بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الأول 2021 12:00ص في ظل انتشار مُلفت لظاهرة الإلحاد العلماء يؤكّدون: عجز المؤسسات الدينية وضياع أدوارها من أبرز الأسباب

حجم الخط
منذ سنوات والدعوات تعلو من هنا وهناك لتحذّر المجتمع والمسؤولين عنه من خطورة الإلحاد الذي بدأ ينتشر في بلادنا ويجاهر به علانية في وسائل الإعلام دون حسيب أو رقيب، ولكن وبكل أسف لم يتحرك أحد ولم يسعَ أحد لمواجهة هذا الخبث، الأمر الذي أدّى إلى شيوع الأفكار الإلحادية بين الشباب دون أن يكون من حولهم صوت توعوي إرشادي يواجه الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة.

واليوم في خضم التراجع الشامل الذي يصيب البلاد وسكوت عدد كبير من المتحدثين ازداد الطين بلّة، فساءت نظرة الناس للدعاة والعلماء والمتحدثين بالدين حتى أصبحوا بسوء أساليبهم وفظاظة أقوالهم سببا لتنفير الناس بدلا من أن يكونوا سببا لترغيبهم..

فلماذا بدأ الإلحاد ينتشر في بلادنا؟...

ولماذا يسرح ويمرح ولا يجد من يواجهه..؟!

ومن المسؤول عن هذه الحالة.. وأيضا عن توعية هؤلاء الشباب..؟!

النقري

الشيخ د. محمد النقري



بداية قال الشيخ د. محمد النقري: من تنبؤات وزير الثقافة الديغولي André Malraux التي أثارت كثيراً من ردّات الفعل بين نافٍ ومعارض ومؤيّد هي قوله في إحدى المقابلات التلفزيونية: «القرن الواحد والعشرين إما أن يكون دينياً أو لا يكون»، بينما ذهب آخرون بأن هذا الفيلسوف الفرنسي لم يستخدم كلمة «ديني» وإنما قال «روحي». وأياً يكن استخدامه لإحدى هاتين الكلمتين، فهما تلتقيان وتتفارقان من حيث أن كل ديني هو روحي، وليس كل روحي هو ديني، وفي تصنيف هذه القرون الثلاثة السابقة والحاضرة يذهب الكثير من علماء الاجتماع الى القول بأن القرن التاسع عشر كان قرن البناء والتشييد والتصنيع، والقرن العشرين كان قرن الإيديولوجيات والقرن الواحد والعشرين هو قرن العولمة. وماذا إذا كان القرن الحالي هو قرن عولمة الإيديولوجيات؟ المتتبع للأمور يرى هذا التداخل بين هذه العصور الثلاثة فبينما دخل العالم وخاصة العالم الغربي ابتداء من القرن التاسع عشر في عصر اختراع الآلات وانتشار الصناعات الكبرى ابتعد عن عالم الروحانيات كما يؤكده الباحث Daniel Harran في اطروحته عن الظواهر الطائرة غير المحددة حيث يقول: «أن عصر النهضة جعل الإنسان يعطي كل اهتمامه إلى النواحي العلمية، ويتخلّى تماما عن الجوانب الروحية وعن الموروثات الدينية، وهو بذلك أضحى إنسانا ماديا صرفاً؛ حيث مكّنته العلوم التي توصل إلى تطويرها وإبداعها إلى الظن بأنه يحيط بكل المكونات الموجودة على الأرض وفي الفضاء - لدرجة أنه أصبح يعتقد بأنه هو المهيمن على هذا العالم».

وأضاف: وجاء القرن العشرين ليدخل العالم في صراع الإيديولوجيات فتنهار امبراطوريات وتنشأ على أنقاضها امبراطوريات أخرى، فمن انتهاء الخلافة العثمانية وإلغاء مشيخة الإسلام، وانتقال نظم الحكم فيها من خلافة إسلامية الى جمهورية علمانية، وانتصار الشيوعية الإلحادية على القيصرية وتمددها في اجزاء كبيرة من العالم، وإنشاء دولة يهودية مغتصبة في فلسطين. وفي الربع الأخير من القرن العشرين استمرت هذه الصراعات الايديولوجية، فكانت نهاية هذا القرن حافلة بتبدلات أيديولوجية في غاية الأهمية من انهيار الشيوعية وانتصار نظام الملالي في إيران وتصاعد حركة الأخوان المسلمين والقاعدة وطالبان وحروب البلقان ومجازر البوسنة ضد المسلمين، واندلاع الأزمات والحروب في الشرق الأوسط وفي الهند بين المسلمين والهندوس، وكأن نهاية القرن العشرين كانت تكرّس الصراعات الدينية كعنوان لنهاية القرن العشرين.

وتابع قائلا: وما إن أطلّ القرن الواحد والعشرين حتى تبدّى لكثير من الشباب بأن أزمات القرن الماضي هي من نتاج صراع الايديولوجيات الدينية، فمن أحداث أيلول 2001 واتهام القاعدة في تدمير برجي نيويورك التجاريين، الى ظهور داعش والمجازر البوذية بحق المسلمين في البورما ووضع المسلمين في الصين داخل مخيمات لمسح أدمغتهم وإجبارهم على ترك الإسلام بحجة «إعادة تأهيلهم»، إلى حروب إيران وسعيها لتحقيق الهلال الشيعي، الى التهجير المسيحي من العراق ولبنان.. الخ، أضف الى ذلك دخول هذا القرن بملء قدميه في عصر العولمة والإنترنت، مما سمح لشريحة كبيرة من الشباب بالإطّلاع على كثير من الثقافات العالمية والأديان والمعتقدات الدينية والإلحادية والإباحة الجنسية، إضافة الى أنه تبدّى للبعض بأن النظريات العلمية جعلت من الأديان عائقاً نحو التقدم العلمي والحضاري، إضافة الى كونها سبباً للصراعات الدولية والفتن الداخلية.

في مواجهة هذا كله، عجزت المؤسسات الدينية عن تبديد هذه الصورة من عقول شريحة كبيرة من المثقفين والشباب، بل ودعت الحركات المتشددة عقائديا ومنهجياً الى نبذ كل ما هو جديد وتجديد للفكر الديني وظهرت بعض الفتاوى جعلت من الدين مادة للسخرية والتهكم، دون أن نستثني عدم مواكبة كثير من رجال الدين للعلوم الحديثة، بحيث لم يدخلوا في ثقافتهم الدينية الذاتية واستعداداتهم الشخصية فن إدارة النقاشات والحوارات وتقبّل النقد والرد عليه وتفنيده بمنهجية علمية. هذا إذا أغفلنا فساد طبقة من رجال الدين الذين جعلوا من زيّهم مادة للتجارة وتحقيق الأرباح واستغلال المؤمنين البسطاء حتى في ممارساتهم التعبدية والإيمانية.

واختتم: هذه الأخطاء والتحديات لا يمكن استخدامها، من قبل الشباب المتفلت من قيود الدين، حججاً ومبررات لهم للتخلّي عنه ونبذه، بل ينبغي أن تكون حافزاً لهم لإعادة تقييمها وغربلتها بمنهجية علمية إيمانية حيادية، العلم لا يتنافى مطلقاً مع الإيمان، بل إن التفلت والبحث عن كل ما هو مشوّق وسهل ومريح، والخروج عن كل ما هو مألوف وصبغه بالرجعية والتخلّف، ينافي الثقافة العلمية الواعية والواعدة. ويبقى السؤال لدى الحيارى والمترددين عن وجود الله تعالى، بعد قرون من الشك ومحاولة تفسير نشأة الكون بعيداً عن الإيمان بوجود خالق، لاحت في أفق القرن الواحد والعشرين آراء لكبار العلماء بأن النظريات العلمية تنتهي إلى معضلة تتوقف عندها ولا تجد لها تفسيراً إلا بالإيمان بوجود خالق مبدع ومدبّر، وقد يكون من المفيد في هذا المجال الدعوة الى قراءة شهادة كبار العلماء والحائزين على جائزة نوبل في الكتاب الذي صدر في الشهر الماضي تشرين الثاني 2021 في باريس بعنوان: «الله، العلم والإثباتات الدالة على وجوده، Dieu, la Science et les preuves»، حيث أجمع مؤلفوه عن أن العلم توصل أخيراً إلى إثبات وجود الله.

عبدالله


الشيخ حسين عبدالله



من جهته قال الشيخ حسين عبد الله، عضو المكتب الشرعي في مؤسسة العلّامة محمد حسين فضل الله، أن السبب الرئيسي لانتشار الإلحاد في المجتمعات هو الإبتعاد عن الله وعن الاتصال الروحي به سبحانه وتعالى، مما قد يجعل الإنسان عرضة بشكل أكبر لأن تتقاذفه الشكوك والشبهات فينجرف معها، كما أن توفر المغريات بسهولة بين الناس وخاصة الشباب ساعد على طرح الشبهات والتسويق لها من دون ثقافة ووعى لرد هذه الشبهات.

وأضاف: يقول الله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهنا تبرز وظيفة العلماء في متابعة وملاحقة هذه الأمور وشرحها بدقّة من خلال وسائل التواصل الاجتماعية العصرية المتوفرة للكل، ولا يستغنى عن الكتابات والمؤلفات التي تناقش هذه القضية وعرض الآراء المضادة لهذه الشبهات بأسلوب مقنع وتدحضها بالحجج والبراهين وتقوّي إيمان الجيل والشباب من خلال ترسيخ العقائد والأفكار الدينية التى هي حق لا ريب فيه لأنه دين رب العالمين وهذا لا شك فيه بأنه هو الحق من الإيمان بوجود الله ووحدانيته والإيمان بالرسول والرسالات السماوية.

وطالب الشباب بالحذر من هذه الشبهات من خلال امتلاكهم للثقافة والأجوبة القوية المقنعة لحماية دينهم ومعتقداتهم لدحض الافتراءات والادّعاءات الكاذبة، وأن لا يكون الشباب من البساطة والسذاجة من التساؤل عن أي أفكار تراودهم بل عليهم أن يسالوا أهل الفكر وأهل العلم إذ جاء في قوله تعالى: {واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

واختتم قائلا: إن هذا الأمر لا يمكن تجاهله والاغفال عنه لأنه يرتبط بمصير الإنسان فلا يجب أن يكون الإنسان ضحية بعض الإغراءات أو المغريات التي تخسره حياته في الدنيا والآخرة.

 تحقيق: منى توتنجي