بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

19 أيلول 2021 08:55ص «الحرب على الإرهاب» من ساحات القتال إلى ساحة العقل البشري

حجم الخط

كان لي شرف كتابة مقال في صفحة الرأي للجريدة العالمية "وول ستريت جورنال" يوم 11 سبتمبر 2021، أي في الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان عنوان المقال "نقل الحرب على الإرهاب إلى "برين-ستان" وهي كلمة اصطلحتها بدلاً من "أفغانستان" لتوضيح موضوع المقال، وهو نقل مقاومة الإرهاب من ساحات القتال التقليدية إلى ساحة العقل البشري.

ويزيدني شرفاً أن أتطرق لنفس الموضوع للقارئ العربي في هذه المقالة، ومن زوايا عدة أخرى.

فإذا نظرنا لمشكلة الإرهاب العالمي، الذي بدأ يطل علينا مرة أخرى مع صعود طالبان للحكم، لوجدنا أن مقاومته (أي الإرهاب) بصورة جغرافية وأمنية وعسكرية فقط، لا يمكن أن يحل هذه المشكلة.

وعلى سبيل المثال فإن علاج مرض ما لا يمكن أن يكون فقط من خلال علاج أعراضه في أماكن الجسم المختلفة، دون علاج المرض نفسه.

ويذكرني هذا بأحد أصدقائي في كلية الطب حين قرر الممتحن في امتحان إكلينيكي للأمراض الباطنية أن يعطيه "صفرا" لأنه شخص (بشد الخاء وفتح الصاد) المرض بأنه التهاب في الكلى والجلد والعين والمفاصل والأعصاب، دون أن يصل إلى حقيقة المرض نفسه الذي تسبب في ظهور كل هذه الأعراض وكان مرض اسمه سيستيميك لوبس أو "الذئبة الحمراء".

وبنفس المقياس سيفشل كل من يحاول مواجهة الإرهاب فقط في ساحات المعارك دون محاولة علاج جذوره الفكرية.

ولمعالجة هذه الجذور علينا أن نشجع عملية التفكير النقدي وأن ندعم الاجتهاد الفقهي ونقبل الآراء التي تخالفنا، طالما لا تدعو إلى العنف.

وبالتعمق في مسألة الإرهاب والعنف الديني ضد المختلف يتضح لنا أن أساس المشكلة هي في مفهوم الدين. فشتان بين من يدعو باسم الدين إلى العنف والغلظة وسفك الدماء وقتل المختلف، وبين من يدعو، باسم الدين أيضاً، للخير والإنسانية وتقبل الآخر.

ولا أجد هنا مثلاً أروع من قول الشاعر والمفكر الصوفي المعروف محي الدين ابن عربي:

" لقد كان قلبي قبل اليوم منكر لصاحبي وديني عن دينه دان

فقد صار اليوم قابلاً كل صورة ومرعىً لغزلانٍ، ودير لرهبانِ

وبيتٌ لأوثانٍ، وكعبة طائفٍ ولوح توراةٍ، ومصحف قرآنِ

أدين بدين الحب أنَّى توجهتْ ركائبه، فالحب ديني وإيماني"

.. فشتان بين الإثنين!

ولو نظرنا من منظور علمي لنفس الأمر لعرفنا وعلمنا أن أي تصرف يفعله الإنسان لابد أن يبدأ بإشارات كهربية في عقله البشري أولاً ثم تنطلق هذه الإشارات الكهربية من خلال الأعصاب الحركية لتقوم بتحريك عضلات الإنسان لعمل الشيء.

ولو طبقنا ذلك على العمليات الانتحارية فإن ضغط زر التفجير يبدأ أيضاً في العقل الذي يأمر صاحبه بتنفيذ العملية وقتل الأبرياء بلا رحمة.

ولذا فإن محاولة مقاومة الإرهاب بعد أن يقوم المتطرف بعملية انتحارية أمر متأخر كثيراً، ولا يضاهي أبداً مقاومة الفكر في عقله قبل أن يقوم بعملية التفجير. وهذا ما أطلقت عليه في مقالتي في "وول ستريت جورنال: "مقاومة الإرهاب في العقل".

وتفعيل هذا الأمر يحتاج إلى تضافر المفكرين ورجال الدين المستنيرين وأجهزة التعليم المختلفة ووسائل الإعلام في إستراتيجية واضحة لمواجهة المشكلة من عدة زوايا وبوسائل مختلفة.

والعجيب في الأمر أننا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، يبدو لا زلنا في حاجة لبعض أفكار المعتزلة، ومنها أن "العقل فوق النقل".

ولو علمنا أن من أول ما تدرسه الجماعات الإرهابية للمنضمين إليها هو أن "الفكر كفر" حتى يتسنى لهم قمع التفكير النقدي لما يدرسونه من عنف ووحشية ولي لمعاني الدين لتحقيق أهدافهم الإجرامية ولتبريرها في عقول من يتبعهم.. فهل يا ترى سنبدأ في تكثيف مواجهة التطرف والإرهاب داخل العقل البشري، وقبل أن يتحول إلى أفعال إجرامية؟

.. وللحديث بقية

المصدر: الحرة