14 تشرين الثاني 2023 12:00ص الخروف الأسود

حجم الخط
كان مميّزا بين صفوف الخراف البيضاء، على الكنزة الحمراء، ذلك الخروف الأسود، تلك الكنزة التي كانت ترتديها الراحلة: الأمير ديانا، عام 1981، بعد وقت قصير من خطوبتها من الأمير تشارلز، وفق ما أعلنت دار سوذبيز، والتي سرعان ما تحوّلت رمزا للذوق الشعبي.
خروف صغير مثل سائر الخراف، مع فارق اللون، المرعى ذاته، والمعاناة ذاتها، والدخول والخروج والإنتظام في صفوف القطيع، والثغاء والبكاء، والجوع والأوجاع، والعطش وجفاف الماء، إنما هو واحد، إنما هو همّ جامع، إنما هو قاسم مشترك، لسائر خراف القطيع.. مع الإحتفاظ بفارق اللون.
خروف أسود، في قاعة الصف من المدرسة، ينتظم مثل سائر الخراف البيض، في الدرس، في الحفظ، في الخروج إلى الملعب، وفي الدخول إلى قاعة الإمتحان، في الإجابة على جميع الأسئلة، في التعثّر، في التلعثم، في التخبط، في الهدوء والسكون والولدنة، كل ذلك وأكثر.. مع فارق اللون.
خروف أسود، في صفوف العساكر، ينام مثلها، يحلم مثلها بوطن يسوده الأمن الإجتماعي، والأمن الغذائي، والأمن الإقتصادي. يحلم بوطن خالٍ من الحروب. يحلم بسماء ذات شمس وقمر وهواء ومطر، وليل ونهار وكواكب ونجوم، كل ذلك وأكثر.. لكن مع فارق اللون.
خروف أسود بين أخوته وأخواته، بين أشقائه وشقيقاته، في البيت، تحت سقف واحد، إلى طبق واحد، إلى مائدة واحدة، إلى رغيف واحد إلى ماء واحدة، إلى غرفة نوم واحدة، بأسرة متعددة، إلى أب، إلى أم، إلى رب، إلى دمية واحدة، إلى حلم واحد.. كل ذلك وأكثر لكن مع فارق اللون.
دجاجة سوداء أمام الخم، أمام القن، تنقد الحب وتحسو الماء، ترشفه، تعبّه، تسرح فوق المصطبات، تعتلي الأسيجة، تقاقي حين تبيض، وتقاقي أكثر حين تجمع صيصانها، تفزع إلى مخابئها، حين تداهمها الثعال، تفرّ من خوفها إلى خوفها، مثلها مثل سائر الدجاجات، في مجتمع الدجاج، كل ذلك وأكثر.. لكن مع فارق اللون.
رجل أسود، طفل أسود، أم سوداء، عم وخال وعمات وخالات، بعواطف تسيل على دروب المحبة نفسها، وبعواصف من نسيج أثوابها، وبتعب يومي، وبهمّ يومي، ووجع يومي، وفرح موسمي، نعم، هو كل ذلك وأكثر.. مع فارق اللون.
قارة سوداء، قارة سمراء، أشقاها لونها، مثل البجعة السوداء، تصوّبت كل البنادق إلى صدرها، وهي تطير، وهي في طريق العبور، وهي تحط، وهي تغط، وهي تقفز، وهي تنط، تريد أن تعابث حرمانها، تريد فقط، ملعبا لها. سؤال: لماذا، إلى صدرها كل هذي الفوهات؟ أما الإجابة عن هذا السؤال القديم الجديد، فيأتيها عاجلا: نعم.. وفقط.. لفارق اللون.
خروف أسود بين سائر الخراف، عقدة كل هذه الأقوام.. تعالوا لننتصر على عقدة اللون، على عقدة فارق اللون!.. تعالوا إلى الصلح، إلى التصالح.. فكل الخراف خراف.. فلماذا إذا، عقدة الخروف الأسود؟!
تلكم هي حكاية الخروف الأسود، الخروف الأيقونة، أيقونة كنزة الأميرة ديانا، التي إرتدتها، فأردتها.

أستاذ في الجامعة اللبنانية