بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيلول 2019 12:20ص قوزي: القِيَم الجمالية أساس في العقيدة والسلوك والتربية عند المسلمين

في ظل شيوع ثقافة التشوُّه في المجتمع..

حجم الخط
تنجذب طبيعة الإنسان بفطرته إلى كل ما هو جميل، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله جميل يحب الجمال)، وقد شاءت قدرة الله تعالى أن يجعل من الجمال - في شتّى صوره - محطة رضى وسعادة لدى الإنسان، وربما تختلف مقاييسه من فرد لفرد، ومن عصر لعصر، ولكنه اختلاف محدود قد يمسُّ جانباً من الجوانب، أو عنصراً من العناصر التي تشكّل مفهوم القيمة الجمالية. ومع تطوّر الحياة واختلاف المفاهيم ودخول عناصر فكرية شاذة كثيرة على الحياة بدأت عناصر فاسدة مختلفة تشوّه مفهوم الجمال في التعاليم الإسلامية، وصوّرت الإسلام وكأنه دين خالٍ من الجمال، ولذا بدأت عملية التنفير وبدأ الناس يفرّون من كل ما له صبغة دينية بحجّة أنه فاقد لقِيَم الجمال..؟! ولكن يبقى السؤال... لماذا غابت هذه القيم عن نفوس الكثير من أبناء الإسلام مع إن الإسلام دين الجمال في كل أبعاده و تصوّراته..؟! ولماذا أيضا غابت التربية على القيَم الجمالية عن أسرنا وعن مدارسنا وفي كل أمور حياتنا وحلَّ مكانها القبح والتفلّت والتجاوزات الأخلاقية والسلوكية..؟! «اللــــــواء الإسلامي» توجّهت إلى الشيخ الدكتور مازن قوزي رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، وكان هذا اللقاء...

القِيَم الجمالية في الإسلام

{ هل لك أن تحدّثنا عن القيم الجمالية في الإسلام من خلال آيات القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة؟

- إن للإسلام نظرة جمالية عامة، ينبغي تفهّمها والبحث عنها، وذلك في معاني القرآن بما تضمّنه من وافر الأخلاق ومحاسن القيم، وهذه الظاهرة الجمالية هي التي يلمح المسلم ملامحها في التشريع الإسلامي وما جاء به من خير للبشرية، حيث صبغت هذه الظاهرة الجمالية المنهج الإسلامي بصبغتها، فكانت في مادته وشكله.

والتصوّر الإسلامي للجمال يقرنه بالالتزام الأخلاقي ليكتسب حقيقته ومعناه، وبالتالي يكون باعثا على الفضيلة، والتفاعل الإنساني الراقي مع كل عناصر الكون، بدءاً من تأمّل ذاته ووصولا إلى كل ما يجسّد علاقته بخالقه. ففي الحديث النبوي «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس». وحيث تبدو تخوم الجمال محددة بإطار أخلاقي يجعل من الحس الجمالي مدخلا للسمو بالنفس الإنسانية وتطهيرها من نوازع الشر. فليس الجمال إلا جمال العقيدة والنفس والأخلاق، التي تفضي الى جمال الروح. 

{ وما هي أنواع الجمال التي حثّنا عليها الإسلام؟

- كما قلت لك سابقا كل ما آتانا الله عزّ وجلّ به هو بحدّ ذاته جمال، انظري الى قول الله تعالى: {اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، فالفرق بين الكمال الذي هو الجمال وبين الاتمام اي انه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: قد أكمل لهم الإيمان فلا يَحتاجون إلى زيادةٍ أبداً، وقد أتمَّه الله فلا ينقصه أبداً، وقد رضِيَه فلا يَسخطه أبداً، وعندما نغوص في بحر القرآن الكريم والسنّة النبوية نعلم للجمال أنواع إن لم أقل تراتبية، نعدُّ منها:

الجمال العقائدي: ويتمثل بصفاء السريرة واليقين والاعتقاد بان الله تعالى واحد في تصرفاته وأفعاله، فيتضح ويتبلور قول الله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله.

الجمال التربوي: مع نفسه: فيربّها على جمال تربيتها لتكون على طريق استقامتها وعدلها على طريق الحق فيكون إنعكاس جمالها وكمالها مع ربها.

وتربية الأولاد جمال من حيث كمال وصوله بهم إلى الجنة وغرس أشجار المبادئ فيهم للوصول معهم إلى مرضاة الله الذي عدَّها النبي من الصدقة الجارية حيث قال: وولد صالح يدعو له.

الجمال الأخلاقي: وهو جمال دعوي في مجتمعنا نحتاجه في كل وقت وحين نراه فقط في قراءتنا للقصص وأخبار التابعين وهو مهم يظهر في وقت الصعوبات وبين الفعل وردّة الفعل، ومتقنه ومتبعه يجد الناس فيه جمالا يفوق جمال الخِلقة، ويتضح هنا معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم كما حسّنت خَلقي حسّن خُلقي.ويقول صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى هذا النوع من الجمال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

التربية الجمالية

{ كيف ننمّي تربية القيم الجمالية وهذا الشعور في نفوس أبنائنا، وما هو دور الأسرة، والمربّين ووسائل الإعلام في ذلك؟

على عاتقنا حمل كبير في هذا المضمار ولكن كما يقال: اليد الواحدة لا تصفق، ولكن أقول وبالله التوفيق أن على عاتق كل شخص فينا أن يربّي نفسه أولا على الجمال الذي باتفاقنا هو الكمال، وإلا فالإنطلاقة إن كانت خربة أو معوجة فإن الأسرة والمجتمع سوف ينحرفون، فلنبدأ بأنفسنا بإصلاح الخلل نحو الجمال. ثم إن الأسرة هي الفضاء الأول الذي يعيش فيه الطفل أولى مراحل تذوّقه وإحساسه بالجمال. فكلما حرصت الأم على تعهده والعناية بنظافته وملبسه، وراعت التناسق والترتيب والنظام داخل البيت إلا وأسهمت بشكل كبير في تكوين معايير إيجابية للتذوّق لدى طفلها، وأغنت خبرته الجمالية، أما من ناحية السلوك فإن تعويد الطفل على التحلّي بالآداب الإسلامية، وتهيئة المواقف السليمة التي تقترن فيها الجمالية بالخيرية يُجنّبه مغبة الانسياق خلف صور الجمال الزائف، ويستحث قدراته وإمكاناته لتمثّل القيم الجمالية في سلوكه اليومي. وبانتقال الطفل إلى فضاء المدرسة، والمجتمع الخارجي تصبح هذه الأخيرة مسؤولة بشكل مباشر عن تدريب حواسه على رؤية الجمال، وتوفير مناخ تربوي كفيل بتحرير مواهب الطفل، وتفجير طاقاته.

وهنا تجدر الإشارة إلى القصور الذي يعتري تصوّر المناهج التربوية الحديثة للجمال، بينما يقوم التصوّر الإسلامي على  بعثه في كل المجالات التي يمتد إليها النشاط الإنساني، ومراعاة التوازن بين الجمال الحسي والمعنوي، ولتدارك هذا القصور ينبغي إعادة النظر في المنهجية المتبعة لتقديم المعرفة الدينية عبر مختلف الأسلاك التعليمية، وتعزيز الشعور الديني للأطفال باعتماد طرق فاعلة تتجاوز الحفظ والتلقين الآلي.

كما أشدّ على أيدي أولئك الدعاة الذين يقيمون سلسلة تلفزيونية للتوعية الشبابية، التي أقدّر تأثيرها في مجتمعنا ولكنها قليلة إلا أن تجليّات مثل تلك البرامج أسهمت بشكل كبير في توجيه النشاط الإعلامي لإعطاء صورة متوازنة نسبيا، وخلق مناخ ملائم لترسيخ القيم الدينية. ولا بد من المتابعة والتوازن الإعلامي في وجه هذه السطوة.

إن التربية الجمالية لا تقف عند حدود التذوّق الفني للطبيعة والأشياء، بل هي مدخل ضروري لاستجلاء الحقيقة الإسلامية. وكلما تخلصت النفس البشرية من سطوة المادة إلا وانفتحت أمامها آفاق الجمال الكوني، فتمتزج قبضة الطين ونفخة الروح بأرقى صور العبودية.