بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 شباط 2023 12:00ص المشهد الذهني حالياً هل يزجُّ بنا في حدث روائي؟

حجم الخط
لعب الوباء دوره في الخطاب الروائي خلال العصور السابقة، وما زال الزمن ينطق بعناوين هذه الروايات التي تجددت عبر الفيروس الكوروني الذي أطلّ علينا، بأكثر من معنى مخيف، وبلغز ذي عذاب نفسي كبير تشير أمواته إلى نوع من تصنيع ليس روائي، لكنه يحمل الكثير من المفاهيم الحياتية التي فرضها الإنسان على نفسه، كالتباعد والكمامة والمعقمات والحجر الصحي، وعبارات كثيرة تشير كل منها إلى الإحراج الذي وجدنا أنفسنا فيه مجرد أبطال قادرة على البقاء مع الأحياء، وبرغبة يصعب تحديدها، لأنها ضمن فيروس يصعب تحرير أنفسنا منه ما لم نجد تغيّرات حقيقية في مساره الغامض بمرور الوقت، وحقيقة تكوينه وماهيته وكيفية التصدي له، كأنه شخصية أساسية في رواية أبطالها نحن البشر الذي نعيش على أرض واقع تأصّلت فيها منغّصات العيش. فهل نحن في عالم كوروني إستثنائي حدّده الموت ضمن أخطر الأبطال الذي عرفناهم على مرِّ التاريخ؟ وهل المشهد الذهني حاليا يزجُّ بنا في حدث روائي هو تجربة بشرية كاملة لعصر ما بعد الحداثة حيث تغيّرت فيه الكثير من الأشياء التي عرفناها من قبل كالمعانقة والسلام والقُبل عند التلاقي؟ أم أن المدارس ستصبح بمقاعد طلابها في واقع افتراضي يجعلهم في عالم من معرفة يتحكمون بها ولا تتحكم بهم؟
تتشكل أطراف الوعي عند قراءة رواية ما كالطاعون الذي حمل صفات مرض هلك الإنسان، ولكن تبقى رواية يعيشها القارئ في الخيال السردي لروائي استطاع توصيل المغزى الطاعوني لقارئيه. بينما المشهد الذهني الذي يتكون حاليا هو لمستقبل يتغيّر تباعا، ويحثّنا على الإمساك بأطراف الوعي كي نشهد على حدث نحن من أبطاله أو من شخصياته، وهو بمثابة قاعدة لذاكرة تحمل في طيّاتها كل من أصابهم الفيروس، فتركهم من الأحياء المصدومين به أو من الأموات الذين دفناهم بصمت ودون شعائر الجنازات خوفا من أن نلتقطه، ويتلاعب بنا كروائي يختزل شخصياته بوعي استمدّه من عمق حساسية الحياة التي أسرفنا فيها على أنفسنا ونسينا فيها حاليا حتى النوم واليقظة وشهية السفر والسهرات والجلوس على مقاعد النوادي، والمسارح والسينمات، وحتى في البراري المفتوحة على طبيعة تشترك فيها الجماليات التي بات يفتقدها الإنسان. فهل يحاول المشهد الذهني الحالي تدجين الإنسان كي لا يهرب من مشهد ذهني هو رواية مكتملة كاتبها فيروس كوروني لم ينتصر عليه الجنس البشري حتى الساعة؟!
انتصار غامض تحققه القوى الكونية على الإنسان، فتضع له القيود الصحية، لتشذيب سلوكياته في عصر بدأ خارج من الزمن أو عصر لزمن جديد يكتبنا في رواية ذات مشاهد ذهنية تكوّنت من حدث واحد، لحاضر يتجدد اخترعه كورونا بفعل صحي هو أساس لمتناقضات فعلية لحركة الإنسان التي تم اختزالها عبر عدة أمكنة واقعية، وتعلقت في واقع افتراضي مؤثر ذهنيا على المشاهد التي ترتسم، وتترك بصمتها في رواية تجري أحداثها أمامنا، وتتركنا في حالة من الوعي الذي يجعلنا نحافظ على البقاء، لنكون من ضمن شخصيات تتقلص وتنكمش، وتصبح في مشهد مفتوح على عدة نهايات تقودنا كل نهاية الى رواية قرأناها في عصر سابق، ولكنها متخيّلة من روائي لا يتنافس معه الوباء الحالي بل تركه في صدمة أمام المشاهد الذهنية التي تكوّنت أمامه في تقنية هي روائية تنتمي لما بعد الحداثة أو بالأصح تنتمي لعصر يموتون فيه الأبطال، لتبقى الشخصيات الاستثنائية في كرة زجاجية يتلاعب فيها فيروس تشعوذت معه الرؤية أو الأحرى فتح المشهد الذهني على مداه لاكتشاف الكثير من الحقائق التي لم نكن لنراها من قبل، فهل نحن حاليا أمام رواية مصورة ستكون في مستقبل مجهول؟