2 آب 2023 12:00ص أدباء وسياسيون

حجم الخط
إذا كان المدح عامة تجربة يعبّر من خلالها الأديب عن إعجابه بمناقب وفضائل إنسانية متجلّية في شخص ما, وقد يأتي تعبيراً عن شكر واعترافاً بجميل معيّن، ولكنه قد ينحرف عن قصده، فيأتي تزلّفاً واستجداءً.. أمّا الهجاء ففيه يعبّر الأديب عن تجربة فيها النفور والضغينة، فیندّد بمساوئ الآخرين وقبائحهم وأشهرها هجاء المتنبي لكافور، والمتنبي من أشدّ المشعراء هجاءً، لأنه من أشدّهم انفعالاً وسخطاً وكبرياءً.. والعلاقة ما بين السياسي والأديب لا تزال تثير إشكالية في هذا العصر أيضاً، فالبعض يرفض العلاقة بالسياسة والسياسيين رفضاً قاطعاً، ويخوض من أجل هذه القطيعة غمار معارك متعددة الأهداف، أما البعض الآخر فإنه يربط وجوده بجهة ما، راضياً أن يصير ناطقاً باسمها، وأن يسجن نفسه في زاوية تحجب عنه الرؤية وتمنعه من التفكير الواعي والموضوعي، والاقتناع بأن الجميع قد يخطئ وقد يصيب..
وهنا يأتي دوره الحقيقي في تصويب المسار ورفض الإنجراف وراء عواطف بعيدة كل البُعد عن العقل والمنطق، إذن، نحن أمام إشكالية يجب طرحها ومناقشتها، تحفظ للأديب والعباقرة حريتهم التي تكفل استمرار ابداعهم، إذ لا إبداع بدون حرية، أمّا الصور الطبق الأصل فمرفوضة ومكروهة، ولا أحد يستطيع أن يتصوّر كاتباً أو رساماً، ونحاتاً وموسيقياً بدون فسحة الحرية، ولا أحد يتصوّر في هذا الزمن تكرار دور شاعر البلاط وما يعنيه، وهنا لا نستطيع التعميم خاصة في عالمنا الثالث! ومع ذلك هذا لا يعني القطيعة وعدم التواصل مع الآخر المختلف، والتاريخ يعطي العديد من النماذج الإيجابية مثل العلاقة المميّزة التي ربطت ما بين أبي فراس الحمداني وسيف الدولة، ومما لاشك فيه إن الإحترام بين السياسي والمبدع ضروري، كما لا أحد يستسيغ أن يتحوّل المبدع إلى بوق أو آلة تنفذ أوامر (ولي أمرها) لأنه الضمير والعقل الذي يتمسّك بقِيَم الحق والخير والجمال.. هل يمكن أن نقول أن العلاقة في عالمنا الثالث بين المبدعين عامة وأهل السياسة بخير؟! بالطبع لا، لأن فكرة الاستبداد ورفض الآخر المختلف ما تزال هي هي.. للأسف.