بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2020 08:27ص تراجع دور المصارف في بلد يشبه «مصرف كبير» يعطل الأمان المالي والاقتصادي والاجتماعي والأمني

حجم الخط
"Lebanon is a Big Bank” هذه العبارة التي أوردتها جامعة STANFORD الأميركية فوق اسم كاتب هذا المقال في الصفحة الأولى من كتاب صدر هذا الشهر عن الجامعة بعنوان Banking on the state (The Financial Foundation of Lebanon) نوردها هنا لمجرد التذكير بأنه عندما يكون بلد ما يشبه «مصرف كبير» فان أي تراجع لدور هذا «المصرف» سوف تمتد تداعياته الى كل مرافق الحياة العامة من مالية الى اقتصادية الى اجتماعية وحتى ثقافية. 

وفي كتاب أيضاً بعنوان Lews Liar`s  لمؤلفه Michael Lews: ان الدور الأساسي للقطاع المصرفي له الأولوية في تطوير جميع القطاعات، وان البلدان التي ينتظم فيها عمل القطاع المصرفي هي التي حققت أكبر قدر من الازدهار بالمقارنة مع سواها، وان المصارف هي المفتاح الرئيسي لقطاع الانتاج ولا سيما الصناعة التي تحد من البطالة وتستوعب في الدول المتقدمة القدر الأكبر من الرأسمال البشري وعلى الحصة الأكبر من الرواتب والأجور.

وفي حال لبنان حيث عجزت سلطة الاقتصاد الاحتكاري «المسمى في الدستور» بـ«الاقتصاد الحر»، عن تحويله الى اقتصاد منتج، فيما صادراته الصناعية لا تزيد عن 2,5 مليار دولار(!) والزراعية لا تزيد 150 مليون دولار(!) مقابل استيرادات بـ20 مليار دولار(!) فان أي تراجع في دور المصارف (من مصرف مركزي ومصارف تجارية ومصارف أعمال) يتسبب في مخاطر على العملة الوطنية، لا تقطع الطريق فقط على النمو الاقتصادي، وانما تقطع أيضاً حبل الاستقرار الاجتماعي والأمني، كما حصل على سبيل المثال في الأرجنتين حيث تدهورت الأوضاع الأمنية عندما انخفض سعر الصرف واشتعلت الاضطرابات النقدية وارتفع معدل الأسعار السنوي الى 45%  بزيادة ثلاثة أضعاف عن التوقعات الحكومية الأساسية، وفقد «البيزو» من قيمته حوالي 50%، واتجهت الودائع من «البيزو» الأرجنتيني الى السندات الأميركية في حالة شهدنا نماذج متعددة لها سواء في أواخر التسعينيات في أندونيسيا وكوريا وماليزيا وتايلاند، أو في البرازيل والأكوادور والأرغواي والمكسيك أو ايرلندا وزيمباوي، كما في «فقاعة» التوسع العقاري المصرفي في الولايات المتحدة، والآن في فنزويلا حيث سعر العملة ارتفع مليون% برغم مما لديها من ثروات طبيعية وعلمية وتقنية عالية تعطلت بالعوامل السياسية الخارجية والداخلية، وتدهورت معها الأوضاع الأمنية والاجتماعية.

وفي لبنان فان انعدام الاصلاحات المالية الهيكلية والادارية، بات الآن «قنبلة موقوتة» قد يكون من الصعب تعطيلها، أو ربما من المستحيل، اذا كان تأجيل الاصلاحات الى المدى المتوسط، فكيف بالمدى البعيد؟ لا سيما ان أي اصلاحات قد نباشر بها الآن، تحتاج الى سنوات كي تعطي ثمارها. وخلال تلك الفترة، سيكون مسلسل ارتفاع الدين العام قد بلغ حداً لا يمكن بعد ذلك احتواءه، حيث الدين العام مرتفع من معدل سنوي 2,5 الى 3 مليارات دولار، الى 6,1 مليارات دولار ومنذ العام 2012 وصولا الى موازنة 2020 حيث باتت خدمته 36% من النفقات و48,5% من الواردات يضاف اليه فاتورة الأجور وعجز الكهرباء المتصاعد مع احتمال ارتفاع سعر النفط، بما يزيد العجز الى أكثر وأكثر في الموازنة، لا سيما مع تحذير وزير المال أخيرا بتراجع 40% من الواردات خلال الأشهر الثلاثة من هذا 2019 وما رفع حجم الدين العام الى الناتج المحلي من نسبة 133% عام 2012 الى ما يقترب 155% الآن يفترض ان تصل بعد سنوات الى الحد الذي يودي بالبلد ـ اذا تأجلت الاصلاحات المالية والهيكلية والادارية ـ الى المزيد من الشلل الاقتصادي والانهيار الأمني.