بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 تشرين الثاني 2017 12:07ص المحلِّلون السياسيّون ما عادوا إسماً على مسمَّى لأنهم يمثِّلون أطرافاً

وظهورهم المكثَّف يشحن الأجواء سلبيّاً ولا يقدِّم معلومة جديدة للمشاهد..

حجم الخط
يحصل تطور سياسي معين، محلي عربي أو دولي، فتعمد معظم المحطات للإستعانة بكتّاب في السياسة، أو محللين ومنظّرين من أصحاب الخبرة العاملين في المجال، من أجل توصيل شرح ما،أو الإضاءة على جوانب يفترض في راصد الأحداث أن يعرفها أكثر من غيره، لكن النتيجة غالباً ما تكون أن هذا الضيف ينطق بلسان واحد لطرف واحد مستبعداً الطرف الآخر أو الرأي الآخر بطريقة غير مقبولة، ولا تخدم الغرض الذي تمت دعوته من أجله.
قلة هم المحللون الحياديون في مواقفهم، الذين ينسون وهم على الهواء أسماءهم ومذهبهم ويُطلون بلباس الإنسان المهني الذي يدرك أن كلامه يصل إلى الملايين، المنوعين في صورتهم وتوجهاتهم وعقائدهم وبالتالي فعليهم أن يتّسموا بالحكمة والتوازن والمنطق حتى يبلغوا عقل وقلب المتابعين، وإلاّ فإن الغاية لا تبلغها المحطة من الإستعانة بأصحاب رأي، رأيهم مرهون لطرف معين، وحين يتحدثون يقاربونه بالحسنى ثم بالدفاع عنه ثم بالتأييد، بمنطق أو بعكسه.
والمشكلة التي نقع فيها دائماً، سببها المحطات نفسها، فمع كل حدث يتناول طرفاً يُؤتى بمحللين( لا تسمية أخرى لهم) معروفين بأنهم موتورون، يصرخون ويهددون بسبابتهم ثم بألفاظ خادشة لا تليق بوسيلة إعلامية مرئية، وإذا ما تطور الأمر قليلاً خلال النقاش، ينزعون أقنعة الزيف ويعودون إلى حيث تربوا إلى صورة الشارع ويشمرون عن سواعدهم لبدء ملحمة «داحس والغبراء»، وهات يا صراخ، ويا شتائم، ويا لكمات وركلات وتقاذف بكل ما طالته أيديهم من أدوات وأكسسوارات أستوديو.وبالتالي يفهم المشاهد من كل هذا أن الأمور «خربانة»، ولأن هناك جمهوراً على شاكلة هكذا ضيوف نجدهم تحركوا في شوارع باتت معروفة في العاصمة كما في المناطق الأخرى، وسرعان ما يباشرون لعبة الحرق والتكسير والعبارات النابية لأخصامهم في الطرف الآخر، ولأن الفاهمين الذين سلاحهم فكر وكلمة ورأي راجح غير حاضرين في هذه الفوضى تذهب الأمور إلى ما لا يقبله عاقل، أو مواطن يحب بلده ويخاف عليه من الخبثاء والجهلة.
بالمقابل نأنس لضيوف يحترمون المشاهدين ويمتلكون ثقافة بقدر كمّ التربية الوطنية في عقولهم وقلوبهم، أصواتهم خفيضة وهم يقولون ما يريدون من دون عصبية أو تهديد، يرفعون لافتة «قولنا والعمل في سبيل الوطن» ولا شيء غير ذلك مما يعكر صفو الصورة العامة في بلاد تأسست على التوازن والتنوع وإحترام الآخر، وأجمل ما فيها حرية القول والمعتقد شرط عدم المس بما للآخر من حقوق حتى نتجاوز كل القطوعات التي تعترضنا في يومياتنا، مع إدراكنا بأن هذا ليس سهلاً في بلد يتوسط لاعبين إقليميين يبحثون عن ربح عندنا على حسابنا وبالكاد هم راضون.
هناك مسؤولية واضحة تتحملها إدارات القنوات الفضائية التي تبحث عن مصالح معينة في دهاليز التأييد أو الرفض، من هنا يكون لسان حال الضيوف مرآة عاكسة لهذا المناخ مما يحوّل سادة التحليل(لم نستطع تفسير غياب السيدات) إلى ناطقين بإسم هذا الطرف أو ذاك، وكل ما علينا فعله ببساطة هو تغيير صفتهم من محللين إلى ناطقين بلسان هذا الحزب أو ذاك الزعيم، ويا تحليل إذهب إلى الجحيم لأن منتحلي الصفة باتوا ينكشفون سريعاً، ولم يعد بالإمكان حجبهم خلف أقنعة.
كل هذا يعني أن المحلل السياسي الحيادي والعارف بكل حيثيات الأزمات في الداخل والخارج، وصاحب الضمير المهني والحي، بات قليل التواجد، وهو غير قابل للحماية حين يتجرأ،كما أنه يدفع الأثمان وحده، حين تكون حساباته لا تشمل من وضعوا على خانة زمالته من الناطقين بإسم الأطراف الفاعلة على الأرض.