بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الأول 2023 12:00ص بيروتيّات (62).. وفاء البيارتة للقاضي عبـد اللـه جمال الديـن (5/7)

مدرسة السلطانية مدرسة السلطانية
حجم الخط
دور عبد الله جمال الدين بالإلتفاف على قرار حلّ جمعية المقاصد

أرسل باتريمونيو قنصل فرنسا العام في بيروت رسالة في 18/9/1882م الى رئيس وزراء فرنسا ووزير خارجيتها يذكر فيها تلقّي الوالي أحمد حمدي باشا أمراً من القسطنطينية بحلّ الجمعيات الخيرية التي أسّسها مدحت باشا وسحب أوقافها وأن قدوم حمدي باشا هدفه وضع حدّ لمكائد الجمعيات المذكورة التي اكتسبت نفوذاً كبيراً وأن جمعية بيروت هي الأكثر تأثيراً لأشخاصها وفروعها. ويعيد القنصل أحد أسباب الحلّ الى ضبط 85 برميل بارود من مرفأ بيروت وصلت لحساب سعيد طرباه أحد مؤسّسي الجمعية ورجّح أن تكون هذه الحمولة مرسلة الى مموّلتها جمعية بيروت الخيرية، وينهي القنصل رسالته بأن قرارات الوالي بملاحقة القضية دون جدوى لأن جميع مسلمي بيروت وعلى رأسهم رجال الإدارة والقضاء اجتهدوا بإنقاذ المتهم وإخلاء سبيله لعدم ثبوت الأدلة الكافية لإدانته.
وردت في رسالة القنصل المشار إليه عبارة لفت نظرنا وهي «ان الوالي طلب من قاضي بيروت الذي وصل حديثاً من القسطنطينية التداول بشأن تنفيذ أوامر الباب العالي..»، والقاضي المشار إليه هو عبد الله جمال الدين الذي سبق له أن تولّى قضاء بيروت وكان أحد المشاركين في اختيار بعض الأعضاء من مؤسسي الجمعية من العاملين تحت سلطته القضائية وهو الذي أشرف على تسليم الجمعية لبعض الأوقاف ثم سافر الى الأستانة وعاد سنة 1299هـ/ 1881م مرة ثانياً قاضياً لبيروت. والذي يلفت النظر أيضاً أن الوالي بعد ان قرّر حلّ جمعية المقاصد وإلحاقها بالمعارف تحت اسم شعبة المعارف الأهلية عيّن القاضي عبد الله جمال الدين رئيساً لها. وترافق تولّي القاضي منصبه مع قدوم المنفيين من مصر إثر فشل ثورة عرابي، فتعرّف على بعضهم كعبد الجواد القاياتي الذي قال في القاضي «إنه عالم بطريق الرياسة خبير بأصول السياسة ثابت الجنان قوي الأركان غاية في الفطنة والإتقان..».
فقد تمكّن القاضي المذكور وهو العضو الطبيعي في مجلس إدارة لواء بيروت من استيعاب قرار حلّ جمعية المقاصد والتفّ عليه بأن اختار أو أشار على الوالي الجديد تسمية أعضاء شعبة المعارف الأهلية. فتعيّن في الشعبة تسعة أعضاء من مؤسسي الجمعية هم: بشير البربير وحسن بيهم وحسن الطرابلسي وحسن محرم وسعيد الجندي عبد القادر قباني محمد المغربل ومحمود رمضان ومصباح محرم، إضافة الى عضوين دخلا الجمعية سنة 1881م هما أحمد القباني ورشيد الفاخوري، وأضيف إليهم ستة أعضاء هم القاضي ونائبه محيي الدين حمادة ومحمد عبد الله بيهم ومحمود الخجا ومحيي الدين طيارة وعبد القادر الدنا.
وهكذا تمكّن القاضي عبد الله جمال الدين الذي شارك سابقاً باختيار بعض المؤسسين من موقعه القضائي المتجدّد من تنفيذ قرار حلّ الجمعية من جهة والحفاظ على دورها وتحقيق أهدافها وحفظ أموالها من جهة ثانية وذلك من خلال تسعة من المؤسسين والذين شكّلوا غالبية أعضاء شعبة المعارف الأهلية وكأنه أراد تحويل الأنظار عمّا نسب للجمعية من خلفية سياسية وعن ارتباطها بمدحت باشا وشبهات دعوة هذا الأخير الإصلاحية، كما استطاع من موقعه القضائي ورئاسته لشعبة المعارف ومعرفته بأشخاص المؤسسين وأسرار الجمعية من إقناع الوالي بالاكتفاء بما حصل للجمعية وتأكيد ولاء أعضاء الشعبة للسلطان. وتأكّد هذا الولاء من خلال نفي شبهة تعاطف البيارتة مع حركة أحمد عرابي وترك علماء المدينة مسافة بينهم وبين الإمام محمد عبده المنفي الى بيروت فلم يثبت أنه ألقى خطبة في مسجد بيروت رغم صداقاته التي غلبت عليها الصبغة الثقافية.ولا ينكر دور عبد الله جمال الدين في إبعاد الشبهات عن علاقة جمعية المقاصد بالمنشورات التي ألصقت في شوارع بيروت وببراميل البارود التي ضبطت لسعيد طرباه، فتمكّن بصفته نائب بيروت ورئيس مجلس التمييز من إبقاء علاقة سعيد طرباه ببراميل البارود ضمن إطاره التجاري وقام بإخلاء سبيله وحفظ الشكوى. واستمرت المحكمة الشرعية في الاستعانة به وبغيره من مؤسسي الجمعية في حلّ النزاعات التي تحصل بين السكان، فعلى سبيل المثال حضر عمر بن الحاج مصطفى بن عبد الرحمن القباني في 12 شوال 1305هـ/ 1888م وادّعى على جارته ليلى بنت محيي الديــــــــن بن عبد الحليم خطاب الشامية أنها أحدثت علّية فوق غرفة دارها في محلة الباشورة وجعلت لها باباً وشباكاً كاشفين مع سلم خشب يصعد إليها على فسحة داره العلوية والسفلية وعلى مطبخيهما التي هي مقر النساء وجولاتهن، فجرى الكشف على الدارين بحضور ثلاثة من مؤسسي جمعية المقاصد هم: محمود عبد الغني عمر رمضان وأحمد سعيد مصطفى دريان وسعيد طرباه، فتعرّفا انه يلزم كلاً منهما منع الكشف المحدث منه على الآخر وتعهد كل منهما بمنع هذا الكشف.
وعمل القاضي عبد الله جمال الدين على استمرار مسيرة جمعية المقاصد تحت عباءة شعبة المعارف الأهلية. فقد استدعى بوصفه رئيس الشعبة عموم الأعضاء وخطب فيهم مثمّناً خدمة جمعية المقاصد للملّة والوطن ما استوجب شكرها، وقال بان تبديل الجمعية بشعبة المعارف لا يغيّر من هذا المقصد شيئاً، فدعا الجميع للدولة بدوام العز وبحفظ السلطان عبد الحميد. ثم جرت المذاكرة على الدور والتسليم وتعيين وقت الاجتماع وفقاً لنظام المعارف العمومية، ويستفاد من دفتر اجتماعات الشعبة بين سنتي 1321 و1326 ان الشعبة كانت تجتمع في مدرسة الإناث الأولى وان الشيخ حسن ابن المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري كان مفتشاً للمكاتب.

متابعة مسيرة المقاصد بفتح المدارس وتأسيس المدرسة السلطانية

أما المدرسة السلطانية فقد أسّستها شعبة المعارف الأهلية سنة 1883م، وهي التي تحوّلت سنة 1926م الى كلية المقاصد للبنات في محلة البسطة التحتا. تولّى إدارتها عند افتتاحها الشيخ حسين الجسر الطرابلسي وتولّى نظارتها الشيخ أحمد عباس الأزهري. وتألفت هيئة التعليم من ثلاثة مدرّسين للعربية هم الشيخ إبراهيم الأحدب وعبد القادر المسقاوي ومصطفى مطري، ومن مدرّسين اثنين للتركية ومن معلّمين للخط هما رشدي أفندي للخط الرقعي وحسن أفندي البنا للثلث والنسخي. فيما تولّى يوسف شهاب تدريس اللغة الفرنسية ونعوم شقير الرياضيات والانكليزية ومحمد اسكندراني الحساب. وكان طبيب المدرسة الدكتور أديب قدورة. وقد قسّمت الدروس فيها على ست سنوات: ثلاث إعدادية وثلاث عالية.
ومن الإنجازات التي قامت بها شعبة المعارف الأهلية برئاسة القاضي عبد الله جمال الدين افتتاح المدرستين اللتين كانت الجمعية قد أنشأتهما في محلة رأس النبع من المال الذي أوصى به للجمعية السيد علي الشخيبي. وإنشاء المدرسة السلطانية سنة 1883م (كلية المقاصد للبنات) وبعض المدارس الأخرى التي كانت جمعية المقاصد قد قررت إنشائها وذلك حتى سنة 1908م عند إحياء جمعية المقاصد. ومما عرف عن الشعبة أن مفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري (والد المؤسس الشيخ محمد) قد ترأس الشعبة بعد سفر عبد الله جمال الدين سنة 1884م حتى وفاته ثم عيّن لها سنة 1907م عبد القادر الدنا (المقرّب من أبي الهدى الصيادي).
وفي سنة 1883م تبرّع عدد من المسلمين والمسيحيين بتعليم أولاد الفقراء في المدرسة السلطانية على الشكل التالي:
والي سورية حمدي باشا: 3 أولاد.
عمر غزاوي: 3 أولاد.
متصرف لبنان رستم باشا: 2.
فخري بك رئيس البلدية: 2.
محمود درويش: 2.
متصرف البلقاء: 2.
وولد واحد من كل من: داود خطاب ومحمد دية وعبد الله حنتس ومحيي الدين القاضي وإبراهيم الطيارة وعلي عسيران وخليل الخوري ومتصرف طرابلس ومحيي الدين بيهم وناظر الرسومات وحسن الغندور وجرجس التويني ومحمود الخوجه وسرسق أبناء عم.

* مؤرخ