بيروت - لبنان

27 حزيران 2023 12:00ص بطرس البستاني في كتاب المعلّم إن حكى!

حجم الخط
ما عسى أن يحكي المعلم بطرس البستاني، حين تعتمل اللغة في خاطره، حين يقف على شفا جرف عظيم، هو التاريخ. حين يجول بعينيه، على نسر، على غابة أرز، على جبل، إسمه لبنان. ما عساه يقول ذلك الشيخ الجليل، الذي إسمه قرين عصر بأكمله. قرين كل العصور الأدبية، التي غامرت في اللغة، غامرت في العربية، غامرت، وظلت تغامر حتى حبلت بالمعلم، حتى أبدعت المعلم بطرس البستاني وأبدعها.
كتابه الأخير، الذي صدر له بعناية الأستاذ سليمان بختي، يشهد لهذا العالم النحرير، أن العربية طوع بنانه، وأن ما كان مجهولا منها، صار على يده كالشمس، وأن ما كان مأمولا منها، صار ملء صدور الأجيال، علما ومعرفة وطواعية وأستساغة، مثل خبز طازج، يخرج لتوّه من الفرن، فرن الذات: (المعلم بطرس البستاني. خطبة في آداب العرب. تقديم وعناية سليمان بختي. دار نلسن. رأس بيروت2023).
ما عساه يكون، هذا العلّامة الفهّامة، كما يصفه القدماء، إن حكى، ما عساه يكون، حين يكون حبيس مجالس العلم، حين يكون أنيسها، حين يكون ناسك المحاريب وقديسها، حين يكون سادن كعبة العربية، يشقى لكي تظل مشرقة، يموت كل يوم، لتحيا. قصرت صفحة الغلاف عن قامته، وأوفت خطبته في آداب العرب، أحياها الصديق الرائد الأستاذ سليمان بختي، في الذكرى المائة والأربعين لوفاته، فما نسى. قال فيه منوّها، على صفحة الغلاف، بعد مقدمة مستفاضة، معدّدا بعضا من مناقبه التي يعجز المرء عن إحصائها:
«وحده المعلم بطرس البستاني: 1819-1883 بين أعلام النهضة وأركانها، يليق به لقب المعلم إستحقاقا، لأنه كتب وعمل ونفذ وكان مثقفا عضويا، قبل أن يخبرنا أنطونيو غرامشي (1891-1937) عن المثقف العضوي وعن تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة. وعمل كل ذلك بروح الحب، بروح الرسالة، بروح حب الوطن من الإيمان».
كتاب «خطبة في آداب العرب» يقع في تسعين صفحة تقريبا، وهو يشتمل على مقدمة، صنعها له الأستاذ سليمان بختي، وصنع كذلك، سيرة المعلم بطرس البستاني وأعماله ومؤلفاته. ثم ينتهي الكتاب، إلى عمل المعلم: «خطبة في آداب العرب». وقد جعله صاحبه في ثلاثة أقسام:
بدأ بقوله: «أيها السادة،
الموضوع آداب العرب وإن شئتم فقولوا علوم العرب أو معارف العرب. ولكن قبل الشروع في الكلام على هذا الموضوع الذي ينبغي أن يكون لذيذا ومفيدا لكل من له رغبة في الوقوف مدققا على حقائق الأمور، يلزمنا أن نذكر بعض قضايا نظير مقدمات له، وذلك على وجه الإختصار فنقول:
أولا أن العلوم من شأنها النمو بالتدريج كالحيوان والنبات...
 ثانيا إن العقل البشري، إنما يحصل العلوم بواسطة الحواس على سبيل التعلم والإستقراء، ومن شأنه أن لا يسع أمورا متضادة في وقت واحد...
ثالثا لا بد للعقل من وسايط إسعافية خارجة منه، لإكتساب العلوم... وبأن وصول أجدادنا إلى أعلى طبقة من العلوم لا يجعلنا علماء، ولا يوجب لنا حق الإفتخار إذا لم نكن نحن أنفسنا كذلك».
1- القسم الأول: في حالة العلوم بين العرب قبل ظهور الإسلام.
2- القسم الثاني في حالة العلوم بين العرب والإسلام.
3- القسم الثالث في آداب العرب هذه الأيام.
قدّم ملخص هذه الخطبة إرتجالا بحضور عمدة للخطب، وأمام محفل حافل من إفرنج وأبناء عرب في بيروت وذلك في اليوم الخامس عشر من شباط 1859.
ويقول المحقق: إن الخطبة منقولة عن النص الأصلي الموجود في مكتبة يافث التذكارية التابعة للجامعة الأميركية في بيروت.
كذلك يقول الأستاذ سليمان بختي، مذيّلا الغلاف: «تحية إلى المعلم بطرس البستاني في الذكرى الـ140 لوفاته. الذي فعل كل ما فعل، وهو فيض غزير. وكان سؤاله الدائم: كم يفيد هذا العمل وطني ومجتمعي وبلادي. لذلك عاش للجهاد مضاعفا ولا مسّه غياب. وإرتقى من بُعد مكاني إلى بُعد رمزي، يختصر بنهضة الوطن وأهله إلى الدور المرموق والآفاق الجديدة».
ومن عناوين كتب المعلم، بحسب تسلسل صدورها:
1- في تعليم النساء خطابة. 2- في آداب العرب، خطابة. 3- كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان. 4- شرح ديوان المتنبي. 5- في الهيئة الإجتماعية والمقابلة بين العوائد العربية والفرنجية، خطابة. 6- نفير سورية. 7- خبرية أسعد الشدياق. 8- كشف الحجاب في علم الحساب. 9- روضة التاجر في مبادئ مسك الدفاتر. 10- كتاب بلوغ الإرب في نحو العرب. 11- مصباح الطالب في بحث المطالب. 12- مفتاح المصباح في الصرف والنحو للمبتدئين. 13- محيط المحيط. 14- دائرة المعارف.
في القسم الأخير من خطبته، نادى المعلم، على أهل المجتمع، مستنضا، فقال:
«فيا أبناء الوطن، يا ذرية أولئك الأفاضل وحفدة معاشر السريان واليونان، الممتطين سنام الجيل التاس عشر، جيل المعرفة والنور، جيل الإختراعات والإكتشافات جيل الآداب والمعارف، جيل الصنائع والفنون، هبّوا، إستفيقوا، إنتبهوا، إستيقظوا.. شمّروا عن مساعد العزم. ها الآداب واقفة من كل جهة على أبوابكم، تقرع طالبة الدخول إلى جبالكم الشامخة البهية. وأوديتكم وسهولكم وصحاريكم التي زيّنتها الطبيعة بحلاها الفخرة»...
ثم ينتهي ليقول: «ولا يخفى أن ذلك، مع إمتداد المتجربين العرب، وإختلاطهم بشعوب متمدنة، وإزدياد عدد المطابع والدارس.. وإنتظام حالة المجالس والمحافل... والإنتباه إلى تعليم النساء، وعلى الخصوص في هذه المدينة التي كانت في الأزمان السالفة، مرضعة للفقه... مرضعة للآداب... وأملنا بأن العلوم ستمتد بين أبناء العرب. وتملأ ديارهم، وترجع إلى رونقها القديم. وبأن هلال الآداب الذي ولد في أواسط الجيل التاسع عشر، سيصير بدرا».
هذا لعمري، هو المعلم بطرس البستاني، إبن بلدة الدبية، إن حكى...

أستاذ في الجامعة اللبنانية