بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 أيلول 2023 12:00ص المواجهة النارية

حجم الخط
أصابت النيران هذا العام، غير دولة في العالم، غير قارة، غير جهة، غير ولاية، هبّت النيران دفعة واحدة، هذا الصيف، على جميع قارات الأرض، ألهبتها، أحرقتها، هجّرت سكانها بالملايين، أحرقت ما أحرقت من مدن ومن غابات ومن أرضين، ولم تنسحب بعد، لم تنحسر بعد، ولم يتعظ الحكام، لم يتعظ أصحاب المال والنفوذ والقرار.
دخل العالم كله، في مواجهة نارية مع غضب الطبيعة هذا الصيف. قسم تأكله النيران، وقسم تغرقه السيول، ويغرقه الطوفان. وحكام العالم، بل حكام البلاد المنكوبة، يتلهون بجمع الثروات، بحماية مكاسبهم، بالإفادة مما تتركه لهم السيول والزلازل والنيران، من فحم ومن حجر، ومن حطب، ومن أرض يباب، بل من أرض خراب.
حكام العالم الذين ينامون كل يوم على الفواجع في بلدانهم، لا يرعوون من غضب الطبيعة، بل نراهم يفتحون الجبهات الأخرى للنيران. يضرمون النيران مع جيرانهم. يضرمون النيران في بيوت جيرانهم.. ليس لصيف واحد، بل لسنوات طويلة مديدة، ليربحوا في المضاربات.
ترى النيران تشتعل منذ أعوام بين روسيا وأوكرانيا، تأكل الأخضر واليابس، تجعل المدن ركاما، تهجّر السكان عراة، إلى المواطن الآمنة. وربما ترميهم وتشرّدهم في الطرقات، وتجعل لهم المخيمات التي تقيهم الهجير والنار والبارود، والقصف والعصف، وما يستتبع ذلك من الإعتداءات، وما يراكم عليهم ذلك من ثروات.
المواجهات النارية، تبلغ أشدّها اليوم في السودان، بعد معركة المدرعات، بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأشدّ منها، ما يجري في سوريا وفي تركيا وفي العراق وفي لبنان.. ولا نريد التذكير بالحرب الفلسطينية/ الفلسطينية، في المخيمات، التي أحرقتها، وطالت الأماكن الآمنة منها، بل ما طالت من المدن، و من قرى وبلدات الجوار.
نيران تحت الرماد، ونيران فوق الرماد، في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، نيران تنذر بالإشتعال، على الساحل السوري، وفي الداخل أيضا، وفي البوادي، وعلى الحدود من كل الجهات.
ترى طيران الأعداء والغرباء، تعاقدوا معا في السماء العربية، لا يغادرونها لا ليلا ولا نهار، تعربد طائراتهم فوق المدن السورية، وفق المدن اللبنانية، وفوق المدن العراقية، وتدخل البلاد كلها، في مواجهة نارية لا ترحم، أين منها، حرائق المدن والغابات؟! بل أين منها السيول الجارفة، التي لا تبقي ولا تذر، في كل الأنحاء، وفي جميع الجهات؟!
ليس في الأرض اليوم إلّا النيران، تحاصرنا، من غضب الطبيعة وشرورها، إلى غضب الإنسان وشروره. والسؤال المشروع اليوم، بعد مقتل فاغنر، وتحطّم طائرته بعشرة من قيادييه: من سيقود المواجهة النارية من بعده، في أفريقيا، وفي أوكرانيا، وفي جميع البلدان المشرعة للنيران، بل من يستثمرها من بعده، بل من يطبخ السم ويأكله في آن؟
سؤال في وجه، كل مواجهة نارية، من حرائق قبرص واليونان وكندا وأستراليا وأفريقيا وهاواي، حتى حرائق دمشق الليلية.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية