بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 حزيران 2023 12:00ص بيروتيّات (38).. مسرحية «فرح بن سرور» بقصر عبد الفتاح آغا حمادة في زقاق البلاط

حجم الخط
آل حمادة من أسر بيروت الإسلامية العريقة. قَدِم كبيرهم عبد الفتاح آغا من الاسكندرية حوالي سنة 1807م مع مجموعة من الإسكندرانيين على رأسهم الشيخ محمد المسيري. مارس عبد الفتاح آغا أو «فتيحة» باللهجة المصرية، التجارة والنقل البحري، ونال حظوة كبيرة لدى الحكام ولدى العامة البيروتية. بنى قصراً داخل المدينة فوق خان الأمير يونس ثم بنى قصراً في محلة زقاق البلاط على أرض العقار الذي آل بعده الى المركيز موسى دو فريج والذي أصبح اليوم مجمّعاً للمدارس الرسمية. وكان قصر عبد الفتاح آغا مورداً للشعراء والأدباء والساسة. والى عبد الفتاح آغا يُنسب سوق السيد الذي آل بعده الى أياس إخوان وعرف بسوق أياس. وكان لأولاده وأحفاده إسهامات جليلة في الإدارة والسياسة والاجتماع. ترأس ابنه محي الدين رئاسة المجلس البلدي وكانت له فيه آثار تُذكر فتُشكر. وأسهم أحد أحفاده (عبد اللطيف بن محمد) بتأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت. وأسهم ابنه سعد في النهضة الأدبية والفنية من خلال تأسيس جمعية الفنون الإسلامية التي أصدرت جريدة «ثمرات الفنون».
*****
مسرحية الأمير محمد أرسلان في قصر آل حمادة

وعلى عادتهم في تشجيع الفن والأدب، أقام آل حمادة سنة 1865م في قصرهم في محلة زقاق البلاط حفل زفاف ابن أخيهم عبد القادر، فشُخّصت في ذلك الحفل مسرحية بعنوان «فرح بن سرور» (لاحظ كيف جمع العنوان بين الفرح والسرور) من تأليف الأمير محمد أمين أرسلان وذلك بحضور والي صيدا خورشيد باشا ووالي سورية رشدي باشا. (لم نعثر على صورة لقصر عبد الفتاح آغا إلّا صورة استعنا بها، نشرها مشكورا الصديق الباحث زياد سامي عيتاني).
والأمير محمد أرسلان، كما ترجم له الدكتور محمد خليل الباشا، هو محمد بن أمين بن عباس (1838-1868م) أتقن العربية وبعض اللغات الأجنبية. أسندت إليه الحكومة العثمانية إدارة الغرب الأوسط ثم القائمقامية الدرزية. اعتقله فؤاد باشا إثر حوادث سنة 1860م الطائفية ثم أفرج عنه لثبوت براءته. سكن الأمير محمد في بيروت وشارك في تأسيس الجمعية العلمية السورية ثم تولى رئاستها، الى جانب الشيخ حسين بيهم وعبد الرحيم بدران وإبراهيم اليازجي وغيرهم من المتنورين. وفي سنة 1868م صار عضواً في مجلس شورى الدولة في الآستانة ففاجأته المنية فيها ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري. ولمحمد أرسلان عدة تآليف في التاريخ والمنطق والصرف والنحو والحكمة، وله كتاب «التحفة الرشدية في اللغة التركية». ألقى سنة 1868م خطاباً افتتح به أعمال الجمعية العلمية السورية أشار فيه الى استعداد الإنسان للعلم والعمل والاشتراك والاجتماع. وأشاد بدور العرب في العلوم والفنون والمخترعات، مؤكداً على استقلال الجمعية وعلى غايتها بنفع العموم ونشر العلم والفنون «دون دخول في شيء مما تقع عليه الظنون». كما تلا في جلسة ثانية للجمعية خطبة مطوّلة في فوائد العلم ترجمها عن الأصل الفرنسي للحكيم سوكه.

مسرحية «فرح بن سرور»

لم تنشر رواية «فرح بن سرور» فلم تأخذ مكانتها في عالم التأليف المسرحي، إلّا ان بعض ما قاله الشاعر الشيخ عمر الأنسي فيها يشير الى انها تناولت أحوال السلف وقد تضمنت الحكمة والعبرة، قال الشاعر:
زهت بتشخيص أحوال الآل سلفوا
حتى كأنهم غابوا وقد حضروا
رواية كلها فضل ومعرفة
وحكمة وإفادات ومعتبر
دلّت على فضل منشيها الأمير ومن
بمثله هذه الأيام تفتخر
محمد الاسم من أفعاله حمدت
لا يحمد الغصن حتى يحمد الثمر
وتابع مادحاً آل حمادة:
ذو حمادة أهل المكرمات وهم
أهل المحامد فينا أينما ذكروا 
قوم من البر والتقوى منازلهم
هي المطالع فيها الأنجم الزهر
وختم الشاعر قصيدته بقوله:
يا ليلة أشهدتنا بهجة وهناً
كليلة القدر أحظانا بها القدر
شكراً لسلطاننا عبد العزيز فقد
أعطى لنا الأمن لا خوف ولا حذر
أما الشاعر مصباح محمد البربير فقد مدح آل حمادة عند تشخيص الرواية بقصيدة مطلعها:
يا ليل طلّ فبدور البشر قد طلعت
واحجب نجومك ذي الأقمار قد سطعتْ
تبسّم الدهر عن ثغر السرور كما
تبسّم الزهر والأمطار قد همعت
أبدوا لنا حِكماً يغنى اللبيب بها
أخالها الآن من إتقانها وقعت
نوادر الدهر قد جاءت مشخّصة
فالعين قد نظرت والأذن قد سمعت
وقال يهنّئهم بزفاف عبد القادر بموشح أندلسي يصف فيه ليلة الزفاف مطلعه:
قمْ بنا ندخل لروضٍ بسما
عن ثغور الزهر ذات اللعسِ
وأدر لي الراح صِرفاً حيثما
طاب لي فيه تعاطي الأكؤس
والموشح مؤلف من عدة أدوار منها الدور التالي:
يا مدير الراح ذا وقت الهنا
بزفاف البدر عبد القادر
ذي السنا الطيب مشهود السنا
جوهرٌ فردٌ بملء الناظر
من بني مجدٍ لقد أضحى بنا
يقتفيهم كابراً عن كابر
يسبق العزّ إليهم مثلما
يسبق الطرف لخدّ الكيّس
ليس بدعاً أمره إن قدّما
أوجه الفخر صدور المجلس
كما نظم مصباح البربير تأريخاً لزفاف عبد القادر حمادة قال فيه:
بشرى لعبد القادر الشهم الذي والألحانُ
أخفى مصايده فصاد غزالة
أدماَءَ تحت حمى يديه تُصان
فتبرّجت شمس المسرّة وانجلت
بكؤوسها القينات والندمان
وبدا الهنا مذ زفّ أرّخ لائحاً
فتزيّنت بزفافه الأكوان

تأريخ ولادة عبد القادر حمادة

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فمن الطريف أن نشير الى ان العريس عبد القادر بن محمد حمادة ولد سنة 1256هـ/ 1840م وقد سُمّي عبد القادر تبرّكاً باسم شيخ القادرية عبد القادر الكيلاني، فأرّخ المفتي أحمد الأغر ولادته بقصيدة مطلعها:
بشرى محمد ان قد أنعم الله
عليه في ولد كالبدر بشراه
في طالع المشتري قد حلّ في شرف
في منزل السعد دام العز مأواه
تبارك اسم الذي بالحسن صوّره
جلّ المصوّر من نور وسواه
سمّاه والده والسعد خادمه
والعزّ ناظره والله يرعاه
تبرّكاً باسم محيي الدين عبد القادر
الجليل وحبّاً فيه سمّاه

* مؤرخ