بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 شباط 2024 12:00ص هكذا كان يحتفل البيروتيين بليلة النصف من شعبان في الجامع العمري الكبير

حجم الخط
تكوّنت العادات والتقاليد البيروتية عبر العصور، وبعضها اندثر بسبب التحوّلات الاجتماعية والعمرانية والديموغرافية والثقافية والاجتماعية، إلّا أن بعض هذه التقاليد والعادات لا يزال متجذّراً في الحياة البيروتية، تأكيداً لأصالتها وهويتها ورسوخ المبادئ والقيم الأخلاقية عند أهلها.
ومن هذه العادات والتقاليد التي لا يزال أهل بيروت يتمسّكون بها الاحتفال بليلة النصف من شعبان التي تسبق شهر رمضان الكريم بخمسة عشر يوماً، وهي ليلة فضلى عند المسلمين قاطبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، ففيها يتجلّى الله على عباده...».
فقد جرت العادة في بيروت منذ القدم أن يحتفل أهلها بليلة النصف من شعبان من خلال إقامة الاحتفالات الدينية التي كانت تعمّ جوامعها وزواياها والتي كانت تضاء مصابيحها وأنوارها فتبدو كالنجوم النيّرات التي تشعّ في سماء المدينة وتبدّد جيش الظلام...
****
• الاحتفال المركزي في الجامع «الكبير»:
وكان المسجد العمري الكبير في باطن بيروت أي داخل سورها خلف أبوابها السبعة يشهد الاحتفال الديني المركزي في ولاية بيروت بمشاركة مفتيها وقاضيها الشرعي ونقيب الأشراف وكبار المأمورين في دار الولاية ووجهاء القوم وكبارهم.
واختيار المسجد العمري الكبير لإقامة الاحتفال المركزي كانت له دلالته نظراً لأهميته التاريخية، فضلاً عن كونه الجامع الأكبر الذي يتوسط المدينة، فهو يعتبر أقدم الأبنية الاثرية في بيروت، حيث كان يعرف في الماضي باسم «مسجد سيدنا يحيى» ثم «مسجد فتوح الإسلام»، الى أن أطلق عليه اسم «الجامع العمري الكبير» تكريماً للخليفة عمر بن الخطاب.
****
• مراسم الاحتفال:
إذاً، كانت تقام المراسم الرسمية للمناسبة في الجامع العمري الكبير، ويشارك في الاحتفال رئيس الحكومة ومفتي الجمهورية اللبنانية (تحديداً عندما تولّى منصب الإفتاء المفتي الراحل محمد توفيق خالد والمفتي الشهيد حسن خالد) والوزراء والنواب والسفراء والعلماء الأجلّاء وقضاة الشرع وجموع المؤمنين.
فكانت ترفع اليافطات التي تُكتب عليها الآيات القرآنية والعبارات المعظّمة للذكرى، وتنصب سعف النخيل وأقواس النصر وتعلّق الزينات، وتُضاء الشموع والقناديل والفوانيس على مدخل الجامع وفي محيطه، وتستقدم الفرقة الموسيقية الكشفية لتعزف الأناشيد الحماسية والوطنية، ترحيباً بالشخصيات الرسمية والضيوف.
وداخل الجامع كان يتضمن الاحتفال تلاوة عطرة من القرآن الكريم لشيخ قراء بيروت، وكلمة لسماحة مفتي الجمهورية، وأخرى للمدير العام للأوقاف، يتبعها كلمة لإمام المسجد، وتقام الصلاوات، وترفع الأدعية والأذكار والأوراد تضرعاً لله تعالى، كذلك تتلى السيرة النبوية الشريفة.
وكان يتخلل كل فقرة من فقرات الاحتفال المدائح النبوية والأناشيد الدينية التي لها وقعها الخاص في هذه الليلة المشهودة، فالإنشاد الديني له مكانته المميّزة ونكهته الساحرة في نفوس المؤمنين، الذين كانوا يذوبون في حضرة مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أصوات المنشدين الشجيّة التي تهزّ القلوب خشوعاً ورهبةً وتملؤها نفحات روحية وإيمانية، تقرّبهم من الله سبحانه وتعالى. فكانت تمتلئ أرجاء الجامع بحالة مفعمة بالإيمانيات والروحانيات، التي تخشع لها القلوب المملوءة بالتقى والورع...
****
• إيفاء النذورات:
ومن عادات البيارتة في هذا اليوم إيفاء «النذورات» التي كانت تنذر على ضريح ومقام الإمام الأوزاعي في القرية التي كانت تسمّى «حنتوس» قبل أن تحمل إسمه وجامع الخضر ومقام السيدة زينب في دمشق.
وكانت «النذورات» عبارة عن زيوت وخراف وأموال وخبز وصلوات لوجه الله تعالى، تباركاً بفضائل هذه المناسبة الفضلى.
****
• الحمّامات العامة:
ومن عادات البيروتيين في القدم أن تشهد الحمّامات العامة أواخر شهر شعبان إزدحاماً لا تشهده في الأوقات العادية، لعدم انتشار الحمامات الخاصة في البيوت آنذاك، أي قبل جرّ المياه.
وقد ارتبط بناء الحمامات العامة في بيروت بالمعتقدات الدينية الخاصة بالنظافة والطهارة والإستحمام والوضوء.
ومن حمّامات بيروت العامة في العهد العثماني، حمام الأمير فخر الدين بالقرب من ساحة الشهداء في يومنا هذا، وحمام الإمام الأوزاعي قرب زاويته في سوق الطويلة وحمام السرايا قرب جامع الأمير منذر التنوخي وحمام الشفاء المعروف بالحمام الصغير قرب مبنى مجلس النواب الآن والحمام العمومي في محلة الدركاه، أي بداية شارع المعرض والحمام الفوقاني إزاء دار الكتب الوطنية (ساحة النجمة) وحمام القيشاني وحمام زهرة سوريا في باطن بيروت (أي داخل السور).
****
- يتبع: حلوى «المشبك»

* إعلامي وباحث في التراث الشعبي