بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 شباط 2024 12:00ص «المشبك» حلوى البيروتيين إحتفالاً بالنصف من شعبان

حجم الخط
الإحتفال بليلة النصف من شعبان لم يقتصر على الجانب الديني، بل كان يشمل أيضاً بُعداً إجتماعياً وتراثياً، تكريساً وترسيخاً لمبدأ التكافل والتعاضد بين الناس، وإدخال السرور والمحبة إلى النفوس...
ولكون هذه الليلة هي ليلة مميّزة ولها منزلة هامة، يحرص الكثير من الأهالي والشعوب على إحيائها وفقاً لما توارثته الأجيال عبر السنين، حيث تشكّل نوعاً من الترابط بين أفراد المجتمع، وإحياء للمورثات الثقافية الشعبية المتوارثة...
***
وقد تتشابه ليلة النصف من شعبان في بعض طقوسها وعاداتها بين بعض الدول والشعوب، فمن ضمن العادات التي يحرص عليها الشعوب في بعض الدول العربية، قيام الأطفال بارتداء الأزياء الشعبية للبلاد ويطوفون في الشوارع والطرقات، ويرددون الأهازيج وتوزع عليهم الحلوى والمكسرات والألعاب لإدخال البهجة والسرور والفرح عليهم.
وتتعدد أسماء ليلة النصف من شعبان مع تشابه عادات الإحتفال بها من دولة لأخرى.
***
ففي بيروت إسوة بباقي المدن العربية، فإن لإحتفال بليلة النصف من شعبان لم يقتصر على الجانب الديني، بل كان يشمل أيضاً بُعداً إجتماعياً لا زال البيروتيون يتمسّكون به حتى يومنا هذا، وهو يتمثل بصناعة حلوى «المشبك» التي يتناولونه خصيصاً في مناسبة النصف من الشعبان، إحتفالاً بها، حتى بات عادة إجتماعية تراثية، تتجدد كل عام، للتعبير عن تعظيمهم لهذه الذكرى المباركة، وتعبيراً عن فرحتهم بها.
و«المشبك» هو كناية عن سميد وسكر وخميرة ويوضع قالب العجينة في مكبس مخصص، قبل تغميسه بالزيت المغلي، ثم تصفية الزيت وإضافة القطر البارد إليه.
وإعتماد «المشبك» في هذه المناسبة، إعتقاداً بأنه يرمز إلى صلة الرحم والتكافل الإجتماعي بسبب تداخل الأشكال الدائرية والألوان في القطعة الواحدة منه. لذلك يُحرص على إهدائه للأهل والأقارب والأصدقاء والجيران وتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، للتعبير عن تشابك أواصر القربة وتوطيدها فيما بينهم، وتعميق مفهوم التكافل الاجتماعي فيما بين مختلف الفئات الاجتماعية.
***
• أصل «المشبك»:
تعددت الروايات واختلفت عن تاريخ حلوى «المشبك» وأصولها، حتى أن البعض ذهب إلى أن أصلها هندي، لأنه يوجد في الهند صنف من حلوى يسمّى «جليبي» شبيه إلى حد كبير «بالمشبك».
لكن المرجح أن هذا النوع من الحلوى هو من أصول تركية، اشتهرت إبان حكم العثمانيين، حيث ترجع أصول «المشبك» التي تختلف تسميتها من بلد لبلد، فتسمّى في عدد من البلدان بـ «الزلابية» أو «القريوش» أو «الشباكية» إلى العثمانيين، الذين أدخلوا صناعتها إلى بلادنا أثناء فترة خلافتهم.
وتسمّى هذه الحلوى في تركيا حالياً باسم «الحلقة»، كونها تأخذ هذا الشكل. وتشتهر (Halka) في جميع المدن التركية، حيث تباع في الشوارع والأرصفة، وتعتبر من الحلويات الشعبية المشهورة في تركيا.
أما تسميتها في بلادنا بـ «المشبك»، نسبة لشكلها، حيث أنها تشتبك ببعضها البعض بأشكال دائرية.
***
• التوأمة بين «المشبك» و«الزلابية»:
نشير إلى أن حلوى «المشبك» هي نفسها حلوى «الزلابية» المشهورة في الدول المغاربية، إذ ثمة تنافس بين «الزلابية» التونسية و«الزلابية» الجزائرية التي تسمّى «الزلابية» بوفاريك، وتسمّى كذلك نسبة إلى مدينة بوفاريك.
أما عن أصل تسمية «الزلابية» فتختلف الروايات. فمنهم من يقول أن أحد التجار أمر طباخه بطهي الحلوى فلم يكن في المطبخ إلّا الزيت والدقيق فوضعها في المقلاة، وعندما رآى الحلوى المصنّعة غريبة الشكل قال: «ذلاَّ بيَّا»، أي أخطأت وإنسحب ما قاله إسماً لهذا الصنف من الحلوى وبقيت تعرف به.
وهنالك رواية تقول أن عبداً إسمه «زرياب» تجرّأ بعفوية في الوصول إلى بلاط الخليفة هارون الرشيد، وفتنه بموهبته الموسيقية، حيث شعر أحد أفراد الحاشية فهدّده بالقتل، ليهرب بعدها زرياب إلى الأندلس فنسج مسار فنها، فآبتسم له الحظ، وأنساه ماضيه، وأصبح إضافة إلى كونه موسيقياً مصمماً للأزياء ومبتكراً لقائمة طويلة من الحلويات التي تُوصف اليوم بالحلويات الشرقية وعلى رأسها «الزلابية» التي سُميت في البداية الزريابية على إسمه.
وقد وصف الشاعر إبن الرومي الذي يقلي الزلابية، فقال فيه:
رأيته سَحراً يقلي زلابيةً
في رقة القِشْرِ والتجويفِ كالقصبِ
يلقي العجينَ لجيناً من أنامله
فيستحيل شبابياً من الذهبِ
***
الزلابية ذكرت في أشعار الكبار، مثل ابن الرومي.. فقد سلبت هذه العجينة عقله، وشبّهها بالذهب، فجادت قريحته في وصفها:
ومُسـتـقـر عـلــى كـرسـيِّــه تَــعِــبِ روحـي الفـداءُ لـه مُنْـصَـبٍ تَــعِــب ِزلابــــــية رأيـتــه سـحــراً يـقـلــي في رقَّة القِشْر والتجويف كالقَصَبِ
كأنـمـا زيـتُـهُ المَـغْـلـيُّ حـيــن بـــدا كالكيميـاء التـي قالـوا ولــم تُـصَـبِ
يُلـقـى العجـيـنُ لُجيـنـاً مــن أنامـلـهِ
فيستحـيـلُ شَبابيـك مـــن الــذهــبِ
***

* إعلامي وباحث في التراث الشعبي