بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الثاني 2020 12:01ص مع تزايد حملات الهجوم والتحريض إلكترونياً وإعلامياً: هل بات حجاب المرأة في بلادنا العربية تهمة..؟!

حجم الخط
منذ فترة وأنا أراقب تلك الحملات الإلكترونية التي ظهرت فجأة على حجاب المرأة المسلمة في بعض البلاد العربية لتبحث حتى في النوايا فتجزم بطريقة غريبة على أن النساء «أجبرن» على الحجاب..؟! وهذا ظلم ونقص من حقوقهن ومنع للحرية الشخصية.. وما شابه من تلك التهمة «الاستهلاكية»..؟!

وهنا أريد أن أسأل وبكل صراحة، لماذا أصبح الحجاب في نظر هؤلاء رمزا للإرهاب أو للتخلّف أو لحجز الحريات..؟!

وما الذي جعل هذا الأمر يستقرّ في فكر كثير من الناس..؟!

والأهم... لماذا أصبح هذا الفرض الإسلامي حتى عند بعض المسلمين دليلا على التأخّر والجهل والسلبية..؟!

بداية لا بد من القول أن هذا المفهوم السيئ الذي ساد في عقول الكثيرين من أن كل محجبة هي أمرأة متطرفة أو تحمل في عقلها أفكار متشددة هو أمر غير صحيح، فالحجاب فرض مثله مثل الصلاة أو الصيام أو الحج أو غيره.. وكما أنه لا يمكن أن نقول أن كل مصلّ متطرف أو متشدد... كذلك أمر المحجبات.

ثلاث مشاكل

المشكة الأولى... هي انحراف فكر بعض هؤلاء الناس الذين خلطوا بين العادات الاجتماعية وبين الأوامر الدينية، فاختلط عليهم الحكم وصدر عنهم كلاما أو أحكاما غير صحيحة، فالحجر على المرأة ومنع التعليم عنها وحبسها في المنزل أو ما شابه من العادات السيئة والفاسدة وليست أبدا من الدين ولا هي من الإسلام بشيء، وإنما هي تصرفات يقوم بها البعض تحقيقا لعادات تعوّدوا عليها أو التزاما بتقاليد توارثوها..

الأمر الثاني.. وهو خطأ تعميم تصرّف بعض المسلمين على الإسلام، وجعله أصلا أو صفة إسلامية، فقيام بعض المسلمين مهما كثر عددهم بالإساءة للمرأة لا يعني أن الإسلام يسمح بذلك، بل على العكس تماما، فالإسلام أمر الرجل باحترام المرأة وتقدير دورها داخل المنزل أو خارجه..

النبي عليه الصلاة والسلام خاطب الرجال إلى يوم القيامة فقال لهم (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، وكل من يفعل عكس هذه الوصية هو من اللئام بوصف النبي #.. فالإسلام أمر بتكريم المرأة واحترامها، أمّا وزوجة وأختا وابنة... وكل من يخالف هذا الرقيّ هو المخطئ وليس الإسلام، ولا بد للعالم كله أن يفرّق بين الأمرين.

أما الأمر الثالث فهو استغلال بعض الخبثاء لكل خطأ يرتكب هنا أو هناك ثم إلصاقه بالإسلام وجعله شبهة يرددونها في كل المحافل والوسائل الإعلامية والإلكترونية، وهذا أمر لا نعتقد أنه خافي على أحد، فمرة يقولون أنه دين يظلم المرأة ويبيح ضربها ويمنع حقها ويمنع إرثها، ومرة أخرى انه دين يعاملها كعورة الواجب سترها ومنعها من الاندماج في المجتمع، ومرة ثالثة هو دين يطالب بجهل المرأة وتحويلها إلى خادمة كل عملها خدمة الرجل وتلبية رغباته...

ولكن الأمر في حقيقته أن هؤلاء لا يتكلمون إلا بما يشعرون به ولا يعبّرون إلا عن نقص نفسي وإنحراف عقلي استوطن بداخلهم، لأن الإسلام بتعاليمه وتاريخه لا يؤكد إلا عكس أقوالهم..

خطوات مطلوبة

وفي الغرب كما في بلادنا... لا يكاد يمرُّ يوم إلا وتطالعنا الصحف أو وسائل الإعلام المرئية برأي يهاجم الحجاب ويصفه بصفات هي أبعد ما تكون عن حقيقته، ولكن لأن المزاج العام محليا وعالميا يتقبّل هذا الأمر، بات كل رأي يطلق وكأنه سند شرعي أو علمي يُعتمد عليه، فيأخذ كل مريض الكلام ويبني عليه من الأحكام الفاسدة ما يوافق هواه أو يناسب مصحلته.

حتى بات الحجاب عند بعض أبناء جلدتنا... دليل تأخّر ورجعية..

وعند بعص الغربيين.. حكم بالسجن المؤبد للمرأة..

وعند غيرهم... شاهد على انتهاك حق المرأة المستمر...

وبين كل هؤلاء لا نسمع صوتا عادلا ولا نرى عملا راقيا يثبت للعالم كله أن الحجاب فرض إسلامي إنساني وحضاري، بل ما يحصل هو العكس، حتى في بلادنا العربية والإسلامية، نزيد بجهلنا من تأكيد هذه النظرة في نفوس الناس.

لا نقصد بكلامنا هذا أن تصدر التصريحات والبيانات التي أصبح وزنها بالأطنان في بلادنا ولا قيمة لها، وإنما نقصد الأعمال والأفعال والخطط العلمية والاجتماعية التي تؤكد حقيقة هذا الأمر للقريب قبل الغريب..

فالمطلوب خطة وطنية إسلامية تعيد لكل فتاة محجبة كرامتها.. وقيمتها.. وتعطيها حقها في اختيار العمل المناسب لها لإثبات الإبداع والقدرات الكامنة بداخلها في مختلف المجالات المتاحة.. 

والمطلوب.. أن نعمل كلنا بجد واجتهاد لنصوّب المناخ الفكري الخاطئ والسائد تجاه كل فتاة محجبة..

والمطلوب أيضا.. أن نعامل كل فتاة محجبة بما تحمل من علم ومواهب وإمكانيات وليس بما ترتدي من ملابس.

والأعجب من كل هذا وما لم أتمكن من فهمه إلى اليوم... أن جميع هؤلاء المتشدقين بالدفاع عن حرية المرأة، والرافعين للواء تحريرها من ظلم الإسلام لها (؟!)، والمشاركين في مختلف النشاطات تحت عنوان نصرة المرأة... لم نسمع منهم يوما كلمة واحدة ترفض العري المتفلّت الذي حوّل المرأة إلى سلعة يتاجر بها كل من هبّ ودبّ.. ولم نرَ حضراتهم يشاركون في مؤتمر ليقولوا للمجتمع كله... كفاكم متاجرة بجسد المرأة ومعاملتها كبضاعة تغررون بها على السفهاء من قومكم لترويج منتجاتكم..؟!

بل أصبح العري تمدّنا وحضارة..!

وأصبح التفلّت حرية شخصية..!

وأصبحت حتى الجرائم الأخلاقية نوعا من أنواع التقدّم المطلوب..!

كلمة قاسية.. ولكن واقعية

ربما.. يعتقد البعض أن الحجاب قد أصبح في عصرنا عائقا أمام تقدّم المرأة أو تطوّرها أو تحقيق أحلامها المشروعة في المجتمع.. وربما يشطح البعض الآخر بعقله الأعوج بأن هذا العائق لا بد من أن نتخلص منه لنقدّم للمرأة ما يساعدها على العيش بكرامة وحرية...

ولكن .. اسمحوا لي وبكل صراحة أن أسأل..

هل جاءت إليكم المحجبات تشتكي...؟!

هل قصد بابكم الكريم (؟!) أفواج المحجبات يطلبن النصر منكم..؟!

أم هي نفوسكم المريضة التي تتحرك على شكل كلمات لتقول للناس اخلعوا الحجاب وسيروا عرايا في الشوارع ..؟!

منذ متى كان الستر عارا أو عيبا نسعى للتخلص منه...؟!

ومنذ متى.. صار الحفاظ على عفة المجتمع نقضا نخجل منه...؟!

لا أقصد بكلامي أن كل محجبة هي (السيدة مريم) ولا أن غير المحجبة هي سيئة الخلق، حاشا للّه أن نكون كغيرنا من الحاكمين على نوايا الناس، ولكن كل ما نريد أن نقوله، أن الواجب علينا كمجتمع لبناني - بمسلميه ومسيحييه - هو أن نسعى دوما لنشر الأخلاق والطهارة.

إن الستر والعفة والأخلاق والفضائل الكريمة التي أمرنا بها الإسلام ما تحققت في مجتمع إلا نما وتقدّم وكان في مقدمة الأمم علما وعملا وقوة وحضارة...

أما لماذا أصبح المجتمع هكذا.. يحارب الحجاب كما يحارب كل خلق رفيع..؟!

فالإجابة هي أن الأراذل - من بني جلدتنا ومن غيرهم - قد سادوا حتى ارتفعت مستويات «الوقاحة» عندهم فأصبحوا يحاربون الطهارة دون أي خجل... ليقولوا كأسلافهم الذين سطّر القرآن قولهم {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} ... (أما التهمة ويا للعجب)... {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.





bahaasalam@yahoo.com