13 نيسان 2023 12:03ص عن رمضان والانهيار

حجم الخط
رمضان هذا العام، غيره في سائر الأعوام، غيره عما مضى على البلاد والعباد من الأعوام. الكوارث ما كانت لتأتينا فرادى، وإنما أتت دفعة واحدة. إنصبت علينا صبّا. مضت عليها شهور طوال، وهي تروزنا بأثقالها.. حتى بتنا على مقربة أيام من حلول الشهر، ونحن في أسوأ الأحوال.
راجعوا معي، منذ ما قبل الإنتخابات النيابية، كيف كانت البلاد تتهاوى، تتساقط، تتعرى من أوراقها، تتعرى من الورقة التي تستر عورتها، بحيث جاءت بالفضائح، وتقدمت المحسوبيات على الانتخابات. فمضى البرلمان يشق طريقه بالعزم وبالأمل وبالعمل. وتجاوز الناس ما جرى من خلل.. تعالوا فوق الجراح، تعالوا فوق ما كان يحزّ في نفوسهم، تعالوا كعادتهم، بكل كبرياء.
كان لا بد أن تتقدم الحكومة باستقالتها. وجرت الإستقالة بإنتظام، كالمعتاد. وبدأت العواصف تضرب البلاد، كانت عنيفة للغاية، لم تدع شيئا إلّا هزّته هزّا عنيفا، إلّا هشمته، إلّا مزّقته بلا حياء.
استمر الصراع على التكليف لوقت طويل، حتى رست الحروب المعلنة وغير المعلنة، على رئيس الحكومة المستقيلة. فبدأت منذ تلك البرهة عقدة التأليف. ما إستطاع أهل الحوربة والحروب، من تجاوز عقدهم. واقترب موعد الشغور الرئاسي، والحرب لا تزال على أشدّها. فخرج الرئيس، وظلت الأزمة في مكانها، تقوى كل يوم، وصارت أحوالنا، تماما كما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها/ فلم يضرّها وأوهى قرنه الوعل.
زاد الشغور الرئاسي الطين بلّة. فأخذت عربة البلاد طريقها للتهاوي بسرعة. تفاعلت الحكومة المستقيلة. فحدث الإنقسام السياسي، وحدث الإنقسام الطائفي، وحدث الإنقسام الوطني.. حتى كاد الإنقسام الخبيث، يضرب البلاد، ويطرح مشاريعه التقسيمية المباغتة.
إن الاستعدادات للانتخابات الرئاسية، التي كانت تجري طوال هذه المدة من الشغور المُرّ، كانت كلها لتمرير الكرة، لا لتسجيل أي هدف من الأهداف. خصوصا، وقد أخذت إدارات ومراكز الدولة تتهاوى، ودخل معها أيضا، إضراب المدارس والجامعات، وكذلك إضراب موظفي الدولة، الشهور الطويلة. تهاوت المصالح وتوقفت المعاملات. ثم جاء إضراب المصارف، مثل الضربة القوية على الرأس، فتسارعت العملة الوطنية بالتهاوي، إلى الحدود القصوى. وصار الدولار يأكل الرواتب، مثل النار في الهشيم، وهو في الطريق السريع للوصول إلى الأسبوع الأول من رمضان، وقد طوى المائة ألف، ويستعد بالسرعة الزائدة، لطي المائة ألف الثانية.

شهر الصوم والمعاناة

كيف يستطيع الناس أن يعيشوا الشهر، بلا مال، بلا حلال؟ كيف تنطح العائلات زادها، عند الغروب في رمضان؟ كيف تجتمع العوائل على الموائد؟ كيف يسددون الصيام؟ بل كيف يقطعون شهر الصوم، في ظل هذه الأزمة الخانقة: بلا ماء، بلا كهرباء، بلا رغيف، بلا قوت، بلا مال؟!
الناس جوعى قبل رمضان، فماذا يحلّ بهم؟! فلقد حلّ بينهم الشهر، شهر رمضان، وقد ارتفعت الأسعار كما في كل موسم، كما في كل عام. وقد اجتمع عليهم، الصوم والجوع والانهيار. عائلات خرجت في الطرقات، تسأل الرحمة من السماء لأن المسؤولين، صاروا مثل الكواسر، ينقضون على البلاد، كما تنقض الوحوش على الجيف في الوديان. ألم تسمعوا، كيف يسرقون مال الدولة، محروقات الدولة، مشاعات الدولة، أوراق الدولة، طوابع الدولة.. كيف يبيعون ويشترون الأكفان والأختام؟!
البلاد لم تكن على موعد مع رمضان وحده، بل على موعدين في اليوم نفسه: رمضان والإنهيار.
وأما المسؤولون، فهم غائبون عن السمع، لا يهمّهم من الأمر، إلّا أن يسكنوا لراحتهم، إلّا أن يثبتوا على مواقفهم.. ألم يقل فيهم الشاعر عمر أبو ريشة، ذات يوم:
على آرائكهم سبحان خالقهم/ عاشوا وما شعروا، ماتوا وما قبروا.
رمضان هذا العام، إنما هو قضية اجتماعية أيضا. إذ كيف صامت العائلات، في ظل هذا الانهيار غير المسبوق للوضع الاقتصادي، وللوضع المالي في ظل هذا الانهيار للعملة الوطنية، التي لم تعد تفي بشراء ربطة خبز للعائلة.
بل ماذا حدث للناس في هذا الشهر، وهم يطوون الجوع على الجوع، والصوم على الصوم؟!
لا بد أننا أمام كارثة وطنية، لا كارثة مجتمعية، أو دينية وحسب، ذلك أن الوطن الذي يحتضننا، يجعلنا جميعا في مركب واحد، بل في مأزق واحد، وهو يشعر في رمضان أننا نعيش معا في كارثة واحدة، فوحدة الجوع تضربنا معا، في هذه الطائفة، أو في غيرها من الطوائف الأخرى.
ولهذا لا بد لنا من التوحّد، لتسديد ضربة قوية لمن يستحقها من المسؤولين، الذين لم يرحموا الناس حتى في شهر الصوم، ولم يأبهوا للجوع يضرب الناس جميعا، ولم يسارعوا لترميم الدولة وتأجيل الانهيار، الذي بات حتميا، ولو بعد رمضان. 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية