بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 آذار 2023 12:00ص زادُك في رضاها...

حجم الخط
إنها الأمّ، وما أدراك ما الأمّ؟! عطرٌ يفوح شذاه، وعبير يسمو في علاه، العيش في كنفها حياة، وعين لا تكتحل برؤيتها حسرة وأسى.
هي قسيمة الحياة، وموطن الشكوى، إسلامية وعتاد البيت، ومصدر الأنس، وأساس الهناء، يطيب الحديث بذكراها، ويرقص القلب طرباً بلقياها. حنانها فيضٌ لا ينضب، ومنبعها زلال لا ينضب، فنعم الجليس الأمّ، وخير الأنيس والنّديم الأمّ.
لطيفة المعشَر، طيّبة الـمَخْبَر، تُعطي بسَخَاء، ولا تملّ العَطَاء.
لا توفّيها الكلمات، ولا ترفعها العبارات، وإنّـما محلّها سُوَيْدَاءُ القَلب، وَكَفَى به مُسْتَقَرًّا.
ماذا تراني أسطّر من أحرف تصف أطايب مشاعري ومكنون أحاسيسي؟!
ماذا تراني أنتقي من عبارات تجسّد عميق شوقي وحنين فؤادي؟!
يشرق صباح هذا اليوم من كلّ عام مُعَنْوَناً بيوم الأمّ...
اليوم وكلّ يوم وكلّ لحظة نتأكّد أكثر أن الحياة تفتقد مذاقها الطبيعي بلا أمّ...
يأتي يوم الأمّ هذا العام محمّلاً بكثير من الشّجن، مخاطباً كلّ الناس بمعانٍ خاصّة، ولغة مختلفة، ومضامين متعدّدة، لا سيما مع حلول شهر رمضان المبارك، ليجترَّ من مخزون القلوب والعقول والضمائر، بعضاً من السّطور في صفحات عطائها، ومكنون قيمتها...
الأمّ... كلمة لها سر غريب عجيب، حيث تنحسر الكلمات وتتساقط الحروف منّا خجلى، وتتبعثر العبارات يمنة ويسرى...
الأم... هي التّربة الصالحة لنبتة أبنائها، وهي المؤثر الأول والمباشر في حياة الطفل، تحمّلَتْ الكثير من أجل تربيتهم، وارتقائهم سلّم الحياة دون مقابل، وهي التي حملتْ ابنها تسعة أشهر وتحمّلت المصاعب والآلام...
الأمّ... فضلها يتناسب مع تضحيتها ومدى إخلاصها وودّها...
الأم... مدرسة للتّعليم، والتّربية، والقيم، والصبر، والمثل، والعطاء...
لا ينبغي أن يختصر العرفان والتقدير والاحتفال بالأمّ على يوم بعينه، لأنّ الأمّهات أعياد دائمة تزيّن كلّ أيّامنا وليالينا...
ولا يهمّ الاحتفال بقدر ما يهمّ أن نتذكّر، وهي الأجدر بأن يُحتفى بها كلّ زمان ومكان...
أليس النبيّ صلى الله عليه وسلم زكّاها عندما جاء رجل إليه وقال له: يا رسول الله من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثم أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثم أمّك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. وما ذاك إلّا لصعوبة الحمل، ثمّ الوضع، ثمّ الرضاعة، فهذه أمور تنفرد بها الأمّ، ثمّ تشارك الأب في التربية والمسؤولية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {ووصّينا الإنسان بوالدَيْه حملته أمّه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين}، فسوَّى بين الوالدين في الوصاية، وخصّ الأم بالأمور الثلاثة...
الأمّ... جمالٌ ترعرع في سكناتها عفواً... وقصداً راح يُنشد للورى معانيها...
الأمّ... شوقٌ لا تحكيه كلّ أحرف لغة الضّاد!!!
الأمّ... شوقٌ تقف عاجزة على أعتابه العبارات !!!
الأمّ... شوقٌ لا تصف عمقه كل ما للحنين من مفردات!!
أمّي... اشتقنا لعبق أنفاس مائدتك الرّمضانية... ولحلواكِ المعجونة بتجاعيد وجهكِ المبارك، والمخبوزة بشوق محبّتكِ الصّافية...
أمّي... نفتقدُ دفءَ دعواتك التي اعتدتُ أن تنهمرَ عليَّ كل صباح...
فيا مَنْ تريد رضا ربِ البريّات، وتطلب جنّة عَرْضُهَا الأرض وَالسّماوات: دُونَكَ مفاتيحها؛ بإحسانك لأمّك ورضاها عنك.

د. علي إبراهيم أيوب
‏dr.aliayoub@hotmail.com