بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 نيسان 2022 12:00ص شهر التعاون والتكافل

حجم الخط
هلّ علينا شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركات، شهر التعاون والتكافل، شهر يسعى فيه الناس عموماً والمؤمنون خصوصاً الى فعل الخيرات، كيف لا وقد خصّ الله سبحانه وتعالى هذا الشهر الكريم بمضاعفة الثواب فيه، كيف لا وقد أمر الله عزّ وجلّ عباده بالتسابق إلى فعل الخيرات فقال في سورة البقرة: {فاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} وعدّ المسارعين في الخيرات بالصالحين فقال في سورة آل عمران: {يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} وأمر المؤمنين بالتعاون والتكافل على فعل الخير فقال: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة].

إنّ المسارعة في الخيرات خلقٌ عظيمٌ، وطبعٌ كريمٌ لا يتّصف به إلّا المؤمنون الصادقون العالمون العاملون، لا ينالها إلّا من سَمَتْ همّته، وقويت عزيمته، وسلم قلبه ورجح عقله، وانشرح صدره للإيمان، والمسارعة في الخيرات تعني فعلها بأسرع وقت وأمّا التسابق بها فهي فعلها على أكمل الوجوه والأحوال مع المبادرة في ذلك والمسارعة قبل أن يسبقك عليها غيرك.

الحثّ على فعل الخير

وقد حثّت السنّة النبويّة على فعل الخيرات والتعاون عليها، أخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: « أفضل الصدقة صدقة في رمضان»، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان».

ولأعمال البرّ وجوه عديدة منها:

- إطعام الطعام، هو أكثر ما يحتاج إليه النّاس في يومنا هذا، فكثير من لا يجد ما يأكل إمّا لندرة وجود الطعام في السوق كالطحين والسكّر وغيره وإمّا لارتفاع سعره وعدم قدرة النّاس على شرائه كاللحوم، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً} وقال صلى الله عليه وسلم : «أيّما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم»، وعن الطاهرة العفيفة عائشة إمّ المؤمنين رضي اللَّه عنها وعن أبيها ابي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم  قالت أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَا بَقِيَ مِنها؟» قالت: مَا بَقِيَ مِنها إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم : «بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا» رواه الترمذي.

- إفطار صائم: روى الترمذي عنْ زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قالَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائماً، كانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أجْر الصَّائمِ شيءٍ». دلّ الحديث على أنّ من يفطّر صائم يكون له مثل أجره سواء فطّره على تمر أو على مائدة كبيرة أو على ما بين ذلك، فيستحب للمؤمنين فيما بينهم أن يتعاونوا في هذا، وأن يفطّر غنيّهم فقيرهم وحتى أن يفطّر الفقير الفقير فتحلّ البركة ويعمّ الخير والإحسان.

- الصدقة بالمال: روى مسلم في صحيحه عن أبي هُريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» فقد يظن البعض أن بصدقته نقص ماله، فيغيب عن باله إن الله يبارك له بما تبقّى، أو يخلفه أضعاف ما أنفق، فقد قال في كتابه العزيز: {منْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}.

قال ابن رجب رحمه الله: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله.

- الصدقة بالثياب: روى الطبراني في كتابه «مكارم الأخلاق» عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما في جمع من أصحابه، إذ دعا بقميص له جديد فلبسه، فما أحسبه بلغ تراقيه حتى قال: الحمد للّه الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمّل به في حياتي، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  لبس ثوبا جديدا، فقال مثل ما قلت، ثم قال: «والذي نفسي بيده ما من عبد مسلم يلبس ثوبا جديدا، ثم يقول ما قلت ثم تعمّد إلى سمل من أخلاقه التي وضع فيكسوه إنسانا مسلما مسكينا فقيرا، لا يكسوه إلا للّه عزّ وجلّ، إلا لم يزل في حرز الله، وفي ضمان الله، وفي جوار الله ما دام عليه سلك واحد، حيّا وميتا».

- الصدقة بالمركوب: حثّنا النبيّ صلى الله عليه وسلم  على التعاون والتكافل الإجتماعي وذكر منها إعانة النّاس في تنقّلهم من مكان إلى آخر، إما بإيصاله أو إعطاؤه ما يعينه للوصول الى مقصوده، ففي سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: بينما نحن معِ رسول الله صلى الله عليه وسلم  في سفر، إذ جاء رجل على ناقة له، فجعل يَصْرِفُها يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان عنده فَضْل ظَهْرٍ؛ فليَعدْ به على مَنْ لا ظهر له، ومن كان عنده فَضْلُ زادٍ، فَلْيَعدْ به على مَنْ لا زادَ له»، حتى ظننّا أنه لا حَقَّ لأحد منَّا في الفَضْلِ.

- التبسّم في وجه الناس: فلمن لا يملك الطعام ولا المال والثياب ولا السيارات ولا يملك شيء يتصدّق به، فعليه أن يتبسّم في وجه الناس تكن صدقة له، وما أحوجنا في هذه الأيّام أن نرى وجوها مبتسمة، طلقة غير عابسة أو مكفهرّة تفرح قلب من يراها، وتنسيه بعض همومه ولو للحظة قليلة، روى الترمذيّ عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: «تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة» ولمسلم عنه قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئاً، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ» وقال ابن علان في دليل الفالحين: «أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين».

- كفّ الأذى عن النّاس: وبها أختم، يقول الإمام ابنُ حجر رحمه الله في كتابه النفيس «فتح الباري» ما نصّه: «يقتضي حَصْر المسلم فيمن سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام الواجب؛ إذْ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبةٌ، وأذى المسلم حرامٌ باللِّسان واليد» وهذا من هدي النبوّة المحمديّة القائل: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ورويا أيضاً عن أبي ذرّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم : «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ».

مبارك لنا قدوم شهر رمضان المبارك ونسأل الله أن يعيننا فيه على التعاون والتكافل والتضامن والتناصر كلٌ حسب طاقته، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} وقال صلى الله عليه وسلم : «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» فمن كان يملك المال فليعن أخاه الإنسان ببعض ماله، ومن كان يملك الطعام فليطعم أخاه الجائع، ومن كان يملك الثياب فليكسو ببعضها أخاه، ومن لم يجد ما يتصدّق به أو يساعد به غيره فليبتسّم في وجه أخيه بالمجتمع يريح بها صدر أخيه بالمجتمع، ومن لم يجد أيّ من هذا فليكفّ عنّا شرّه تكن له صدقة وللمجتمع تعاون وإعانة.



* عضو الهيئة العامة منسق لجنة «الحقوق المدنية» في المركز الثقافي الإسلامي

- الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب