بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 كانون الثاني 2018 12:05ص من تاريخ القضاء الشرعي قي بيروت (3)

الشيخ محمد بن حسن المفتي الطرابلسي الأشرفي يجمع بين الإفتاء والقضاء

حجم الخط
قبل جعل بيروت مولوية دورية يعين النائب عليها من خريجي معهد القضاة في الأستانـة، كان قاضي بيروت غالباً ما يجمع بين وظيفتي الإفتاء والقضاء.
فقد جمع الشيخ أحمد البربير بين هاتين الوظيفتين. وكذلك الشيخ أحمد   الأغر الذي تولى قضاء بيروت سنة 1810م،  ثم تولى سنة 1240هـ مهمة الإفتاء الى جانب القضاء.
اما الشيخ محمد حسن المفتي الطرابلسي الأشرفي فقد تولى قضاء بيروت للمرة الاولى سنة 1259هـ/1843 م وكان في الوقت نفسه مفتياً  لبيروت واستمر في وظيفة الإفتاء حتى وفاته سنة 1879م.  وفي محرم 1267 هـ/1850م أعفي من القضاء  بعد تعيين خليل بيرامي نائباً. الا ان مدة قيام خليل بيرامي في مهمته لم تدم طويلاً. فكلف للمرة الثانية   في الثامن من شهر شوال سنة 1267هـ/1851م  مفتتحاً  سجله بعبارة «الحمد لله الذي شرع كتب الصكوك والسجلات تحرزاً  عن ضياع حقوق المسلمين والمسلمات  والصلاة والسلام على نبيه محمد افضل الأنبياء وعلى آله وأصحابه واضح الحجج والبينات وبعد فهذه اتخذت جريدة لكتب الصكوك الشرعيات  في زمن الفقير  اليه  عزّ شانه مفتي زاده السيد محمد الطرابلسي النايب  في مدينة بيروت لثامن يوم خلت من شهر شوال سنة سبع وستين بعد المايتين والألف من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة وأتم السلام آمين». 
واستمر بهذه المهمة حتى سنة 1268هـ /1851م عند تعيين حسين كاظم. وفي شهر أيار سنة 1872م سافر نائب بيروت كاظم افندي الى الاستانة وحضر عوضاً عنه طه افندي نائب البلقاء إلا ان هذا الاخير اعتذر عن هذه الوكالة  وعاد الى محل مأموريته  في البلقاء فصدر الأمر للمرة الثالثة بتولية الشيخ محمد المفتي الطرابلسي مفتي بيروت وكالة في النيابة لحين عودة النائب الاصيل. 
وقد تكرر الأمر نفسه في سنة 1912 م  عندما وردت برقية من شيخ الاسلام بنقل نائب بيروت  وتعيين علي وهبي مكانه  وان  يتولى فضيلة مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا نيابة بيروت بالوكالة لحين حضور الاصيل. 
يذكر ان شيخ الاسلام اصدر سنة 1904م أمراً بحسبان مدة الاسفار التي يصرفها النواب في اسفارهم ذهاباً وإياباً من ضمن مدة نيابتهم المحددة بسنتين وان يجعل لهم صندوق تقاعد اسوة ببقية المأمورين.
ترجمة مفتي ببروت وقاضيها الشيخ محمد المفتي 
ولد الشيخ محمد بن حسن المفتي الطرابلسي الأشرفي في طرابلس. تولى قضاء بيروت ثلاث مرات. فضّ  قضايا كثيرة في مجلس التمييز وفي المحكمة الشرعية. تولى افتاء بيروت حوالي ثلاثين سنة الى وفاته في حزيران 1879م. وكانت له أعمال حسنة في مجلس فوق العادة الذي شكلته الدولة العثمانية للنظر بحوادث سنة 1860م. وكان ناظر الخارجية والصدر الاعظم فؤاد باشا يكن له احتراماً كبيراً. ترأس دار الشفقة الذي أسسه البيارتة سنة 1860 م في محلة الكرنتينا لمساعدة وإيواء فقراء المسيحيين الذين  هربوا من فتنة الجبل ولجأوا الى بيروت.
تزوج من السيدة عائشة مصطفى القباني وسكن في بيت تملكه في محلة  الباشورة.  وفي سنة 1292 هـ/1875م حضر الى المحكمة الشرعية ووقف بيته وما في ارض العقار من الأشجار على نفسه ثم على زوجته وأشقائه وذريتهم ومن بعدهم على الحرمين الشريفين حرم مكة المشرفة وحرم المدينة المنورة وان يدفع  لأحد القراء  خمسة عشر قرشاً في كل شهر اجرة اثنتي عشرة ختمة  ويهدى الثواب للنبي  صلى الله عليه وسلم  وآل بيته وأصحابه ولحضرة سيدنا الإمام الأوزاعي ثم لروح الواقف وروح والديه وجميع أرواح المسلمين. وحين حضر الى بيروت قاضياً مدحه الشيخ ناصيف اليازجي بقصيدة قال فيها:
كل فن له رجال وفـــي كل          رجال من يستحـــق الإمامــه
كإمام القضاة مولى الموالي       كعبة الفضـــــل العالم العلّامه
الذي قام في طرابلس الشا       م فكانت في وجنة الشــام شامه
حسبك الله يا محمــــد قد أو      عيت ما ضاق عنه غور تهامه
ليت معطيك ذلك الفضل أعطا    نا  له  ألسنــــاً بـــــه  قوّامــــه 
وكان الشيح محمد المفتي شاعراً وفقيهاً وله فتاوى عديدة . فعلى أثر فتنة سنة 1840م وما يليها أمر السلطان والي صيدا بيروت وطرابلس محمد أسعد مخلص،  بنصب المجلس المؤقت في بيروت،  لأجل تحقيق دعاوى المسلوب والمنهوب من نصارى ودروز، التي سلبت في دير القمر وفي  غيرها من قرى جبل لبنان ومجاوريه من الجبال. وكان المجلس برئاسة الوالي المشار اليه،  وكان من أعضائه المفتي الشيخ أحمد الأغر والخوري أرسانيوس الفاخوري الحاكم الشرعي على المسيحيين في الجبل والشيخ محمد المفتي قاضي بيروت وقال الأغر في وصف المجلس:
مجلسنا على الكراسي بدت    أقماره من شمسه تختفي
أخصامه  فيه جرى بينهم    حسابهم فكان  كالموقفِ
فشطرهما الشيخ محمد المفتي :
مجلسنا على  الكراسي  بدت      ذواته  بكل  حـــق  تفي
فأرضه   صارت  سماء  به       أقماره من شمسه تختفي
أخصامه   فيه  جرى   بينهم     منازعات  نارها  تنطفي
طال بهم قد قصّروا عرضهم    حسابهم  فكان  كالموقف
من فتاوى الشيخ محمد المفتي 
ومن فتاويه واحدة كتبت  سنة 1281هـ/1864م بموضوع نفقة الأم وأجرة حضانتها قال فيها  «النظر للصغير فيما فيه بقاء ماله المحتاج اليه في صغره وكبره أولى من النظر له في إبقائه عند أمه، هذا اذا كان طلب الأم النفقة وأجرة الحضانة . أما أجرة الرضاع فالأم أحق  ما لم تطلب زيادة على ما تأخذه الأجنبية كما يعلم ذلك من الفتاوى الحامدية والله تعالى أعلم». وأخرى كتبت سنة 1284هـ/1867م ما صورته « نعم. اذا ثبت وجود العيب بشهادة شاهدين وكان مما ينقص الثمن عند التجار، فللمشتري رد المبيع بالخيار أو قبوله كما يعلم من أكثر كتب المذهب والله تعالى أعلم». 
وسئل المفتي الطرابلسي سنة 1291هـ/1874م هل لا عبرة بدفع المدعى عليه بعد بينة المدعي أجاب « حيث ثبت  للمدعين حق المرور والنشر بوجهه (أي المدعي) فدفع المدعى عليه بان المدعين علموا بالبيع المرقوم وسكتوا وما ادعوا ، لا يمنعوا ثبوت حق المرور كما يعلم ذلك من كتب أئمتنا الأعلام لأن حق المرور والنشر من الحقوق المجردة لا من الأعيان، وترك الدعوى هذه المدة الجزئية لا تمنع المدعي من دعواه والحالة هذه والله تعالى أعلم». 
وفي خلاف حول توزيع غلة وقف وفقاً للطبقات افتى الطرابلسي  «الإقرار حجة من حجج الشرع الثلاث ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. فبناء على ما ذكر في السؤال يعمل بإقرار المصادقين المقرين بأن الغلة مناصفة بينهم. وحيث الحال كما ذكر فلا تسمع منهم دعوى ترتيب الطبقات لإقرارهم المرقوم والمرء مؤآخذ بإقراره. أما غير المقر من أهل الوقف اذا ادعى ترتيب الطبقات تسمع دعواه وعليه إثبات ما يدعيه من ترتيب الطبقات كما يعلم ذلك من كتب علمائنا الأعلام منحهم الله دار السلام». 
وفي سنة 1292هـ/1875م وفي قضية عائلية أفتى  المفتي الطرابلسي بما يلي « قد اطلعت على هذه المحاكمة وما تضمنته من الدعوى وشهادة الشهود فأقول ان الإقرار والتوكيل به مع الإكراه غير صحيح. فإذا أكره الزوج زوجته وخوّفها بالضرب وكان قادراً عليه لتبرىء ذمته  فلا يصح الإقرار لأن الزوج سلطان زوجته، فيتحقق منه الإكراه. وحيث قامت البينة على الإكراه فإقرارها وتوكيلها به مع الإكراه غير صحيح وشهادة الشهود المذكورين بالدين صحيحة مقبولة وبعد التزكية يجب العمل بها. فلها حينئذ طلب ما ثبت لها في ذمته وتحصيله .والحاصل ان الإقرار المذكور مع الإكراه المرقوم غير صحيح كما أفتى بذلك علماء عصرهما المرحوم علي أفندي والمرحوم عطا الله أفندي وغيرهما كالحامدية والخيرية ومثله في الخانية والبزازبة  والتتارخانية  والتبيين والحالة هذه والله تعالى اعلم». 
وفي خلاف حول مجوهرات وحلي نسائية سئل المفتي الطرابلسي سنة 1292هـ/1875م «ما قولكم دام فضلكم فيما اذا ادعى زيد على عمرو بأنه استدان منه مبلغاً معلوماً ورهن عنده مجوهرات وحلي نسائية ذكر أنواعها فأنكر عمرو ذلك وطلبت البينة من زيد . فأحضر شاهدين شهدا بان زيداً استدان من عمرو هذا المبلغ ورهن عنده مجوهرات وحلي نسائية سماها، فسئلا هل رأيتما المجوهرات والحلي المرقومة. فأجابا بأنهما لا يعرفان ذلك ولا رأياها وإنما يشهدان على إقرار عمرو بذلك، فهل كانا يعلمان الرهن المرقوم ولا رأياه ولا ذكرا قيمته، لا تقبل شهادتهما المرقومة ولا يحكم بها أم كيف الحال أفيدوا».  والجواب «الحمد لله الملهم للصواب نعم حيث الحال كما ذكر فلا تقبل الشهادة المرقومة لأنها قامت على مجهول كما يعلم ذلك من عامة كتب المذهب والحالة هذه والله تعالى أعلم. كتبه الفقير اليه عز شانه مفتي بيروت». 
 * محامٍ ومؤرخ