بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الثاني 2020 06:06ص «قوننة» الـ Capital Control بقيت السلبيات وطارت الإيجابيات!

حجم الخط
عندما كان الـ «كابيتال كونترول» ما زال مطبقا في بريطانيا منذ العام ١٩٣٩، كنت خلال ستينيات القرن الماضي أعمل في أحد المصارف في لندن من التي يطلق عليها The Big Five ونسميها نحن The Alpha Banks (وتضم في لبنان تقريبا ثلاثة أضعاف المصارف الخمسة البريطانية)، وما زلت أذكر سؤالي رئيس دائرة الصرف الأجنبي التي كنت أعمل فيها عن الجدوى من الـ «كابيتال كونترول» البريطاني الذي يحد من دفق الودائع والتحويلات والاستثمارات الى الداخل. وكان جوابه أن الأولوية الإيجابية من القيود التي فرضها القانون، هو انه يمكن بريطانيا في فترة السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، من الاحتفاظ بما لديها من احتياطيات نقدية أجنبية وذهبية ورساميل وطاقات مالية، لاستخدامها في مشاريع تنموية انتاجية صناعية وزراعية في الداخل، قبل أن تفتح أمامها الأبواب والنوافذ لإيداعها أو استثمارها في مصارف ومشاريع في الخارج.

وفي حال لبنان اليوم؟

... كم تبدو الصورة عكسية تماما، حيث الغاية والنتيجة من قانون الـ «كابيتال كونترول» في لبنان ليس الاحتفاظ بما تتبقّى من طاقات مالية واحتياطيات نقدية أو ذهبية بغرض استثمارها في مشاريع تنموية انتاجية صناعية وزراعية وإنما في سد فجوة  خسائر حكومية ومصرفية ومن ثم العودة الى السياسة التسليفية التقليدية نفسها من إقراض القطاع العام العاجز المتهالك والمتهاوي، والقطاع الخاص الريعي والعقاري والخدماتي والشخصي وعلى القاعدة التاريخية الشهيرة: من شبّ على شيء شاب عليه!

يضاف: استخدام جزء من هذه الطاقة المالية النقدية المتبقية للاستمرار في الدعم الاستيرادي الذي يبدو ان لا مفر منه بديلا عن اقتصاد وطني انتاجي. وآخر دليل عن هذا التوجه وبرغم وصول الاحتياطيات الى الخطوط الحمراء، ما أكدت عليه جلسة لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النيابية قبل أيام من ان رفع الدعم «كارثة اجتماعية» لا بد من تفاديها باستمراره كونه حاجة ماسّة ضرورية «لصمود اللبنانيين» كما في بيان اللجنة الذي رغم استدراكه بأن يكون الدعم هذه المرة «بطريقة علمية ودقيقة ودون أن يتسبب بأذى للبنك المركزي» إلا ان النواب الذين أصدروا البيان يدركون جيدا ان استمرار الدعم في ضوء الأرقام والمعطيات والصعوبات المالية والنقدية الحالية، ليس أكثر من حرب «طواحين الهواء» حيث لم يعد لدى الدولة اللبنانية (الساعية دائما الى قروض تضاف الى قروض) احتياطيات كافية مالية ولا لدى البنك المركزي باعتراف الحاكم نفسه، احتياطات باقية نقدية يمكن استخدامها في مشاريع تنموية انتاجية. وما هو موجود من القليل القليل يكاد لا يكفي لتمويل رواتب وأجور وأصل وفوائد قروض.

وأمام هذا الوضع أي جدوى تبقى من «كابيتال كونترول» هو مطبق أصلا حتى قبل اقراره وتنفيذه، وذلك من خلال القيود المستمرة في المصارف على السحوبات في الداخل والتحويلات للخارج. ومن خلال توقف الدولة عن دفع ما عليها من مستحقات للخارج والداخل. وبالتالي فسوف لا يبقى من نتائج «الكونترول» سوى السلبيات وأهمها انه من حيث يضع طوقا حديديا على الداخل سوف يفقد أي ثقة متبقية لامكان التحويل أو الايداع أو الاستثمار من الخارج. وأي اجتهادات أو توقعات في الموضوع  بعكس هذه النتائج، تحتاج الى ايضاحات وشروحات معززة بأرقام حيادية ومعطيات علمية، لا تغني عنها تصريحات رسمية عمومية ولا بيانات انتخابية أو... شعبوية!