بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 أيلول 2023 12:00ص بيروتيّات (47).. مسرحية «شهــر عسـل فــي بيروت» (1/4)

حجم الخط
بدأت تظهر في بيروت ودمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مسرحيات مستوحاة من تاريخ العرب في الجاهلية والإسلام وتتناول موضوعات في الأخلاق والتقاليد مثل وفاء السموأل ويومي النعمان وكرم حاتم طي وجابر عثرات الكرام. ومُثّلت مسرحيات مقتبسة من الأدب الفرنسي مثال فدرا وتسبا وروميو وجولييت ولويس الملك. وابتعد الكتّاب عن أعين الرقيب باعتماد مسرحيات تجسّد علاقات المحبّين، فكتب الشيخ إبراهيم الأحدب مسرحيات ابن زيدون مع ولّادة بنت الخليفة المستكفي ويزيد بن عبد الملك مع جاريتيه حبابة وسلامة وعروة وابنة عمه عفراء ومجنون بني عامر مع محبوبته واليشكري مع المتجردة زوجة النعمان وأبو النواس مع الجارية حنان والزباء ملكة الحضر مع جذيمة الأبرش.
وغابت المسرحيات التي تعالج المشكلات الاجتماعية والسياسية الى إن ظهرت التيارات التي تدعو الكتّاب والأدباء الى ترك أبراجهم العاجية والنزول الى ساحة الناس. فظهرت سنة 1910 مسرحية «لبنان على المسرح» لفرقة أديب لحود التي قُدّمت في جبيل والبترون، ومُثّلت على مسرح زهرة سورية مسرحية «البلد على المسرح قبل الدستور» تأليف المحامي داود نقاش عالج فيها الأوضاع الاجتماعية.
وكان لبيروت حظها، فقد وضع أحمد دمشقية رئيس جمعية ترقية التمثيل الأدبي مسرحية «بيروت على المسرح» مُثّلت سنة 1928 على مسرح الكريستال وأُعيد تمثيلها بعد سنوات على مسرح التياترو الكبير ولم ينشر أو يعرف نصها.
وقد رأينا أن نؤلف مسرحية بعنوان «شهر عسل في بيروت» من عدة فصول، تشير الى بعض أحوال الأسواق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نرجو أن يتقبّلها الأدباء والقرّاء بقبول حسن.


الفصل الأول
المشهد الأول في الباخرة - البابور الفرنساوي. سليمان وسلمى وبحّار

(سليمان وسلمى يقفان على شرفة الباخرة).
سليمان: سنقضي أياماً حلوة في بيروت (في سنة 1910).
سلمى: لقد أخبرتني جدتي بأننا سنجد في بيروت أشياء جميلة.
سليمان: في بلدان كثيرة أشياء جميلة.
سلمى: إلّا ان بيروت تسبق غيرها في ما تجلبه من بضائع أوروبية.
سليمان: ولكن حرير بيروت مشهور جداً ويصدّر منه الى أوروبا وغيرها.
سلمى: نعم. فالمحارم والزنانير الحريرية معروفة، وقد أوصتني عمتي بشراء عدد منها.
بحار: سيدي لقد اقتربنا من الشاطئ، يستحسن أن تحضّرا أمتعتكما.
سليمان: كم لدينا من الوقت؟
البحار: حوالي الساعة.
سلمى: أنظر يا سليمان وتأمّل جبال لبنان وقد خطّ فيها الثلج خطوطاً بيضاء كالشعر الشايب.
سليمان: لندخل ونجهّز الأمتعة.

المشهد الثاني (سليمان وسلمى ونوتيان وفؤاد وحسن من ركّاب القارب)

النوتي: يا جماعة على كل رجل بشلك وعلى كل امرأة نصف بشلك والدفع سلفاً وعلى كل حقيبة قرشين.
(يدفع الركاب ما طلب منهم ويركبون القارب).
النوتي: على الرجال أن يبقوا واقفين، ولتجلس النساء والأولاد.
سليمان: أجلسي يا سلمى.
سلمى: كيف أجلس والخشبة مهترئة ومسودّة؟
سليمان: لا بد من ذلك لا يمكن للسفينة أن تقترب من المينا ونحن مضطرون للانتقال إليها بواسطة هذا القارب.
فؤاد يسأل النوتي: كم من الوقت تحتاج للوصول الى الميناء؟
النوتي: ساعة أو أكثر قليلاً حسب الطقس.
حسن: ذلك مرتبط بسرعة النوتي وهمّته.
سلمى (بعد أن شاهدت تكدّس الغيوم): الحمد للّه فقد أحضرت شمسيتي معي احتياطاً.
(تهبّ الرياح ويبدأ القارب بالتراقص، وأخذت السماء تبرق وترعد).
سلمى: كان الحريّ بنا أن ننتظر في السفينة قليلاً للتأكّد من حسن الطقس.
حسن: لا يسمح لنا بذلك لأن الباخرة تريد السفر الى بلدان أخرى.
(يبدأ المطر بالانهمار ويشتدّ تمايل القارب وتلاعب الموج به فيمتنع النوتي عن التجذيف، ويتطلّع إليه الركاب خائفين).
سليمان: ماذا حصل يا ريّس؟
سلمى: أنا خائفة جداً.
فؤاد: شو القصة يا ريّس؟
حسن: لماذا أوقفت التجذيف؟
النوتي: أن الأجرة التي دفعتموها لم تعد كافية ففي هذه العاصفة لا يمكنني الاستمرار.
سليمان وحسن معاً: لقد دفعنا لك ما طلبته وهو مبلغ ليس بالقليل من أجل مسافة قصيرة.
فؤاد: لم توضح لنا بوجود سعرين لحالتي الصحو والمطر.
النوتي: لا نستطيع الاستمرار، ومن لا يريد دفع زيادة على الأجرة قدرها نصف ليرة فليأخذ ما دفعه لي وينزل ويتابع سباحة.
(يتطلّع الركاب الى بعضهم البعض وتهمس سلمى لزوجها).
سلمى: أرجوك يا سليمان ادفع ما يريد، ألا تعلم ان النوتية في موانئ العالم كلهم متشابهون.
النوتي: أما سمعتم بأن البارحة دخلت المياه الى أحد القوارب فثقل حمله وتركه صاحبه وألقى نفسه في البحر ونجا وألقى الركاب أنفسهم في البحر فغرق منهم ثلاثة.
سليمان: الحق حتماً على صاحب القارب فيبدو أنه من طمعه حمّله أكثر مما يمكن نقله.
فؤاد: ونحن اتفقنا معك ودفعنا لك ما طلبته.
(أمسك النوتي فؤاد وألقاه على حافة القارب كي يرميه في البحر. وقام الركاب بدفع ما طلب منهم وسار القارب).

الفصل الثاني
المشهد الأول: سليمان وسلمى وفؤاد وحسن وعتّالة يتراكضون لحمل الحقائب

سليمان لعتّال: تمهّل يا رجل في نقل الحقيبة ففيها أغراض قابلة للكسر.
عتّال: لا تهتم يا آغا، لن ينكسر شيء.
سليمان: كيف لا أهتم وأنت تقذف الحقيبة وتدحرجها ولا تحملها.
فؤاد: الحقيبة السوداء لي أرجوك ضعها بجانبي.
عتّال: حاضر يا أفندي.
حسن لحمّال: ولو؟ ألا ترى كيف تمزقت هذه الحقيبة.
عتّال : أشكر الله، لو وصلتم قبل أيام لكنتم وضعتم في الكرنتينا وقاسيتم الأمرّين من العقارب المنتشرة حولها ومن بقية المرضى الموجودين فيها.
عتّال لسليمان: هل أدلّكم على بنسيون كويس ورخيّص. لوكندة «قصر البحر» خدمته ممتازة وترون منه منظر الجبل ومنظر البحر.
سليمان: شكرا. فمعي عنوان لوكندة «أهلا وسهلاً» في سوق الخمامير بمحلة الدباغة.

المشهد الثاني: (سليمان وسلمى وفؤاد وحسن وحمّالين وشيخ العتّالة)

سليمان لعتّال: كم تريد أجرة نقل الحقائب؟
عتّال: متليك عن كل حقيبة، انها سبع حقائب.
سليمان: ولكنها حقائب صغيرة، يمكن حملها كلها دفعة واحدة، يكفي متليكان.
فؤاد يسأل أحد الحمّالين: أما من رئيس أو مأمور بوليس ينصفنا؟
عتّال: أنظر شيخ العتالة أمامك.
(أشار إلى رجل متربع على كرسي يدخن النارجيلة ويضع يده على كرسي آخر).
سليمان لشيخ العتّالة: هل من العدل أن أدفع متليك عن كل حقيبة صغيرة؟
شيخ العتّالة: يا سبحان الله تحضرون وتأكلون وتشربون وتسمنون، ثم تطمعون بأجور أمثال هؤلاء أنقدوهم أجورهم.
سليمان: ولكن...
شيخ العتّالة: لا ضرر من زيادة كم قرش. أنقدوهم أجرهم وسيروا في سبيلكم، أفهمت؟
سليمان: نعم، نعم فهمت. فهمت.

* مؤرخ