بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الثاني 2017 12:05ص شَرْح الشيخ محمد الحوت لكتاب المعاني في الجامع الكبير ببيروت

حجم الخط
أخذ أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي على عاتقه إحياء سنّة السلف الصالح في التدريس والتفسير وذلك في الحلقات  التي يقيمها لطلابه في رحاب مسجد محمد الأمين  صلى الله عليه وسلم ، كقراءة  كتاب الكفاية لذوي العناية للمفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري وقد تولى أمين الفتوى شرح بعضه (وقد حضرت آخر  تلك الحلقات بدعوة كريمة من الشيخ أمين حفظه الله) وكان  أمين الفتوى قد ترأس قبل ذلك  قراءة وشرح كتاب التبيان في آداب حمل القرآن وعقد مؤخراً مجالس قراءة مسند الإمام الشافعي رحمه الله.
من المتفق عليه من شروط تولية القضاء والإفتاء والتدريس أن يكون الطالب عالماً بلسان العرب لغة ونحواً كالأمر والنهي والخبر والاستخبار والوعد والوعيد والنداء وأقسام الأسماء والأفعال والحروف، وما لا بدّ منه في فهم معاني كلام الله تعالى من الكتاب العزيز وفهم ما جاء به الرسول  صلى الله عليه وسلم  بلغة العرب من ألفاظه، قادراً على استخراج المعاني المفهومة من الألفاظ المنقولة ، عارفاً بطرق النظر وترجيح الأدلة بعضها على بعض ، مع مراعاة الإيجار وتجنب التكرار الى جانب  البساطة في التعبير وقوةٍ في التدليل. وإن إتقان اللغة بابٌ لفهم النصوص الشرعية والأحكام الفقهية وحسن تطبيقها.
ولما كانت لغة الأحكام والفتاوى تتجسد في وضوح ودقة دلالات الألفاظ على المعاني الى جانب العناية بسلاسة العبارات وجزالة الألفاظ بالإضافة الى إتقان التسبيب وسلامة الاستدلال فقد كان على العاملين في القضاء والإفتاء والتدريس أن يتزودوا بعلوم اللغة الى جانب الفقه والتفسير والحديث والتوحيد والتاريخ، وأن يحفظوا القرآن والحديث ومشاهير القصائد والحِكم والأمثال.
وكانت هذه العلوم تدرس من قبل الشيخ محمد الحوت والشيخ عبد الله خالد في الجامع العمري الكبير ثم في مدرسة بغرفة من غرف جامع الأمير منذر (النوفرة  او المعلق) بإسهام الشيخ عبد الله خالد وقد تخرج من حلقات الجامع العمري ومدرسة جامع النوفرة من الطلاب من أصبح مفتياً وقاضياً وشاعراً ومسؤولاً حقوقياً وكانت لهم آثار تذكر فتشكر.
وقد تمكنا من  معرفة الدروس الفقهية واللغوية التي تلقاها تلامذة الشيخين الحوت وخالد من مصدرين : أولهما المخطوطات التي نسخها التلامذة ودرسوها منها  منهج الطلاب الذي اختصره شيخ الاسلام ابو زكريا الأنصاري وهو شرح لمنهاج الطالبين لأبي زكريا يحيى محيي الدين النووي) وفوائد في قواعد الإعراب لجمال الدين بن هشام وشرح العوامل الجديدة للشيخ عبد الله خالد ورسالة لعبد الله خالد بعنوان « مسائل فقهية على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه».  ورسالة في الكلام على (كم) و(كأي) و(كذا) وقد نظم الشيخ عبد الله خالد في ثمانية أبيات امور الاتفاق والأمور المخالفة في كم الاستفهامية والخبرية.  ورسالة في حكــــم (ما) قبل واو الجماعة المسند الى الفعل. ومن القصائد لامية العرب للشنفرى ومقصورة ابن دريد وجوهرة التوحيد الخ.
وثانيهما مما ورد في مخطوطات الشيخ عبد الباسط الفاخوري تلميذ الحوت من ذكر للدروس والأبحاث التي كانت تتم في حلقات شيخه بالجامع العمري الكبير على الطريقة السلفية بالأمالي بالقول  سألت شيخاً عما جرى بين الصحابة أو هذا  ما أملاه علينا شيخنا في مجلس واحد بعد العصر. أو عن طريق قراءة النص من قبل التلميذ وقيام الشيخ بتفسير الغامض منه او التوسع في الشرح.
علوم العربية المعاني والبيان والبديع
ومن علوم العربية  علم المعاني هو علم يعرف به مطابقة الكلام لمقتضى الحال وأبوابه ثمانية المسند والمسند اليه والإسناد الخبري ومتعلقات الفعل كالمفعول والقصر الحقيقي والإضافي والإنشاء والوصل والفصل وأخيراً الإطناب والإيجاز والمساواة. (جمعها الشيخ أحمد البربير في أربعة أبيات سنذكرها في محلها) .ومنها علم البيان وهو علم يقتدر به المتكلم على إيراد المعنى الواحد بعبارات متعددة ومقاصده التشبيه والمجاز والكناية . ومنها علم البديع هو علم بأصول يعلم به تحسين وجوه الكلام وأنواعه كثيرة تنوف على مائتي نوع ذكر منها الصفي الحلي في بديعته مائة وخمسين.
لم تذكر المصادر طريقة سلف بيروت الصالح في التدريس والتفسير وكل ما نعرفه أن الشيخ محمد المسيري الاسكندري كان يفسر بعض آي القرآن الكريم في الجامع العمري الكبير وأن الشيخ عبد اللطيف فتح الله والشيخ أحمد الأغر حضرا درسه وأن الشيخ محمد الحوت درس القرآن على الشيخ علي الفاخوري وأنه عاد ودرّس في الجامع المذكور، وعلمنا من مخطوطات الشيخ عبد الباسط الفاخوري أسلوب شيخه  في التدريس والتفسير وذلك على طريقة الأمالي أو السؤال والجواب ، ففي تلك المخطوطات يقول الفاخوري سألت شيخي (الشيخ محمد الحوت) عمّا جرى بين الصحابة ؟ فأملى عليّ وقال. وفي مجلس آخر فسّر الشيخ آية الغرانيق لطلاب حلقته وأنه أوضح في مجلس ثالث كيفية تحديد سمت القبلة وفي مجلس رابع شرح الشيخ الحوت شرح إبن حجر الهيتمي للأربعين النووية (سبق واشرنا الى ذلك في مقالات سابقة).
وذكر في هذا المقام تدريس الشيخ الحوت لمختصر المعاني والبيان للإمام سعد الدين التفتازاني على نسخة عثرنا عليها بخط المفتي الشيخ عبد الباسط الفاخوري كتبها في شهر ربيع الثاني 1264هـ/ 1848م. ودوّن عليها «قد وفق الله  إتمام مطالعة هذا الكتاب على شيخنا السيد الشيخ محمد الحوت في جامع الكبير العمري في بيروت في 29 شهر ذي الحجة سنة 1266هـ/ 1849م والحمد لله  رب العالمين  الفقير اليه تعالى كاتبه عبد الباسط».
 ولسعد الدين التفتازاني (1312- 1390م) عدة مؤلفات منها تهذيب المنطق والكلام وشرح الشمسية وقد برع في المعاني والبيان.
ولا يعرف بالضبط أول من ألّف في علم المعاني وإنما يؤثر فيه نبذ عن بعض البلغاء كالجاحظ وابن قتيبة الدينوري، الى أن جمع أبو يعقوب السكاكي (ت 1228م) ما قاله من سبقه وذلك في كتابه «مفتاح العلوم في الصرف والاشتقاق والنحو والمعاني والبيان والعروض» فلم يترك لمن جاء بعده زيادة لمستزيد.
من شرح الشيخ محمد الحوت على كتاب المعاني
وتأتي اهمية نسخة المفتي الفاخوري مما  ورد في هوامشها من تعليقات  الشيخ محمد الحوت كتبت في نهاية كل منها كلمة «حوت». ومن امثلة الشرح نذكر ان التفتازاني بدأ في مقدمته بقوله «نحمدك يا من شرح  صدورنا  لتلخيص البيان في إيضاح المعاني  ونوّر قلوبنا بلوامع التبيان من مطالع المثاني...» فقال الشيخ الحوت»  لوامع جمع لامعة وهي كل ما فيه بريق ونور يتعلق بها من مطالع المثاني فتكون مَن للإبتداء والمطالع جمع مطلع وهو مكان طلوع الكوكب والمثاني جمع مثنى والمراد به الكتاب العزيز لأنه يثني بالقراءة أو تثني فهي الآيات وفيه تشبيه الكتاب بالأفق على طريق الكناية وإثبات المطالع تخييل وذكر اللوامع ترشيح والمعنى نوّر قلوبنا بآيات القرآن الشبيهة بلوامع الكواكب الطالعة بجامع الهداية وبين المعاني والمثاني التوازن» (صوت).  
وجاء في كلام التفتازاني قوله «الكلام ظرفان أعلى وهو حدّ الإعجاز»  فشرح الشيخ الحوت ذلك بقوله «أعلى وعالٍ هما قسم واحد وكلاهما معجز وذلك لا يكون إلا في كلام الله تعالى لأن بلاغات القرآن العظيم تتفاوت بحسب الأساليب فمنها عالي ومنها أعلى..( صوت).
وشرح الحوت قول  التفتازاني «وهو حسبي ونعم الوكيل» «بقوله» جعل بعض النحاة جملة نعم الوكيل إنشائية فقدروا وهو غلط لأنها لو كانت إنشائية لم تقع خبراً عن المبتدأ في قولك زيد نِعم الرجل قال تعالى لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير قال المفسرون جملة لبئس ليست خبراً عن الاسم الموصول وإنما هذه الجملة معناها أنشأ ولفظها خبر والإعراب إنما يكون على اللفظ الأعلى المعني فقوله تعالى فيضحكوا قليلاً لفظه طلب ومعناه الخبر وقد عومل معاملة الأمر وقوله تعالى لا يمسّه إلا المطهرون لفظه خبر للمختصر...»
ويشرح الشيخ الحوت «العلى جمع علياء بالمد وصف للسموات أو الجهات وكون الغداير طالبة للرفعة إما ان يكون مراده الارتفاع الحسي ولأنه قليل الفائدة وإما ان يكون أراد العلو المعنوي وهو الشرف والسيادة فيكون فيه مجاز مرسل من اطلاق الجزء وإرادة الكل يعني نفسه مايلة لطلب العلوي (صوت)».
وفي الانتقال في بيت من الشعر قال الحوت «وأما في الانتقال اراد انتقال فهم البيان أو قصد المتكلم من اللفظ الى المعنى المراد فإن اللفظ اذا كان حقيقة لا يحتاج الى الانتقال وان كان مجازاً أو كتابة احتاج الى الانتقال كل من المتكلم والسامع حيث استعمل اللفظ في غير ما وضع له ثم الانتقال تارة يكون قريباً ولو مع الوسايط كقولك زيد كثير الرماد وطويل النجاد ورفيع العماد فيفهم من الأول الكرم ومن الثاني الشجاعة ومن الثالث الشرف وتارة يكون الانتقال بعيداً لا يدركه السامع إلا بالتفهيم والتعريف كقول القائل ابونا الذي لم تنزل الأرض قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس افواجاً على ضوء ناره فمنهم قيام حولها وقعود وكان ذلك الرجل ابن فوال والسامع لا يفهم هذا الكلام إلا انه ابن كريم ففي كلامه إيهام ومع ذلك فهو معدود من المحاسن وبالجملة فإن الكنايات تختلف والبيت الذي ذكره لا يعد من الفصيح...» (حوت) ويضيف الحوت هنا كلمة تأمل؟.
 *محامٍ ومؤرخ