بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 نيسان 2021 12:01ص الدعم.. كثرة الطبّاخين تفسد الطبخة!

حجم الخط
 
... فوجود طباخ واحد مُلمّ بكل ما يجب وضعه فيها يجعل الطبخة صالحة. والعكس عندما يضع أكثر من طباخ واحد ما يشتهي فتفسد الطبخة أو تحترق. وهذا ما ينطبق على موضوع دعم السلع الأساسية والضرورية بمليارات الدولارات التي بسبب تشرذم الصلاحيات وتعدد المراجع والمصالح، هدر الجزء الأكبر منها على التهريب أو التخزين، كان يمكن استثمارها بانتاج السلع المدعومة في الداخل، بدل استيرادها من الخارج.

وما يحصل الآن هو ما حصل بالأمس بين سلطة نقدية في مصرف لبنان ومالية في وزارة المال واقتصادية في وزارة الاقتصاد واجتماعية في وزارة «الشؤون» وسياسية في حكومة تصريف أعمال، وقطاعية في جمعيات تجارية وصناعية وزراعية وسياحية، ونقابية في اتحادات عمالية ودولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الى البنك الدولي الذي خصص ٢٤٦ مليون دولار لتوزيعها على مئات آلاف الأسر اللبنانية المعوزة، إضافة الى ما يفترض أن تخصصه الدولة من وارداتها أو عبر مصرف لبنان ببطاقات تموين أو تمويل، ما زالت قيد البحث في غياب خطة محددة واضحة تجمع عليها مختلف الأطراف المعنية التي تعددت وتشعبت سيناريوهات الدعم لديها الى متاهات لا تدعو الى التفاؤل. بدليل ان اللقاء الذي جرى أخيراً بين رئيس حكومة تصريف الأعمال وحاكم مصرف لبنان أدّى الى تأجيل البت بالموضوع الى ما بعد رمضان وربما الى أمد غير منظور، والخطاب الذي وجهه حاكم مصرف لبنان الى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، تضمن أن البنك المركزي «لم يعد قادرا على الاستمرار بسياسة الدعم الحالية التي تساهم باستنزاف احتياطاته» (أو احتياط أموال المودعين التي انخفضت من نحو ٢٨ مليار دولار الى ١٦ مليار دولار) وأنه «بات من الملحّ على الحكومة، وبشكل سريع، وضع تصوّر واضح(؟) لسياسة الدعم التي تريد الحكومة اعتمادها» وبوضع حد لـ «الهدر الحاصل» في طريقة الدعم، و«ضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية».

وهذه العبارة الأخيرة في الخطاب تعني أنه لم يعد هناك أي مجال للدعم عبر مصرف لبنان، لأسباب عدة منها ان هذه الموجودات النقدية ليست لمصرف لبنان بل الاحتياطي الالزامي لأموال المودعين، وقد هدّد نقيب المحامين في خطاب للبنك المركزي بتاريخ ٣٠ آذار ٢٠٢٠ بإجراءات قضائية ضد كل من يمسّ بهذه الاحتياطيات. حتى أن حاكم «المركزي» طلب في خطابه الى وزير المال «إعطاء أجوبة واضحة وصريحة بالسرعة الممكنة» بشأن الدعاوى المحتملة «درءا لأي مخاطر قانونية وواقعية قد تنتج منها». طالبا من وزير المال أن تعتمد الحكومة على نفسها «بالعمل على المساهمة في تأمين واردات بالعملات الأجنبية لتغطية كلفة الدعم» المجهول المصير بين وصول الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان الى خط أحمر، ومخاطر المزيد من طباعة الليرة (من حوالي ١٠ ترليون ليرة نهاية ٢٠١٩ الى أكثر من ٣٦ ترليون ليرة في آذار ٢٠٢١) ومخاطر توزيع بطاقات تمويل بمعدل مليون ليرة لحوالي ٧٥٠ ألف أسرة فقيرة، أي بضخ حوالي ٧٥٠ مليار ليرة إضافية في التداول بما يرفع التضخم من معدله الحالي ٨٥% الى معدل جامح Hyper بأكثر من ٢٧٥%! وبما يرفع الأسعار لا سيما المعيشية منها الى ما لا يمكن أن يتحمّله ٧٤% من مجموع متقاضي دخل في لبنان (حسب دائرة الاحصاء المركزي) سوف يسرع وصولهم الى جحيم الفقر اختصار الدعم الى ١٠٠ سلعة غذائية فقط (من أصل ٣٠٠ سلعة) والاقلال من دعم الوقود والأدوية، بغرض خفض كلفة الدعم السنوية من ٦ مليارات الى ٣ مليارات دولار.. وحتى هذه المليارات الثلاثة من أين؟! وسنويا! من دولة لم تدفع ما عليها من استحقاقات داخلية أو خارجية لا بالدولار ولا بالعملة المحلية، وفي عجز في الموازنات والموازين متواصل ودين عام فاق الـ٩٥ مليار دولار يزداد 4,3% سنويا الى حد باتت معه التزامات لبنان تفوق قدراته المالية وأعلى من أي اعتبارات جيو - سياسية!