بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 شباط 2023 12:00ص إستعادة الفن كثقافة حتى ينتظم العقل العربي

حجم الخط
ورد في إحدى الصحف المصرية اقتراحا للسيدة انتصار دروير بتكريم الفنان العربي المصري الكبير زكي رستم، وهذه الدعوة للتكريم أعادت التفكير للمعنيين بالفن من المصريين بتكريم كبار النجوم، كما أثارت فضولي بالكتابة عن السينما وأفلامها التي كانت حالة ثقافية وتعليمية عامة لعموم الناس، من المهم الوقوف عندها وعند العصر الذهبي الذي ساد منطقتنا العربية في كثير من الميادين وتحديدا عند الدور المصري الذي كان إلى أقصى الحدود عطاء بصناعة السينما من ممثلين وممثلات كبار ومن مخرجي الأفلام ما زال جيلنا يردد أسماءهم وأعمالهم الجيدة وبالتالي الأدباء المصريين المبدعين الذين تحولت كتاباتهم في القصة عن المجتمع العربي ومشاكله وعن كثير من الحياة العربية، في الفروسية مثل عنتر بن شداد وحب الأوطان مثل فيلم «رد قلبي» و«الله معانا» و«بورسعيد» الذي يروي قصة العدوان الثلاثي على مصر العام ١٩٥٦, وفي الحب وكانت الأطول وتنوعاتها في زواج الكبير بالسن من فتاة أصغر منه وما ينتج عن ذلك من مشاكل، وأذكر هنا في هذه المعضلة الفيلم الكبير «أين عمري» للفنان زكي رستم ومعه الممثلة القديرة ماجدة، و«المراهقات» وهي قصة الفتاة الخام عندما يداخل الحب قلبها وما تلاقيه من اعتراضات قوية من الأهل.
وقبل المضي في الموضوع لا بد من تعريف مختصر لجيل الثمانينات وما بعده عن الفنان زكي رستم وعن السينما التي كاد يختفي وجودها وبها خسرت الأجيال الكثير من الثقافة العامة والتربية السليمة وإعداد النشء اعدادا سويّا خلافا لما هو جارٍ الآن، وراحت مصر في زمن الجفاف هذا تخسر الكثير من دورها وقيادتها للعالم العربي وفي معظم الميادين التي اشتهرت بها وكانت قائدة لها.
الفنان الكبير زكي رستم (1903-1972) يعتبر من أهم ممثلي السينما المصرية وأختير من مجلة (باري باتش) كواحد من أفضل 10 ممثلين في العالم. في رصيده240 فيلما لم يُعرف منها سوى 55 فيلما. وُلد في مصر، بحي الحلمية الذي تقطنه الطبقة الارستقراطية، وكان والده محرم بك رستم عضوا بارزا في الحزب الوطني وصديقا شخصيا للزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد، جدّه اللواء محمود رستم باشا. بعد نيله شهادة البكالوريا رفض استكمال تعليمه الجامعي فاختار هواية الفن والتمثيل، وكانت نقطة بدايته الفنية مع الممثل القدير عبد الوارث عسر الذي ضمّه لفرق الهواة المسرحية ثم فرقة جورج أبيض، فطردته أمه من السرايا بخياره الفن، ثم انضم إلى فرقة عزيز عيد ثم إلى اتحاد الممثلين ثم الفرقة القومية. اختاره المخرج محمد كريم ليشترك في بطولة فيلم «زينب» الصامت للدكتور حسين هيكل، إنتاج يوسف وهبي.
أُطلق عليه «رائد مدرسة الاندماج»، وكان فريدا في مواهبه ويكاد لا ينتهي من أداء موقف أمام الكاميرا حتى يعلو التصفيق من جميع الحاضرين. عرضت عليه شركة كولومبيا بطولة فيلم عالمي ورفض مطلقا العرض قائلا: «غير معقول أن أمثل في فيلم يعادي العرب».
أما عن السينما المصرية هي أقدم صناعة سينمائية في المنطقة العربية وشمال أفريقيا وكان لها التأثير الأكبر في هذا المحيط والأكثر انتشارا وأول فيلم عرض بالإسكندرية في مقهى زواني العام 1896 واعتبر أول إنتاج سينمائي في يونيو 1907.
وأنا بدوري استيقظت على طفولتي مع بداية خمسينات القرن العشرين الماضي لأجد عالم السينما العربية المصرية حاضرة ومركزية، والحديث بين الناس وداخل العائلات والإعلانات عن الأفلام المعروضة في الشوارع والساحات وكأنها الحدث الأول في البلاد. أما عن السينما فكان المكان الأهم الذي يقصده الناس للاستمتاع بالأفلام المعروضة، وكانت صالات السينما كثيرة وسط مدينة بيروت بما يُعرف بساحة البرج، منها على سبيل التذكير: الريفولي، المتروبول، الروكسي، الدنيا، الكابيتول، الأمير، وأقدمها التياترو الكبير وغومون بالاس، وريو، والأكثر قُدما وشعبية سينما كريستال، والأوبرا ودنيا وهوليوود وشهرزاد. وفيما بعد عرفت منطقة الحمراء عددا كبيرا من صالات السينما من أهمها سينما الحمراء، قصر البيكاديلي وغيرهما كثير.. لكن بعد الحرب الأهلية اللبنانية ومع مطلع التسعينات أقفلت غالبية هذه الصالات وتوقف استخدامها ومعها انطوت في المجتمع اللبناني أهم وسيلة للترفيه والتشويق والثقافة لدى الشعب اللبناني.
أعترف بأن جزءا من ثقافتي التي اكتسبتها بعمري المديد بعد البيت، والحي والمدرسة هي من السينما حيث يعيش المتفرج أحداثا عدة ومتنوعة، وكل فيلم عربي كان يحكي قضية اجتماعية، إنسانية، عائلية وطنية، سياسية وتاريخية.. وأفلام كانت مبعث فرح وجدّ وحب ومدرسة وجامعة وحياة الطلبة والصراع الطبقي بين فقراء وأغنياء، وبين العادات القديمة والجديدة.. وأفلام أخرى عن تجار الممنوعات وعصابات الشر، فضلا عن الرجل السليم والعائلة المحافظة وعن كل ما فيها حياة البشر من قضايا ومشاغل وحوادث. وكان هناك من الناس من يفضّل الأفلام الأجنبية مثل ثورة العبيد والصراع بين الهنود الحمر والرجل الأبيض وحروب بين أثينا واسبارطة أي صراع القوة مع العلم والفلسفة، وحصان طروادة، وشمشون ودليلة، وأفلام دينية عن ظهور الإسلام، والرسالة، وعن قادة مسلمين كخالد ابن الوليد، ومعركة القادسية وسلسلة أفلام عن السيد المسيح...
خلاصة القول إن السينما العربية بأفلامها أعطت إضافة للإنسان العربي وأرست حالة ثقافية كبيرة ومهمة جدا وأوجدت عددا كبيرا من المخرجين المشهورين والمبدعين وأدباء عظام ممن كتبوا الأدب والقصة العربية، وأغلب هذه الفضائل والثمرات المجتمعية أصبحت غائبة عن حاضر حياتنا ومجتمعاتنا واستبدلت بما هو أسوأ وأقبح لدى الأجيال الطالعة علما أن التطور ينبغي أن يكون نحو الأفضل وتنتعش القيم والأخلاق الحميدة وتنتظم مجتمعاتنا العربية فالذي حصل هو العكس، فالمجتمعات اليوم تعيش وسط حالات الفساد وتعميم الرذيلة والغش والصراعات السلطوية والحروب الأهلية داخل المجتمع العربي الواحد والدولة الواحدة، وحياتنا العربية تسير نحو الانهيار بغياب قيادات وطنية وعربية كتلك التي عرفتها المنطقة من قبل ومن علماء وفلاسفة وأدباء وصحفيين كبار، وصرنا نفتقد كل خير وحق وجميل وحلّ محله كل شر وصلابة وقبيح، والى أين المصير؟!
ان تكريم العظماء والكبار والرواد من أمتنا وفي أي مجال من مجالات الحياة; دينا وخُلقا، علما وفلسفة، أدبا وشعرا، وصحافة وثقافة، وفنا ومسرحا، وموسيقى.. يعودون بنا شعورا وإحساسا إلى ذلك العصر الذهبي الذي افتقدناه، لعلنا نتعلّم من ماضينا الحسن ما يأخذ من حاضرنا السيئ في كل متفرعاته وأحواله وفساده وافساده وكل نكباته أيضا ومجاعاته وإفلاس دوله وحكامه إلى حين أن ينتظم العقل العربي وتنتظم معه دولنا العربية ويصبح النظام العربي والدولة العربية ملجأ الأمن والامان والاطمئنان والرفاهية والسعادة لمواطنيها بدل أن يظل سلطات جائرة قمعية ظالمة ومتسلطة على البلاد والعباد.. إلى متى؟! إلى متى؟!