
بالسعد أرخت تزري قبة الفلك

الرواية الجميلة في تزويج جميل بجميلة

فُقِدَ الكثير من شعر الشيخ حسين بيهم، كما فُقد نص مسرحيته المسمّاة «الرواية الجميلة في تزويج جميل بجميلة» (كما فُقِدَ للأسف الكثير من نصوص المسرحيات التي ألّفها علماء بيروت وشعراؤها).
أُعيد تمثيل الرواية في دار الولاية. وقد انتقد البعض في حينه بعض موضوعاتها زاعماً انها من الملاهي الممنوعة والملاعب التي هي غير مشروعة. فردَّ عليهم الشاعر الشيخ عمر الأنسي الصقعان (السجعان) بقصيدة مطوّلة مطلعها:
للجدّ صورة هزل حليها الأدب
فليس ينكر فيها اللهو واللعبُ
والعقل كالسيف يعرو متنه صدأ وكذلك
حيناً ويجلو صداه الأنس والطرب
وما رياضة أرباب العقول سوى
روض السماع به الآلات تضطرب
وتابع الأنسي يقول:
قلْ للجهول الذي أضحى يعارضنا
ذببت وحيك مهلاً فاتك العنب
وشرّف الله قوماً شرّفوا كرماُ
ملاعباً لهم الأفراح تجتلب
أكرم بدار كرامٍ لا يحل بها
إلّا كرام لها العلياء تنتسب
بنو أبيهم همُ في كل منقبة
لها المكارم أمٌّ والكمال أب
قاموا بها حول عبد الله في فرح
كأنه البدر ضاءت حوله الشهب
قوم أقاموا على تقوى الإله كما
قاموا بما فعله أو تركه يجب
ويقول في الرواية:
رواية كلها فضلٌ ومعرفةٌ
وحكمة ومعانٍ كلها نخب
جميلة ينسب الوضع الجميل لها
فليس يطرأ إطراءٌ ولا كذب
باهت بتشخيص أحوال فكم شخصت
ها عيون محا من عجبها العجب
فقلْ لمن رام يحكيها معارضة
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ويخلص الشاعر في الختام الى مدح السلطان عبد العزيز والوالي راشد باشا والمتصرف كامل باشا فيقول:
وجدْ لسلطاننا عبد العزيز بما
فيه لنا العزّ والإقبال والأدب
وزد آلهي والي الأمر راشده
رشداً به يتباهى المجد والرتب
وكاملاً هبه حظاً كاملاً فبه
لقد أتى تكامل من أفراحنا الطلب

* مؤرخ