بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 نيسان 2022 12:01ص في وداع خير الشهور الدعاة يؤكّدون: هنيئاً للتاليين الذاكرين والراكعين الساجدين والدامعين الخاشعين

حجم الخط
ها نحن نودّع شهر رمضان المبارك الذي استقبلناه بالأمس بشوق ولهفة، وها هو عدَّ عدَّته للرحيل..
نعم.. لقد حلَّ علينا ضيفاً كريماً وبعد أيام قليلة يغادرنا كما جاءنا.. وهذه سنّة الله في الكون.. شهر يجيء، وشهر يذهب..
ولكن هل وقفنا وقفة حق مع أنفسنا ونحن نودّع رمضان؟..
هل سألنا: ماذا قدّمنا لرمضان؟ ماذا فعلنا في رمضان؟..
هل فكّر أحدنا وسأل نفسه: هل تحققت فينا الحكمة من الصيام بقوله تعالى {لعلكم تتقون}؟..
وهل نحن فعلا ممن زادت طاعاتهم في رمضان، أم أنه مرَّ علينا ونحن لاعبون لاهون؟!..
والسؤال الأبرز.. كيف سنودّع هذا الشهر الكريم وما التغيير الإيجابي الذي حصل في حياتنا...؟!
أسئلة كثيرة طرحناها على الدعاة، وكان هذا التحقيق:

حجازي
بداية قال الشيخ د. وفيق حجازي: في وداع شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والنفحات والبركات والفضائل والمنح والمكرمات من رب البريّات، شهر القرآن والمواساة، وزيادة رزق المؤمن فيه، والذي هو موسم للتجارة الرابحة مع الله تعالى في تكفير السيئات ورفع الدرجات، والعتق من النيران، والدخول للجنان من باب الريّان، والسقيا من يد المصطفى العدنان، شهرٌ جعله الله تعالى مصباح العام، وواسطة النظام وأشرف قواعد الإسلام، المشرف بنور الصلاة والصيام والقيام، إنه مدرسة الأجيال، ومعسكر تدريبي، وجامعة مفتوحة، ودورة تأهيلية، فلا قيمة لطاعة وعبادة تؤدّى دون أن يظهر أثرها علينا؛ من تقوى وخشية واستقامة ومداومة على الأعمال الصالحة، لأن من استفاد من رمضان واغترف من نهره الجاري، وقطف ثماره وتجوّل في بستانه، يقيناً يكون حاله بعد رمضان خير له من قبله.
وإن عظمة الصيام أنه سر بين العبد وربه ولا يقبل من العمل إلّا ما كان خالصا لوجه الله تعالى فلا يقبل في الطاعة ما يشوبها من رياء ولا سمعة وإلّا لم يقبل؛ لأن مقصد الصيام هو تحقيق التقوى للّه تعالى، بحيث يرقب الله في كل فعاله ويدعو الله أن يتقبّل منه رمضان وإن وداع رمضان في حقيقته رسالة للعاقل ان الدنيا سريعة الأفول وأن الطاعة فرصة لا يمكن أن تفارق المسلم لأنه مطالب بعبادة الله حتى يأتيه الموت، فرمضان ليس له موسما بل هو مدرسة متكاملة يتخرّج الصائم بعد رمضان في ميدان الحياة متخلّقا بجميل أخلاق الصيام والقرآن ويكون بذلك ربّانيا يتشوّف دوما رمضان كي يزداد من معالمه ومعينه ما يكون له زادا لا ينضب ومعينا لا يذهب ومفازة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فعمل المؤمن ديمة متتابع، فيا ليت شعري، من هذا المقبول فنُهنّيه، ومن هذا المحروم فنُعزّيه.
إن رمضان يلملم ساعاته ودقائقه الأخيرة، ويتجهّز لمغادرتنا، فكما كانت حفاوة الاستقبال وجب أن يكون الوداع محمّلا بالعطايا الإلهية والقربات الربانية، حتى تغمرنا سعادة القبول ونشوة العتق من النيران، فهنيئا لمن صلّى وصام وأطال القيام، وتبتّل إلى الله في المحاريب، ولمن هان عليه ماله فتصدّق بصدقة فأخفاها، ولمن حبس نفسه على الطاعة وأشغلها بذكر الله، ولمن تجرّد للّه وتخفف من دنياه وتعلّق بما عند الله وما بقي في قلبه غيره، وهنيئا للتاليين الذاكرين، الراكعين الساجدين، الدامعين الخاشعين، هنيئا لمن وافقته ليلة القدر فكان الفوز معظّما.
رب رمضان هو رب سائر الشهور، من هنا لا بد لنا من وقفات مع وداع رمضان باعتبار أن الطاعة لا بد من إتباعها بطاعة، ورمضان له رب هو رب سائر الشهور. ورمضان بداية إنطلاقة لباقي الشهور، والطاعة عنده ولود، وكلما وفّق لطاعة اتبعها بطاعة، لكن الجاهل الظالم لنفسه الذي قصّر في رمضان أو انتكس بعد رمضان، تقصيرا في جنب الله واقترافا للذنوب والآثام وهجرا للقرآن فمثله كمثل المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا فلا يصلح الاغترار بما حصل من الطاعات، فقد يكون البعض ممن صاموا وحفظوا جوارهم وختموا القرآن وصلّوا التراويح والتهجد وقدّموا الصدقات لكنه أصيب بالغرور والعجب وأحبط عمله وأذهب ثمراته، فمن استغفر بلسانه وقلبه عن المعصية زالت، ومن كان عزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد رمضان ويعود فهذا صدقه غير موجود، وباب القبول عنه مسدود، وصومه عليه مردود، يصوم ويقوم، فإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله بحيث يوفّقه لعمل قبل الموت ثم يقبضه عليه والله تعالى يقول {فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ}، فالانتكاس داءٌ خطير، ومرضٌ عُضال، والكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، وقد قال عنهم يحيى بن معاذ رحمه الله: عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثُمَّ نطمعُ فِي الكواعب الأتراب، هيهات أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك، لكن الصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله ويُلقي نفسه بالباب طريحاً ذليلاً مسكيناً مستكيناً وإن أعلاهم هِمّة وأرفعهم قدراً من لذته في معرفة الله ومحبته، والشوق إلى لقائه والتودُّد إليه بما يحبه ويرضاه، فلذته في إقباله عليه وعكوف همّته عليه، ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغال، ولما كان ختم رمضان فيه عيد وهو يوم فرح وسرور، لكن كل يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد. ورأى وهيب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبَّل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبَّل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. فإظهار الفرحة بالعيد واجبة وتمامها بإتقان العمل للّه، ثباتا على الطاعة بعد رمضان. وكل عام وأنتم بخير.
البدوي
اما إمام وخطيب مسجد المجذوب الشيخ أحمد البدوى فقال: الحكمة تقول الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك، وها نحن قد شارفنا على وداع شهر الخير والطاعة والعبادة وصلة الرحم والمودّة والمحبة والبركات والصدقات والتراويح، ونحن رافعين راية الخنوع والخضوع والتذلل أمام العظمة الإلهية معاهدينه سبحانه وتعالى على الاستمرار في الطاعة والعبادة من ذكر وصلاة وتسبيح لا أن نعود لعهد سبق من هجر للطاعة وترك الصلاة وإرتكاب المحرّمات الى غيرها الكثير من شهوات الدنيا ومغرياتها، لذا علينا أن نسعى جاهدين للحفاظ على حالة الوصل التي كرّسناها في شهر رمضان، فإلى كل طائع وإلى كل عابد وإلى كل متصدّق أقول اختارك الله لعبادته وقرّبك إليه وأدخلك إلى بيته فكنت ضيفه، طلبت منه فأعطاك، طلبت مغفرته فغفر لك، طلبت وصله فوصلك، كل ذلك يدلّ على حب الله تعالى، ولكن بالمقابل أنت بماذا بادلت أو ستبادله؟ هل ستحافظ على هذه الحالة الإيمانية الربانية التى وضعك فيها الله تعالى إشارة منه إلى محبته لك وقُربه منك أو انك ستعود إلى سابق عهدك وتعيش في المعاصي وتسبح في مستنقعاتها؟
وأضاف: هذا رمضان نودّعه والقلب يتفطّر شوقا له قبل ذهابه، فان شعرت بهذا الشعور كنت ممن نلت شرف حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وان مرَّ عليك رمضان كشهر من الشهور ومرَّت عليك أيامه ولياليه من غير اغتنامها فتأكّد انك الخاسر خسارة كبرى لتضييعك لما هو صالح في الدنيا والآخرة، فقد ورد في الحديث الشريف: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه»، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كلّه». ومن يتمعن بالحديثين الشريفين سيتيقن عين اليقين ان العلاقة بين الشهرين المباركين علاقة تواصل وخير واستمرار لعمل الخير والطاعة.
واختتم قائلا: فلنعاهد أنفسنا أمام الله تعالى أن نكون على قدر الحالة الإيمانية التي أرادها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن لا نسلّم أنفسنا للدنيا وشهواتها ومغرياتها، وإيّاكم أن تخسروا هذا الخير وتضيّعوه. وآخر دعوانا الحمد للّه رب العالمين.