بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2023 12:00ص بيروتيّات (61).. وفاء البيارتة للقاضي عبد اللـه جمال الدين الذي أسهم في تأسيس جمعية المقاصد وفي اختيار بعض مؤسّسيها وفي دعمها (4/7)

مجلة «الفجر الصادق» مجلة «الفجر الصادق»
حجم الخط
دور عبد الله جمال الدين في تأسيس جمعية المقاصد

قرأ البيارتة سنة 1876م في «ثمرات الفنون» نقلاً عن جريدة «البصيرة» العثمانية ان مأموري جزيرة رودس وأعيانها وتجارها جمعوا 465 ليرة لأجل إنشاء مدرسة للمسلمين بوشر ببنائها بحضور متصرف الجزيرة رائف أفندي. ويبدو أن الأخير أراد بعد تعيينه متصرفاً في بيروت نقل تجربة رودس الى بيروت.
كان متصرف بيروت رائف بك ممن تبنّى ظاهراً أفكار مدحت، وقد سبق أن نسبنا تأسيس المقاصد الى ثلاثة أشخاص هم: متصرف بيروت رائف بك ونائب المدينة (قاضيها) عبد الله جمال الدين والمنسق بينهما حسن محرم بك أمين سر مجلس الإدارة. ونبدي في هذا البحث تأكيد دور الثلاثة المذكورين في اختيار مؤسّسي الجمعية من أشخاص كانوا موظفين إداريين لديهم أو خاضعين لسلطتهم.
ومن المؤسف أن أحداً من هؤلاء أو من الذين شارك منهم في شعبة المعارف الأهلية بعد حلّ الجمعية إثر تلقّي الوالي أحمد حمدي باشا أمراً من الاستانة بحلّ الجمعيات المسمّاة خيرية ومنها جمعية بيروت الأكثر تأثيراً كما جاء في رسالة قنصل فرنسا العام في بيروت لوزير خارجيته، كما ان أحداً، من الذين واكبوا إعادة إحياء الجمعية سنة 1908م أو تصدّوا لسلطة الانتداب منذ سنة 1918م، لم يترك مذكرات أو إشارات تفيد البحث.
فمتصرف لواء بيروت رائف بك هو موظف بإرادة سلطانية يخوّل الإشراف على الأمور الملكية والمالية والأمن ضمن دائرة اللواء وينفذ تعليمات والي سورية ويشرف على تصرفات ومعاملات موظفي اللواء كالمحاسبجي ومأمور الدفتر الخاقاني ومأمور النفوس.
وتمتّع القاضي (النائب) بقسط وافر من النفوذ والاحترام، فكان عضوا طبيعياً في مجلس إدارة اللواء وكان يُخاطب بعبارات منها «أقضى قضاة المسلمين، أولى ولاة الموحدين، معدن الفضل واليقين، رافع أعلام الشريعة والدين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين المختص بمزيد عناية الملك المعين بيروت نائبي (قاضي بيروت) مولانا الخ..». ويشرف على باش كاتب المحكمة الشرعية وعلى كتّابها وينظر في تعيين متوليي الأوقاف وشيوخ الزوايا الصوفية والمؤذنين والخطباء والأئمة ويرأس مجلس تمييز اللواء الناظر بدعاوى الجنايات ويصدر أحكامها، فلا عجب بالتالي ان قام المتصرف والقاضي بتذليل كل العقبات وتسهيل كل الصعاب وإزالة كل الحواجز ورفع كل الموانع من طريق تأسيس الجمعية ومباشرة عملها.
وإذا اعتبرنا خضوع أكثرية المؤسسين لسلطة المتصرف والقاضي الشرعي فليس من باب الألغاز والأحاجي بل بعين يقظة وبصيرة نافذة، تبرر مدى مطاوعتهم وملاينتهم ومسالمتهم دون معارضة أو مناوأة أو مشاكسة.
لم يكن مدح قاسم الكستي لرائف بك عفو خاطر أو رمية من غير رامٍ أو تقرّباً ولكنه أثبت حقيقة دور المتصرف رائف بك في تأسيس الجمعية، وهنا نلاحظ أمراً بالغ الدقة غاب عن الجميع وهو الكشف عما فات القدامى والمحدّثين في سيرة المؤسّسين وعلاقاتهم بالمتصرف والقاضي الشرعي ولا حاجة بعد ذلك لاستعارة تعبير تردده العامة وهو «جسّ نبضهم». ومن المفيد أن نلقي ولو حزمة من الضوء على أوضاع المؤسسين ووظائفهم وعلاقة كل منهم بالمؤسّسين الحقيقيين.

دور عبد الله جمال الدين في اختيار بعض مؤسّسي المقاصد

توزع المؤسّسون على ثلاث فئات; الفئة الأولى: الموظفون الإداريون الخاضعون لسلطة المتصرف ومجلس الإدارة، والفئة الثانية العاملون في سلك القضاء الخاضعون لسلطة القاضي الشرعي، والفئة الثالثة هم التجار الذين يسعون دائماً لنيل رضا السلطة تيسيراً لأعمالهم وحفظاً لمصالحهم.
فمن الإداريين حسن محرم بك أمين سر مجلس الإدارة وبشير البربير أحد كتّاب نظارة الرسومات وهاشم الجمال الذي تنقّل وأولاده في عدة مناصب ومحمد دية الموظف في مجلس الإدارة ومحمود رمضان شقيق عارف الدفتردار وابن عبد الغني كبير التجار وشقيق بشير ومصباح وعبد البديع اليافي ومستخدم من تحرير الأملاك بوظيفة باش كاتب وعبد القادر النعماني عضو المجلس البلدي.
ومن الذين بإمرة (النائب) القاضي الشرعي نذكر عبد اللطيف حمادة مدير أوقاف لواء بيروت وسعيد الجندي العامل في المحكمة الشرعية ومتولي خطابة وإمامة مسجد شمس الدين. ومحمد اللبابيدي مأمور إجراء بيروت ومصباح محرم رئيس كتّاب محكمة بداية بيروت وأحمد دريان وسعيد طرباه من المعتمدين كخبراء لدى القاضي الشرعي. وكان راغب عز الدين نائباً للقاضي الشرعي ومحمود خرما ابن عبد الله خرما متولي أوقاف الجبانات ومحمد الفاخوري ومحمد المغربل العاملين في التدريس.
أما التجار فكان منهم عبد القادر سنو وحسن بيهم وخضر الحص ومصطفى شبارو وحسن الطرابلسي وطه النصولي وعبد الله غزاوي ابن عمر غزاوي أول من أولم لمدحت باشا. وكان عبد القادر قباني ينشر في «ثمرات الفنون» أخبار المقاصد.

دور عبد الله جمال الدين في دعم الجمعية بتسليمها الأوقاف

ولما كانت الجمعية الى دعم لمباشرة عملها فقد عيّن والي سورية مدحت باشا لجنة برئاسة المفتي عبد الباسط الفاخوري وبإشراف النائب (القاضي) عبد الله جمال الدين للنظر والتحقيق في الأوقاف التي كانت مرصدة على التعليم والتطبيب والمواساة وأصبحت خربة أو متهدّمة أو انعدمت التولية عليها وقلّ ريعها، فوضعت اللجنة بياناً بالأوقاف المشار إليها وبعد توقيع القاضي عبد الله جمال الدين عليه، حمله عمر غزاوي الى دمشق واستحصل على موافقة مدحت باشا لتسليمها للجمعية. وفي شهر ذي الحجة سنة 1297هـ حضر الى المحكمة الشرعــية عبد الله خرما الذي كان متولياً على الترب المعروفة بالباشورة والسنطية والمصلى والخارجة واعتزل من هذه التولية وأقام حسن إسماعيل محرم رئيس جمعية المقاصد الخيرية في بيروت ناظراً على الترب للمحافظة عليها وتعهدها بالإصلاح والترميم والصرف عليها فيما عيّنه واقفوها.

* مؤرخ