بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 حزيران 2023 12:00ص بيروتيّات (39).. أسّس سعد الدين حمادة في بيروت أول جمعية للفنون الإسلامية وأول شركة مساهمة لطبع ونشر صحيفة «ثمرات الفنون»

إعلان مسرحية «فدرا» إعلان مسرحية «فدرا»
حجم الخط
أسرة حمادة من الأسر الإسلامية في بيروت. وهي من أصل مصري (من الإسكندرية). لُقّب رأس الأسرة عبد الفتاح آغا ابن سعد الدين بالسيد «فتيحة» كما يقال في مصر. قَدِم إلى بيروت أوائل القرن التاسع عشر ونرجح أن ذلك كان سنة 1807م عندما احتل الإنكليز الإسكندرية، كما قَدِم شيخها المسيري إلى طرابلس الشام فبيروت ودرّس في الجامع العمري الكبير. أخذ الكثير من علماء بيروت عنه كالمفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله والمفتي الشيخ أحمد الأغر. ازدهرت تجارة عبد الفتاح آغا في بيروت وتوثّقت عُرى الصداقة بينه، وهو الإسكندري، وبين الشيخ أحمد الأغر، وهو المصري الأصل. عيّن عبد الفتاح حمادة سنة 1832م، إبان الحكم المصري متسلّماً على بيروت. ثم عيّن ناظراً لمجلس شوراها. ولُقّب سنة 1840 «بسرّ بوابين دركاه عالي» وكُلّف سنة 1841م بإخماد الفتنة التي نشبت في الشوف وتأمين إنزال الأمير بشير الثالث الى بيروت. وكانت داره مقصد الوجهاء والأعيان. وصف الأغر ليلة أنس عند عبد الفتاح آغا بأنها:
وليلة دام فيه
سرورنا يا ابن ودي
والحظ فيها عظيم
كأنسنا بابن سعدِ
تزوج عبد الفتاح آغا من نفيسة إسماعيل البارودي وأنجب الى جانب فاطمة، سعد الدين ومحيي الدين ومحمد وعبد الرحمن وخليل، وكانت لهم في بيروت آثار تُذكر فتُشكر.
*****

عبد الفتاح حمادة وقصره

ازدهرت تجارة عبد الفتاح آغا. فبنى سنة 1242هـ بيتاً على ظهر قيسارية الأمير يوسف أرّخه المفتي الشيخ أحمد الأغر بقوله:
إن هذا منزل أفراحه
لا تزال كل يوم في زياده
حيث فيه الخير يجري والهنا
دائماً والأنس من أهل السياده
دام بانيه ابن سعد في صفا
بالغاً ما دام في الدنيا مراده
عابد الفتاح ينمو أرّخوا
قد بنى قصر سرور فسعاده
وفي سنة 1243هـ اشترى عبد الفتاح آغا بستاناً في مزرعة القنطاري كان يعرف ببستان يمّين، وزار الموقع وأبلغ العجوز التي كانت بالجوار برغبته بناء بيت فقالت له: بفيّة الجمّيز ما بينبت حشيش وإن نبت ما بيعيش. وقد أرّخ المفتي الأغر البيت الجديد فقال:
هذه دار بناها
إبن سعد ذو احتشام
كم حَوَتْ قصراً مشيداً
قد تساما بانتظام
وبها الإيوان أضحى
حاكياً قوس الغمام
جمعت وهي عمار
غرف الحسن العظام
حولها جنات عدن
قد حَوَتْ كل المشام
مثل ريحان ونمّا
وورد وخزام
ملئت بالعز فرحاً
دام فيها السرور دام
ربها لا زال فيه
بسرور لا يضام
قال للأضياف أهلاً
أدخلوها بسلام
ناظروها مذ رأوها
دهشوا إذ لا ملام
فرجوا الشوق إليه
أدخلوها بغرام

سعد الدين حمادة وجمعية الفنون الإسلامية

لا نغالي إذا قلنا بان سعد حمادة كان ميّالاً للأدب والفن فقد حضر مجالس الأنس التي كانت تعقد في قصر والده، ومن المرجح انه حضر في بيت مارون النقاش مسرحية «البخيل» سنة 1847 ومسرحية «هارون الرشيد» سنة 1849، ويتأكد ذلك كون سعد حمادة تولى رئاسة مجلس التجارة في بيروت واستقام مارون النقاش عضواً فيه وكان مارون يتقن مسك الدفاتر كما تعلّم القوانين التجارية ومارس التجارة. ولقي المسرح هوى في نفس سعد حمادة فرتّب سنة 1865 بمناسبة زفاف عبد القادر ابن شقيقه محمداً تمثيل مسرحية «فرح بن سرور» في قصره بزقاق البلاط من تأليف الأمير محمد أرسلان. وتأكّد هواه المذكور بتأسيسه جمعية الفنون الإسلامية كأول جمعية من نوعها في بيروت استعملت كلمة الفنون.

سعد وسعد الدين والحاج سعد وسعد الله

أشار عبد القادر قباني في ذكرياته «إلى أن جريدة البصيرة التركية في اسطنبول نشرت فصلاً ذكرت فيه تقدّم بيروت العلمي والأدبي، وأسفت على أنه لم يكن للمسلمين نصيب فيه، وأن هذا التعريض حرّك الحمية والغيرة الوطنية في نفس الحاج سعد حمادة وكان من المفكرين أصحاب النفوس الكبيرة الأبيّة، وهو يومئذ رئيس مجلس التجارة، ففاوض من تفرّس فيهم الهمّة والإقدام من أحبائه وألّف سنة 1875م «جمعية الفنون الإسلامية». وكان سعد ناظرَها والشيخ يوسف الأسير رئيسها، وكان أعضاء الجمعية يحضرون دروسَ الرئيس في منزله ليلاً ليتم لهم العمل عن علم بإرشاد ناظرها.
يُذكر ان أكثر الكتّاب لم يذكروا سعد كاملا باستثناء قلّة كأسد رستم وأنيس النصولي وإيمان مناصفي، عرفنا منهم ان اسمه الكامل هو سعد الدين على اسم جدّه لأبيه سعد الدين، بينما ذكره الدكتور هشام نشابه وكامل الداعوق وعبد الجواد القاياتي باسم الحاج سعد حمادة، فيما سمّاه الشيخ طه الولي سعد الله حمادة، وقد تأكدنا ان اسمه سعد الدين حمادة من صحيفة «حديقة الأخبار» عدد 129 حزيران 1860.
يُذكر ان عبد الفتاح آغا أدّى فريضة الحج وأسرته سنة 1264هـ ومدحه المفتي الآغر مؤرخاً ولادة سلمى بنت سعد حمادة:
وأنت يا سعد أتتك سلمى
تقول جئت بالمراد سل ما
أرسلها للسعد أرّخوها
سعودها نالتك جا اخوها

جمعية الفنون الإسلامية ومسرحية «فدرا»

ولبيان أهداف الجمعية ونشاطها نشير الى ان جمعية الفنون الإسلامية نشرت سنة 1876م إعلاناً قالت فيه «إن من عوائد جمعية الفنون في بيروت أن تشخّص في كل سنة رواية تستعين بها على أعمالها الخيرية، وقد عزمت في هذا العام على تشخيص رواية فدرا المشهورة مترجمة إلى العربية، وقوعاتها يونانية، وهي من الروايات المؤثرة ذات خمسة فصول مع رواية هزلية ذات فصل واحد تشخّص في أثنائها. وسيكون تقديم ذلك في مرسح سورية عند برج الكشاف في ليلة الأحد 11 محرم سنة 93 وليلة الأربعاء 14 منه وليلة الجمعة 16 منه وليلة الأحد 18 منه، وابتداء التشخيص في الساعة 2، ثمن ورقة الدخول فرنكان تُباع في دكان السيد عبد الرحيم البربير في سوق البازركان وعند باب المرسح في ليالي التشخيص». (وأصل الرواية أن فدرا زوجة تيزيه أحبت إيبوليت إبن زوجها حباً محرّماً. ولما رفض مجاراتها، اتهمته أمام زوجها بحبه لها، فعاقب الأب ابنه، ولكن الندم أصاب فدرا فانتحرت شنقاً) اقتبست عن الأساطير اليونانية وأعاد جان راسين إخراجها سنة 1677.
يُذكر ان الشيخ يوسف الأسير رئيس جمعية الفنون الإسلامية ألّف مسرحية «سيف النصر» مُثّلت بدار أحد أعضاء جمعية الفنون عبد الغني بيضون في محلة الباشورة.

منشورات مطبعة جمعية الفنون الإسلامية

أنشأت الجمعية مطبعة، وقامت جمعية الفنون بنشر العديد من الكتب التعليمية، المنثور منها والمنظوم، فأصدرت سنة 1296 كتاب «الهجاء لتعليم الأطفال» للشيخ عبد القادر قباني (وقد أُلّف لتلامذة المقاصد، وهو أول كتاب للأطفال في بيروت ولبنان). وأصدرت سنة 1285 كتاب «إبداع الإبداء لفتح باب البناء» (في علم الصرف) للشيخ إبراهيم الأحدب, وكتاب «كشف الارب عن سر الأدب» للأحدب سنة 1293 وكتاب «الوشي المرقوم في حل المنظوم» لضياء الدين ابن الأثير 1298.

منزول قصر سعد الدين حمادة

كان منزول قصر سعد حمادة في محلة زقاق البلاط أحد معالم المدينة. ففي سنة 1872م نزل فيه والي سورية صبحي باشا. ونزل فيه سنة 1875م موسى باشا، أمين الصّرة (وهي المال المرسل من السلطان إلى الأراضي المقدسة). وحلّ في الدار المذكورة ضيفاً سنة 1881م حسام الدولة عمّ شاه إيران. ونزل فيه بالسنة نفسها شاكر باشا متصرف لواء البلقاء. واستضاف المنزول سنة 1885م والي سورية ناشد باشا. وفي دار حمادة كان أول مجلس للإمام محمد عبده، الذي كان يستقبل فيه الزائرين من جميع الفرق والنحل دون إستثناء. ذكر الأمير شكيب أرسلان أنه كان يجتمع في حضرة الشيخ محمد عبده علماء السنّة ومجتهدو الشيعة وعقال الدروز، وإلى جانبهم أساقفة النصارى وأحبارهم، إضافة إلى أعيان البلدة وفضلائها. وفي منزول بيت حمادة تعرّف الشيخ محمد عبده على كريمة سعد حمادة (رضى) وتزوجها.
شركة مساهمة لنشر «ثمرات الفنون»
وقد أدّت جمعية الفنون دورأ كبيراً في تشجيع المسرح والأدب، وكان سعد الدين حمادة قد أسس أول شركة مساهمة في بيروت قامت بشراء مطبعة التي أسستها الجمعية لطبع ونشر صحيفة «ثمرات الفنون» سنة 1875.

وفاة سعد ورثائه

ومما يؤسف له ان سعد الدين حمادة توفي في بيروت في تشرين الأول سنة 1878م ودفن في جبانة السنطية، وقد رثاه الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي بقوله:
أعزي بني الدنيا بفقدك يا سعد
فان عليهم بعدك الحظ لا يبدو
لقد كنت فيهم سيدا وابن سيد
ومورد خير منه طاب لهم ورد
فانك من قوم كرام أعزّة
حمادةُ من حاز الكمال لهم جدّ
لقد تم جرف رفاته الى البحر مع رفات الشيخ المسيري والمفتي الشيخ أحمد الأغر وعبد الله بيهم وعمر الداعوق وغيرهم.. ولم يكلّف أحد من بلدية بيروت نفسه إطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة أو إقامة نصب تذكاري له.

* مؤرخ