بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الثاني 2024 12:00ص الإلزام مرفوض

حجم الخط
إذا كان الإلتزام يعني التواصل مع هموم الناس عبر الكلمة أو الصورة أو اللحن.. التي تحرّك عند هؤلاء مجموعة من العوامل المتنوعة وتؤثر بدورها في نمط تفكيرهم مثيرةً إنفعالات معينة تخدم الهدف في الإلتزام الذي لا يمكن أن يكون بقرار سياسي فوقي لأنه يجب أن ينبع من ضمير المبدع، واللافت أنه منذ انحسرت موجة التعبير الحرّ عن الحياة، بدأت الظروف تقسو على كل موقف إرادي صادق، وعلى هذا النحو، فإن مأساة الإنحطاط تتمثّل في إعفاء الإرادة الإنسانية من كل التزام... وكان الإنهيار ثمرة التنكّر لمأساة الواقع والتخلّي عن الإلتزام... ولكن هذا لا يعني أبداً فرض إلزام معين على الأديب كان يُطلب منه أن لا يخوض غمار الكتابة عن حديث الشعر مثلاً، وعلى الفنان عدم إتباع المدرسة التكعيبية أو التجريدية في الرسم.. هنا نرى بكل وضوح إن الإلزام لا يساهم في تطوّر الإبداع والعطاء على أنواعه.. فأيّ هدف يخدم الإلزام حين نفرض على المبدعين منهجية معينة وأسلوب ما، يحوّله الى دمية وفي أحسن الأحوال الى موظف كسول ينتظر وصول المعاملات الرسمية فيمهرها بتوقيعه دون أن يترك عليها أثراً لبصماته ووجهة نظره، والإلزام هنا يشكّل خطراً يجب مواجهته وفضح من يقف خلفه، لأنه يفرض أفكاراً معيّنة، هذا مع العلم أننا نملك أدواتنا المعرفية وقادرون حتماً على تطويرها ما دمنا نملك الحرية وهي المحرك الأساسي لكل إبداع.. صحيح إن واقعنا يعيش مرحلة اختبار وانتقاء وضياع في اختيار أهدافه والطريق التي سيسلكها لإثبات وجوده، ولكن فرض النماذج المتنوّعة عليه لا يخدم الأهداف البعيدة، لأن تعطيل العقل يمنع تميّزه ويحوّله إلى خيال لآخر فُرض عليه تقليده، مع العلم أنه يملك كل المؤهلات العلمية والثقافية والحضارية التي تخوّله لأن يساهم في النهضة التي تشهدها الإنسانية على جميع الصعد.