10 حزيران 2023 12:00ص بيروتيّات (37).. «ولّادة بنت المستكفي والوزير ابن زيدون» في بيت حسين بيهم

حجم الخط
شهدت دور آل بيهم، عبد الله بيهم، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تشخيص مسرحيتين: الأولى مُثّلت سنة 1867م وسبق ان أشرنا إليها في الحلقة السابقة. أما المسرحية الثانية فمُثّلت في دار الشيخ حسين بيهم (صورته مع هذا المقال) في محلة زقاق البلاط سنة 1876م بمناسبة ختان ابنه محمد راشد، وكانت بعنوان «الوزير أبي الوليد ابن زيدون مع ولّادة بنت المستكفي» ومن تأليف الشيخ إبراهيم الأحدب. 
*****

الشيخ إبراهيم الأحدب بين الشعر والمسرح

وابن زيدون هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي. كان أبناء وجوه الفقهاء في قرطبة، برع في الأدب والشعر، وانتقل الى ابن عبّاد صاحب اشبيلية فجعله من خواصّه، يجالسه ويركن الى إشاراته. وكانت ولّادة بنت المستكفي واحدة زمانها في الأدب والجمال ورقّة الطبع، برزت الى محاضرة الوزراء ومطارحة الأدباء والشعراء، مع عفاف لم يدنّس. وتهافت كبراء العصر على لقائها وتشنيف آذانهم بآدابها. وكان ممن شغف بها أبو الوليد بن زيدون. وقد عشقها حتى الجنون. وزاحمه على الوله بها الوزير أبو عامر وأرسل لها عجوزاً تخطب أنسها له، فأخفق مسعى تلك العجوز، ما دعا ابن زيدون على إنشاء رسالة مشهورة على لسانها عُرفت بالرسالة «الهزلية» تتضمن العبث بأبي عامر والتهكّم عليه. وفي هذه الأثناء نكب ابن زيدون من قبل ابن جهور، أحد ملوك الطوائف، وأودع السجن، ولم يفتر من ذكر ولّادة والإجادة بمحاسنها. وله معها أخبار تطرب القلوب وتشنّف المسامع. وكانت بينهما أعظم ما يكون من الحب والمساجلات الأدبية. يذكر انه كان لها جارية سوداء بديعة الغناء فظهر لولّادة من ابن زيدون ميل الى الجارية، فكتبت إليه:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ
وتركت غصناً مثمراً بحماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمتَ بأنني بدر السما
ولكن ولعت، لشقوتي بالمشتري
وجرت حادثة أدّت لتقاطعهما فتهاجيا، وكانت ولاّدة أبدلت ابن زيدون بآخر يلقّب بالفار.فمما قاله ابن زيدون فيها:
أكرم بولاّدةٍ علقاً لمعتلق
لو فرّقت بين بيطارٍ وعطارِ
أكلاً شهياً أكلنا من أطايبه
بعضاً وبعضاً صفحنا عنه للفارِ
وكان عند ابن زيدون غلام جميل يؤثره على بقية خدمه يُسمّى عليّاً، فلما سمعت ولاّدة قوله فيها هجته بقولها:
إن ابن زيدون على فضله
يشتمني ظلماً ولا ذنب لي
يلحظني شزراً إذا زرته
كأنما جئت لأخصي علي
وقد علق الشيخ أحمد البربير قائلاً «ما ألطف هذه الكناية، فمن المعلوم أنها إذا خصته أبطلت مادة نكاحه، ففات غرض ابن زيدون منه، فحق له أن يلحظها شزراً».
وغالب شعر ابن زيدون وغزاله في ولّادة، منها قصيدته النونية التي سارت في البلاد وطارت في العباد ومطلعها:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
وقد غنّت مطربة القطرين فتحية أحمد قصيدة ابن زيدون فأطربت وأجادت. واشتهرت القصيدة وعارضها الناس في حياته وبعد موته ولم يقاربوها، وقد خمّسها الشيخ صفي الدين الحلّي. وقال بعض الأدباء: من لبس البياض، وتختّم بالعقيق، وقرأ لأبي عمرو، وتفقّه للشافعي، وروى قصيدة ابن زيدون، فقد استكمل الظرف. ومما ورد في القصيدة:
بنتم وبنّا فما ابتلت جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفّت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تاسينا
حالت بينكم أيامنا فغدت
سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا
أنساً بقربكم قد عاد يبكينا
قال الشيخ إبراهيم الأحدب في مقدمة الرواية ان موضوعها عشق ابن زيدون لولّادة وكان فيه من العفاف ما دفعه (أي المؤلف) الى إنشاء الرواية التي كانت في خمسة فصول في أحدها وجود ولّادة مع جواريها وحضور أبي عامر يبثّها لواعجه، ثم دخول ابن زيدون، ويتضمن فصل آخر دخول أبي عامر على ولّادة وبثّها أشواقه.
وقد تضمنت مسرحية الأحدب، على عادة ذلك الزمان، قصائد نظّمت على ألحان أغنيات كانت شائعة في بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. من هذه الأغاني أغنية لازمتها تقول: «البدر أضحى خدّامك، والغصن أضحى بك مفتون». وأغنية «برّ ملك أي آله السما». وأغنية «شجني يفوق على الشجون» وكلماتها:
شجني يفوق على الشجون
يا مائساً فضح الغصون
وصل الحبيب متى يكون
لمتيّم قلق الجفون
يا صاحِ كم من عاشق
في عشقه ذاق المنون
لا تعشقن مدللاً
فدلاله يرث الجنون
وأغنية «عنق المليح الغالي» التي تقول:
عنق المليح الغالي
فداه مالي
للعشق ما أنا سالي
لو طال مطالي
يحكي الغماما
دمعي انسجاما
دير المدام يا ساقي
وشنّف الكاس
لأنها ترياقي
من يد ميّاس
شرب المدام
يبري السقام
يا مسلمين الشآمه
صلاح حالي

* مؤرخ