بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تموز 2023 12:00ص إبداع ومبدعون

حجم الخط
جميل أن يبدع الإنسان نثراً أو شعراً، موسيقى أو نحتاً ورسماً.. لكن الأجمل أن يكون العمل الإبداعي متميّزاً بخصوصية المكان والزمان الذي انطلق منه.. هذه الميزة غاية في الأهمية لأنها لا تعني الإنزواء أو الإنطواء، بل تفرض الإنطلاق من المكان الخاص الى دنيا الله الواسعة وتعني ان المحتوى والشكل يمثلان الرسالة التي حملها المبدع إلى الفضاء الفكري الإنساني بصورة عامة، لأنه المرآة التي تعكس قضايا مجتمعه بصدق ووضوح، وليس غريباً ساعتئذ إن جذب انتباه المتلقّي بحرفيته ومهارته وبالتالي تمكّن أن ينجح بإثارة اهتمام وفطنة وإدراك كافة شرائح المجتمع، ولا عجب بعد ذلك إن أبهرنا المتنبي بروائعه ومركيز وأمادو وسواهم كثر..
من هنا كان احتفالنا في الماضي بأدب أميركا الجنوبية الذي لقي صداه في العالم أجمع، لأنه عبّر بصدق عن واقعهم الإنساني وتميّزه، كذلك الأمر بالنسبة للأديبة الأميركية «فرجينيا وولف» وللعديد من الكتّاب الفرنسيين والإنكليز وعلى رأسهم: «اللورد بايرون وفيكتور هيجو».. ومما لا شك فيه ان رؤية العالم من خلال البحث عن الذات وما تعانيه هو قمّة في الحضارة والرقيّ والتألق.. إن من يكتب وهو يفكّر بشريحة اجتماعية معينة وما تعانيه إنسانياً وسياسياً واقتصادياً، هي من الشروط الموضوعية لتوظيف وعيه عبر إبداعه الخاص لخدمة المجتمع، لذلك نعتقد جازمين إن العمل الإبداعي الذي لا يلقى نجاحاً في مجتمعه الخاص، من الصعب أن يلقى رواجاً في المجتمعات الأخرى وفي العالم أجمع، إن ثلاثية الأديب نجيب محفوظ لاقت الإعجاب والتأييد والنجاح لأنها تحدثت عن الواقع الاجتماعي المصري بكل إشكالياته بوضوح وصدق ممّا مكّنه من الانطلاق من المحلية الى العالمية التي تكللت بنيله جائزة «نوبل» للآداب، هذا يؤكد ان التماهي بالغرب وتقليده لا يلفت نظر الغرب نفسه، وان انتماء المبدع إلى المكان وقضاياه التي يعاني منها، لا يعني التقوقع بل الهدف منه الارتقاء بمجتمعه، وإن التأثر بحضارات معينة لا يعني تقليدها بشكل أعمى وإنما الاستفادة منها ومن ثرواتها الفكرية لأنها ملك الإنسانية جمعاء..