بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آذار 2024 12:37ص شهر الصبر والفرقان وانتصار غزَّة الصامدة

حجم الخط
لا يكاد المرء يجد العبارة التي تحيط بفضائل هذا الشهر الكريم كالتي وردت عن النبي المصطفى صلوات الله وسلامه وعليه عندما قال: (لو علمت أمتي ما في رمضان لتمنت ان يكون الدهر كله).
فهي عباة جامعة مانعة ولا يؤتاها إلَّا من أوتي جوامع الكلم.. ولم يكن ذلك إلَّا لرسول الله صلى الله وعليه وسلم.
فرمضان شهر الفضائل.. والخيرات.. والبركات والتجليات.. والرحمات.. وقد جاء في الحديث الشريف (أتاكم رمضان شهر بركة.. يغشاكم الله فيه.. فينزل الرحمة.. ويحط الخطايا.. ويستجيب فيه الدعاء وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير.. فأروا الله من أنفسكم خيراً.. فإنَّ الشَّقيَّ من حرم فيه رحمة الله عز وجل).
وقد ورد عنه صلوات الله وسلامه عليه انه قال: (أٌعطيت أمتي في رمضان خمساً لم يعطهنَّ نبيَّ قبلي.. أما الأولى فإنه اذا كان اول ليلة من لياليه نظر الله إليهم،  ومن  نظر الله إليه لم يعذبه أبداً.. وأما الثانية فإن الملائكة تستغفر لهم كل يوم وليلة.. وأما الثالثة فإن رائحة أفواههم حين يُمسون تكون أطيب  عند الله من ريح المسك..  وأما الرابعة فإن الله يأمُر جنته فيقول تزيني لعبادي  الصائمين فقد أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي.. وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة من لياليه غفر الله لهم جميعاً، فإن العمل يعملون فإذا فرغُوا وُفُوا أجورهم)..
وهو شهر يُزادُ فيه رزق المؤمن.. ويضاعف فيه الأجر والثواب.. فمن تقرب فيه بخَصْلَة من الخير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه.. ومن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه). ومن فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتقاً لرقبته من النار، قالوا ما كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه.. قال صلواتُ الله وسلامه عليه.. (يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربةِ ماء أو مذقة لبن).
وهو شهر الصبر والصبرُ ثوابه الجنة.. والصبر كما يكون على الطاعة: (وإنها لكبيرة إلَّا على الخاشعين). يكون علي المعصية والإيذاء.. (فإن سابَّه أحدٌ أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم)، ولا يخفى ما لهذا الخلق من تحمل وكظم للغيظ ورباطة الجأش وقوة الإرادة.
ورمضان قبل هذا وبعده هو شهر القرآن والفرقان، قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).
وفي هذا الشهر ليلة هي خيرٌ من ألفِ شهر، وربما كانت خيراً من ليالي العمر كله.. وهي ليلة القدر والشرف والتعظيم وهي محض عطاء ومنّةٍ ومنحةٍ من الله تعالى لنبيه ومصطفاه صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي كرَّمه الله تعالى وأعلى مقامه فوق كل مقام ومنزلة، وقد وصل الى سدرة المنتهى، ثم الى قاب قوسين أو أدنى، وهذا التكريم والعطاء لا يخفى أنه يسري على أمته الى قيام الساعة.. فهي خيرُ أمةٍ أخرجت للناس.
بقي عليَّ أن أقول بأن رمضان شهرُ الفرقان.. وشهر الانتصارات والتمكين، فهو شهر بدر الكبرى وهي الغزوة التي انتصر فيه المسلمون مع قلة العدد والعتاد، فلا كاد العدد أن يصل الى اكثر من ثلاثمائة وثلاثين مقاتلاً بينما قريش بلغت الألف أو يزيد.. والعتاد عن المسلمين لا يكاد يُذكر البتة، لأنه لا يكاد يتجاوز عدد الأصابع..
ورمضان شهر فتح مكة.. وهو الفتح المبين الذي قال الله عز وجل عنه: (إنا فتحنا لك  فتحاً مبيناً.. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً).
وهو شهر عين جالوت.. واليرموك وهي التي سميت بغزوة العسرة.. والأمل ان يكون شهر غزَّة هاشم بانتصار  حاسم ينهي أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وصحيح ان بوارق الأمل والنصر لاحت وتحققت في ثبات وصمود أهل غزة وقد دخلوا الشهر السادس والوعد الذي أعطي لحسم معركة غزَّة لا يكاد يصل إلى عشرين يوماً تنتهي فيه غزة بشراً وحجراً..
لكنها الإرادة الايمانية التي صمَّمت أن تكمل طريق النصر مهما طال أعيا جيش العدو..  وفاجأ العالم كله بصبرهم واستمرارهم، حتى أن كثيراً من ضباط جيش العدو وجنوده بدأ التململ يتملكهم.. والتساؤل إلى متى..
رمضان هذا الشهر الكريم وفي هذا العام سيحمل إلينا بإذن الله تعالى ومشيئته وقوته النصر والغلبة لعصبة الايمان: وستبقى غزةُ هاشم عزيزة الجانب، محفوظة الكرامة.. مرفوعة الرأس والراية.. مشدودة الساعد (وسيعلمُ الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون).
غزَّة أيتها المدينة الحبيبة كان الله في عونك أنت أمام عدو ليس له عهد ولا ذمَّة.. لا يعرف معنى للإنسانية.. لا للرحمة بالنساء ولا بالأطفال لم يسلم من عدوانه ولا حتى الأنبياء.. فهم قتلة الأنبياء.. وهُمْ هُمْ الذين تجرؤا وقالوا يدُ الله معلوله غُلَّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل بداه مبسوطتان.. وهم هم الذين فجروا في كفرهم وقالوا إن الله فقيرٌ ونحنُ أغنياء.. فمثلُ هؤلاء لا يعرفون معنى لا للقيم الدينية ولا الإنسانية ولا يحلون ولا يحرمون..
غزَّة الحبيبة أُناديك وأنا مشدود إلى  انتظاراتك المتتالية.. و صبرك وصمودك، وأنت تقدمين أغلى ما عندك نفسك.. ودمك.. وشبابك.. وحياتك لأقول لك بكل صدق الشهادة اصطفاء من الله تعالى (ويتخذ منكم شهداء) وهي ترضية من الله تعالى وفضل ولكنها ليست القامة رغم علوِّ منزلتها لأن الغاية هي النصر.. والغلبة والتمكين فالبشريات كثيرة.. وكتاب الله عز وجلَّ أكدها وبينها في مواضع كثيرة وفي آيات  بينات.. قال عز وجل: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ان الله لقوي عزيز)، وقال سبحانه: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهُم المنصورون وإن جندنا لهُمُ الغالبون).
وقال عز وجل: (وما النصر إلَّا عند الله) (نصرٌ من الله وفتحٌ قريب وبشر المؤمنين).
كل ذلك سيكون والأمر  بيد الله تعالى أولاً وآخراً (لله الأمر من قبل ومن بعد). وكل ذلك حدث حتى مع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: (حتى إذا اسيتأس الرسُلُ وظنَّوا أنهم قد كُذِّبوا جاءهم نصرنا).
أكملوا الطريق.. وجدّوا السير.. فالله معكم ولن يتِرَكُمْ أعمالكم).


مفتي طرابلس والشمال سابقاً