بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 كانون الأول 2017 12:00ص الدكتور سراج في كتابه «الخطاب الاحتجاجي»: تجرّأ منتجو الشعارات على اللغة باللغة

حجم الخط
وقّع الدكتور نادر سراج في معرض بيروت الدولي للكتاب، كتابه الجديد «الخطاب الاحتجاجي - دراسة تحليلية في شعارات الحراك المدني»، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، مضيفاً غنىً للمكتبة العربية، وطارحاً موضوعاً يندر تناوله.
الدكتور سراج، أستاذ اللسانيات الاجتماعية في الجامعة اللبنانية والفائز بجائزة «أهم كتاب عربي للعام 2013» من «مؤسسة الفكر العربي»، يُعرّف نفسه: «باحثٍ أضحت اللسانياتُ شغلَه الشاغل ومجالَ عمله ومبرّرًا لوجوده». وقد أخذ على عاتقه في نتاجاته المختلفة أن يكشف جانبًا من المسكوت عنه في لغة المجال العام، كما يؤكد اهتمامه بمسائل تحليل الخطاب الذي أمسى «خبزه اليومي»؛ أكان التفافيًا وتحايليًا (خطاب الرشوة 2007)، أم تواصليًا شبابيًا (الشباب ولغة العصر 2012)، أم اعتراضيًا ينايريًا مصريَ الهوى (مصر الثورة في شعارات شبابها 2014)، أم احتجاجيًا مدنيًا لبنانيَ الوسمِ والنكهة (شعارات الحَراك المدني اللبناني 2017). 
يرتكز الكتاب على أطروحة فكرية ولسانية متكاملة على صعيدي الرؤية والمنهاج. لذا رصد الكاتب الديناميات التعبيرية المبتكرة التي أنتجها المجتمع المدني اللبناني، وطورها بين العامين 2015 و2016، للتعبير عن غضبه من تردي الواقع البيئي (تعثر معالجة أزمة النفايات المتراكمة في الشوارع)، ومطالبته بالمحاسبة وتوقه للتغيير السلمي؛ متناولًا الجوانب التعبيرية للمشهد الاحتجاجي الشبابي في لبنان؛ التربة الثقافية المعروفة بالخصب والتنوّع. 
ولهذه الغاية حلل نماذجَ وافية وموثقة لمجموعة من خطابات الاعتراض الشبابية ونصوصها الشعاراتية، المكتوبة منها والمهتوفة والمدونة على الجدران، وتعليقاتها الساخرة المبثوثة على الأثير العنكبوتي. كما استقرأ في آنٍ الجوانب الإبداعية للمجازات اللغوية التي رصّعتها، بما فيها المبتكرات الاستعارية، المتداولة أو المتفرّدة، أو تلك المحيّنة والمُعدّلة. 
وكي لا يبقى في إطار العموميات، بيّن الدكتور سراج بالشواهد أن «الأداة اللغوية لم تقف حائلًا دون إيصال أصوات الاحتجاج التي رفعتها الحَراكات الشعبية التي تجاوبت مع ارتقابات مستخدميها؛ فأبدت مرونةً تعبيرية لافتة تجاه الديناميات المدنية الاعتراضية على السائد الاجتماعي، وأقدرت أبناء الضاد على تطوير أساليبهم التعبيرية وتعزيز حصيلتهم المفرداتية وابتداع صور بلاغية ناقدة وساخرة وغير مألوفة». 
وبيّن بالشاهد والمثال كيف «تجرّأ منتجو الشعارات على اللغة باللغة، وتخطّوا منظومات قواعد صوغ النصوص الشعاراتية، وأظهروا مسارات التباعد أو التقارب بين قوى المجتمع. فابتدعوا منظومة شعارات، ورسموا صورًا بلاغية مبتكرة لإيصال أفكارهم التغييرية، وتعديل أشرعتها الإبلاغية كي تترجم تطلعات جموع الساحات في بيروت والمناطق».
الدراسةُ التي نفّذها الدكتور سراج مع فريق عمل على مدى 12 شهرًا، اعتمدت على مدوّنة من حوالي اربعمائة شعار وهتاف، كما اعتمد على تحقيقات ميدانية ومسموعات ومشاهدات عينية علاوةً على استناده إلى مجموعة من المصادر والمراجع والمواقع (مطبوعة ومرئية ومسموعة وإلكترونية).
وتحقيقًا لهذه الغاية قام بدراسة شعارات وهتافات الحَراك الشعبي في لبنان، ليس فقط بوصفها نواة مدوّنة لغوية قائمة بذاتها، ورسائل احتجاجية مكتفية بذاتها، وعلامات بليغة المضمون ومكثّفة الشكل، وحقائق لغوية مُعاشة، بل باعتبارها أفعالًا اجتماعية عبّرت عن غضب الجمهور واستيائه المشروع، ورفعت مطالبَ جَماعية محقة، واحتضنت أفكارًا تغييرية المنحى. 
وقد عالجهما المؤلف في متن الكتاب وبيّن عبر نماذج منتقاة كيف استطاع الجمهور تحويل الشعار الاحتجاجي إلى فعلٍ «تغييريٍّ». وكيف تجرأ بكلمات وعبارات إيحائية المضمون والوقع ضمّنها شعاراته وهتافاته أن يكسر جداري الخوف والصمت، ويخرج بوضوحٍ من قيود الأحادية التعبيرية الأيديولوجية – بالمعنى الكلاسيكي- ويتجاوز من ثمّ مفهوم الثنائية المتقابلة (الزعيم/ الحزب، الحزب/الجمهور). فأحدَثَ ولا يزال يحدث تغييرات جذرية إن في علاقة الجمهور المنتفض والغاضب بالسلطة، وأساليب تعاطيه المتجدّدة مع خطابها الفوقي – أو الخشبي- أو في تحريك البنى الاجتماعية وتجديد المفاهيم الثقافية السائدة. 
وللحقيقة فالهدف المُبتغى الذي أفلح في تحقيقه الدكتور سراج هو تمكين القارئ المهتم من الاطلاع عن كثب على مظاهر وأشكال الدينامية اللغوية التي شهدتها البيئة اللبنانية خلال مراحل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة (2015-2016). والحَراك اللبناني أخذ على سبيل المقارنة، بوصفه أنموذجًا حيًا للحَراكات الشعبية التي أعقبت مرحلة ما اتّفق على تسميته «ثورات الربيع العربي».
وبكلمة، فهذا الكتاب الثاني له عن الشعارات العربية (بعد شعارات الثورة المصرية)، وهو يندرج ضمن الجهد المنهجي الذي يعتمده باحثنا اللبناني لرصد ومقاربة التحوّلات المعاصرة في اللغة العربية وفنونها البلاغية وتراكيبها ودلالاتها، مثلما في وظائفها التعبيرية والتواصلية. والحق يقال إنه تناول فيه ببراعة بحثية موصوفة دراسة حالة (المجتمع اللبناني)، مكّنته من التبصّر في كيفيات صوغ الجمهور المنتفض مفاهيمَ جديدة للواقع السياسي العام، وتبريرها وشرحها ورفعها في شعاراتٍ، والترويج لها، وارتقاب آثارها الارتدادية والنظر في حدود استجابته لمضامينها.