بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آب 2023 12:00ص بيروتيّات (45).. من خشبة مسرح الكلية العثمانية (الإسلامية) إلى خشبة السادس من أيار

الشهيد عمر حمد الشهيد عمر حمد
حجم الخط
أسّس الشيخ أحمد عباس الأزهري بالاشتراك مع الشيخ عبد القادر قباني الكلية العثمانية ثم انفرد بها الشيخ أحمد عباس واختار لها أمهر الأساتذة ووضع لها أحدث المناهج الأدبية والعلمية وقد أرادها أن تكون مدرسة وطنية عصرية.
وكانت إدارة الكلية العثمانية (الإسلامية فيما بعد) تنظّم على مسرح الكلية ندوات أسبوعية تتناول تاريخ العرب ومجدهم ومحاورات بين الطلبة حول موضوعات علمية وأدبية وتمثيل مسرحيات مستمدّة من تاريخ العرب وتراثهم. وتحوّل مسرح الكلية الى منبر لبثّ الروح العربية وكانت بعض الخطب تُلقى بالعربية والتركية والفرنسية. قامت الجمعية العلمية العثمانية بتمثيل رواية «امرىء القيس» وذلك في منتدى المدرسة وكانت من تأليف الشيخ أحمد عباس الأزهري. وقد زيد عليها فصلان يمثلان حالة الروم في القسطنطينية أيام هرقل وجنوده. وحُدّد ثمن الورقة بخمسة بشالك. إلّا ان الحماس اشتدّ ببعض الطلاب فأخذوا يتوسّعون في انتقاد أحوال المجتمع وفساده وكان من بينهم: الشاعر عمر حمد وقصائده الحماسية ومحمد وأحمد المحمصاني وعبد الغني العريسي وعمر فاخوري. الذين لاحقتهم السلطة وانتهى بهم الأمر على مشانق السادس من أيار.

نشاط الكلية أيام الامتحانات

شهد مدير الكلية الدكتور بشير القصار سنة 1896م احتفال المدرسة العثمانية باختتام سنتها الأولى يوم قرّظها الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي بقوله:
للّه مدرسة تميّز قدرها
عن غيرها بفنونها ولغاتها
هي باعتبار الوصف عثمانية
ومحبة السلطان بعض صفاتها
كما قرّظها المفتي الشيخ مصطفى نجا بقوله:
هذه مدرسة قد أصبحت
غرّة في جبهة العصر الجديد
وغدت ناجحة في ظل سامي
العلا سلطاننا عبد الحميد
ولم يتبيّن بالتحديد دور بشير القصار في الكلية قبل أن يتسلّم إدارتها بعد مرض مؤسّسها الشيخ أحمد عباس ونعتقد أنه كان يقوم بدور نائب الرئيس المؤسّس وناظر المدرسة الى جانب التعليم. ومن المؤكد أنه قام بالدور الأساسي فيما كان الطلاب يقومون به من نشاطات مدرسية وحفلات أدبية، ففي 30/6/1902م مثّل طلبة المدرسة مأساة تاريخية حماسية ذات خمسة فصول موضوعها «السباق بين عبس وذبيان» قدّم لها عبد الباسط فتح الله.

لجنة مآثر التربية الإسلامية

أقامت لجنة مآثر التربية الإسلامية في تموز (يوليو) 1906م في قاعة المدرسة العثمانيـــة في بيروت ليلة أدبية مُثّلت خلالها رواية «تسبا» وقد تبرّع بتقديمها المطرب والممثل المشهور الشيخ سلامة حجازي إعانة للجنة. وقد خصّصت اللجنة ساعة ذهبية قيمتها عشر ليرات ذهبية يقترع عليها على حاملي بطاقات الحضور، قدّمها محمد عبد الله بيهم، وكانت من نصيب ميخائيل حبيب. وفي شهر آذار سنة 1908م مثّلت اللجنة في المدرسة العثمانية رواية «وفاء السموأل» من تأليف الشيخ أحمد عباس الأزهري. وهي مأساة تاريخية من ثلاثة فصول. والسموأل هو يهودي ضُرب به المثل في الوفاء، سلّم ابنه للقتل على أن يفرّط في دروع أودعها عنده امرؤ القيس أمانة. من ذريته برّة بنته أم زوجة النبي صفية. له قصيدة من المعلقات شطّرها وخمّسها مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله مطلعها:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميلَ
وكانت الحفلة قد افتتحت بخطاب من توفيق الناطور ثم تلاه الدكتور بشير القصار فأظهر موضوع الرواية وتاريخ حوادثها. كما قام كثير من الأدباء بتقريظها وذلك في الفترة الواقعة بين الفصول. وجرى قبل تمثيل الفصل الثالث الاقتراع على الساعة الذهبية التي تبّرع بها محمد بيهم فكانت من نصيب عارف البربير.
يُذكر ان جمعية مآثر التربية الإسلامية تأسست في بيروت سنة 1905م من نخبة من الشبان برئاسة أحمد مختار بيهم وتولّى عمر الداعوق نيابة الرئاسة. وكانت تسعى كل عام بتمثيل رواية تهذيبية يرصد ريعها لتعليم من قعد بهم الفقر من نابتة المسلمين عن إتمام علومهم في المدارس العالية فتبعث بهم الى الكلية الأميركية أو الأزهر أو باريس.

نشأت لجنتين: لجنة علمية ولجنة أدبية

في آذار 1906م أقامت اللجنة العلمية في المدرسة العثمانية المؤلفة من تلامذة المدرسة حفلة أدبية بحضور والي بيروت بدأت بكلمة للشيخ أحمد عباس تبعتها كلمة الافتتاح من محمد محمصاني. ثم ألقى فؤاد حنتس خطاباً بعنوان «الجزاء من جنس العمل» ثم سليم عيتاني بخطاب «الأهل والمدرسة» فشفيق نعماني بخطـــــاب «عيادة المريض» والخطاب الأخير بعنوان «قيمة الوقت» من أمين خضر.
وفي احتفال الجمعية العلمية في المدرسة العثمانية في الامتحان الإنتصافي في آذار 1910م بحضور الوالي والقاضي الشرعي تلا عمر حمد كاتب الجمعية تقريراً عنها تبعه عفيف رمضان بخطاب في «آمال الشباب» ثم بشير النقاش في «الصداقة المدرسية» ثم جرى تمثيل رواية «البخيل» الفرنسية في ثلاثة فصول.

لا ندخل ولا نخرج

وجرت مناظرة أيهما أنفع لتربية السوري المدارس الأجنبية أم الوطنية؟ فكان حسن القصار محامي الدور الإيجابي وكان جميل دياب محامي الدور السلبي وكان رئيس الجمعية الدكتور بشير القصار الحكم بينهما.
ويبدو أن المناظرة حول الدورين كان بتأثير من الحركة التي قام بها طلاب الجامعة الأميركية سنة 1909م بعنوان «لا ندخل ولا نخرج»... يُذكر أن عمدة الكلية الأميركية طلبت سنة 1909م من الطلاب كافة بما فيهم المسلمين الدخول الى كنيسة الجامعة. ويبدو أن ذلك كان بهدف تعليم اللاهوت. وقد هدّدت عمدة الكلية من لا يمتثل إلى الأمر المذكور بإخراجه من المدرسة.
إلّا أن الطلاب المسلمين على ما ذكرته صحيفة «الإتحاد العثماني» في حينه رفضوا الامتثال للأمر المذكور، وقرروا قائلين: لا ندخل ولا نخرج. أي لا ندخل إلى الكنيسة ولا نخرج من الجامعة. وذهب وفد منهم قابل والي بيروت الذي قيل إنه استصوب رأيهم. وذكر في حينه أن حجّة الطلبة تمثّلت في أن ما طلبته العمدة يتعارض مع حرية العقيدة. وأنه لا يحق للعمدة سنّ نظام من نفسها ما لم تصدّق عليه الحكومة، وأنهم يعتبرون الكلية أميركية بالاسم، وأنها خاضعة للنظام العثماني. وأخيراً أنه ليس من الإنصاف أن يقيم الطالب في الكلية سنتين وينفق أموالاً طائلة، وإذا بقيت سنة أو سنتان لينال الشهادة تقول له العمدة إما أن تدخل أو تخرج.
ومن المهّم ما ذكرته الصحيفة بعد ذلك ويقتضي التثبّت من حقيقته - من ان أحد الوجهاء أكّد لها ان المنشور الرسمي (الفرمان) الذي أعطي من قبل الحكومة العثمانية إلى جماعة من الأميركان في بيروت نصّ بأجلى بيان بأنه متى أصبحت البلدة مستعدّة للقيام بإدارة الكلية، فإن على الأميركان تسليمها للبلدة، بما فيها البنايات والمتحف. وقال بأن عمدة الكلية طبعت هذا المنشور في أول سنة من تأسيسها ووزعته في البلدة ثم أخفته بالكلية. ويبدو أن الأمر رفع إلى نظارة الداخلية في الآستانة، فورد تلغراف منها مفاده الموافقة على موقف الطلاب وأن سفارة أميركا في دار السعادة كتبت إلى قنصل أميركا في بيروت ليبلّغه إلى إدارة الكلية. يُذكر أن القانون العثماني كان يفرض استصدار فرمان سلطاني لإنشاء المدارس. وكان الآباء اليسوعيون قد تقدموا بطلبهم بواسطة سفارة فرنسا في الآستانة، ولكن أولي الأمر في العاصمة المذكورة طلبوا جلب موافقة مسبقة من مجلس بلدية بيروت. وقد وافق المجلس المذكور على الطلب أيام رئاسة أحمد أباظة له سنة 1875م وأرسلت الأوراق بذلك الى الآستانة.

الاحتفالات السنوية

وكرّرت اللجنة العلمية في المدرسة العثمانية حفلتها السنوية في نيســـان 1911م مفتتحة ذلك بعشر من القرآن الكريم تبعه تقرير من كاتب الجمعية مختار طبارة ثم مقطوعة موسيقية وخطب بعد ذلك عبد الغني العريسي خرّيج المدرسة سنة 1320هـ/ 1902م تبعه عضو الجمعية يوسف سيوفي بكلمة حول «ثروة بلادنا الطبيعية» وألقى عمر حمد قصيدة بعنوان «ذكرى» نشرت في ديوانه مطلعها:
سلام على قومي ذوي الهمم الغرّا
ومن أحرزوا المجد المؤثل والفخرا
سلام عليكم سادة الفضل زرتم
حمانا فزدتم فوق أقدارنا قدرا
إلى أن يقول:
خذوا بيد النشء الجديد وشيّدوا
لتعليمه يا قوم مدرسة كبرى
وبعد قوله «فلست أبا تمام ولا أمير الشعر ولا بالمعروف» (أي الرصافي) يختم بقوله:
ولكن فتى هاجته آلام قومه
فردّدها نظماً وأرسلها نثرا
وألقى بعد عمر حمد أحمد مناصفي بخطاب على «مدنية العرب» مقطوعة موسيقية وألقى نائب الرئيس الدكتور القصار خطابا بعنوان «الطفلان الأسيران» وهي مأساة فرنسية من ثلاثة فصول يتخللها غناء وموسيقى.
وبعد ظهر الأحد اللاحق جرت الألعاب الرياضية في نادي المدرسة وكانت تتضمن سباق 100 يارد و300 يارد وسباق على ساق واحدة وسباق البطاطا والوثب العالي وسباق الأكياس (يلبسون أكياساً ويركضون) وجرّ الحبل للصغار والكبار وأخيراً الكرة الطائرة للصغار. وجرت في تموز 1912م حفلة منح البكالوريا لخرّيجي الكلية ووزعت الشهادات على عمر فاخوري وعمر الزعني ومليح سنو وكان من عادة المعهد أن يقدم كل سنة ساعة ذهبية تُعطى للأكثر اجتهاداً وحازها تلك السنة عمر فاخوري.
وأقامت الجمعية العلمية العربية بالكلية سنة 1913م حفلة خطب فيها فخري النشاشيبي بموضوع «السلف والخلف» وأحمد مناصفي عن الإسلام في الأندلس وتاريخ مدنية العرب ومآثرهم. ثم ألقى بشير النقاش دراسة حول التلغراف السلكي واللاسلكي مع شرح كيفية استعمال الآلات. تبعه هاشم نعماني في الأخلاق فجميل دياب في رقيّ الإسلام في عهد العرب. وختم الحفل عمر حمد بقصيدة «الشهامة والوفاء» وهي قصيدة طويلة طبعت في كرّاس صغير على نفقة بشير النقاش وأمين ميسّر وكانا تلميذين في الكلية وتحكي قصة من قصص العرب عن أسرة عربية زعيمها شيخ جليل مهيب مطاع وكان له إبن إسمه سعد خطبوا له إبنة عمته حليمة ويوم الزفاف ذهب سعد للصيد فرماه فتى غدراً وفرّ مرتعباً والتقى بشيخ كريم فاستجار به وأجاره وأدخله داره، وارتفع صوت النعي وندب الشيخ إبنه سعداً ومع ذلك أعطى القاتل سيفاً وجواداً وأرسله.
وفي تموز 1910 مُثّلت في المدرسة العثمانية مسرحية (واقعة ذي قار في العراق بين العرب والفرس، انتصرت العرب فيها) وكـــــــان محمد عبد الله بيهم قد تبرّع بساعتين ذهبيتين للأكثر إجتهاداً من تلامذة المدرسة ففاز فيهما أمين ميسر وعمر الزعني.
وفي سنة 1911م أقيمت حفلة أدبية في الكلية العثمانية ألقى فيها عمر فاخوري خطبة عن حياة الفيلسوف إبن رشد وتبعه مختار طبارة في بحث حول أفضلية التلميذ الداخلي. وأقيمت حفلة فيما بعد نظمت فيها مناظرة بعنوان «المستقبل للحق أم للقوة» تكلم فيها عمر فاخوري عن الوجه الإيجابي وتكلم بشير النقاش عن الوجه السلبي.

اعتقال طلبة الكلية وإحالتهم للديوان العرفي

تعرّف طلاب الكلية على تراث العرب من كتاب «حضارة العرب» لغوستاف لوبون الذي وضعه عبد الباسط فتح الله بين أيديهم وحفظوا القصائد العربية التي تُشيد بمجد العرب وعانوا مما شاهدوه من تخلّف المجتمع وفساده ومن موجة التتريك التي انتشرت ما آثار نقمتهم فانطلقوا يرفعون الصوت بلسان شاعرهم عمر حمد ومنظّرهم عمر فاخزري. أنشد عمر حمد:
يا أيها العرب لا فضل ولا كرم
ان ظل ينشد مجد العرب قوّال
ويقول:
يا عصبة الأتراك إنّا أمّة
نهضت وان مرامها الإصلاح
ووجّه نداء للعرب قال فيه:
أوطانكم أرض الجنان
أودى بها الخصم اللدود
وكان عمر فاخوري ينشر سنة 1913 في صحيفة «مفيد» مقالات عن القومية العربية وأهمية الرابطة اللغوية وضرورة الإصلاح جمعها في كتاب بعنوان «كيف ينهض العرب» كاد أن يوري به الى الديوان العرفي كما أوضحنا في مقدمتنا للطبعة الثانية من الكتاب.
وقد ذكرنا في مقدمة هذا المقال أسماء طلبة الكلية العثمانية الذين حوكموا في الديوان العرفي ونفّذ فيهم حكم الإعدام شنقا في ساحة البرج.

* مؤرخ