بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تموز 2022 12:00ص حبر أحمر

حجم الخط
إنتهت المرحلة القاسية، مرحلة الإنتخابات النيابية.. وابتدأت المرحلة الأقسى، مرحلة ما بعد الإنتخابات النيابية. وهذا هو المشوار الإنحداري الأصعب الذي يقطعه لبنان، على المفترق الإقليمي، والمفترق الدولي، الذي نشهده في أوكرانيا.
هذا بنظرنا هو الأقسى، بل هو الأمرّ والأصعب. صار جميع النواب في المجلس الجديد: القدماء منهم، والجدد على المحك. لم تعد هناك مساحة فائضة للسجال اليومي، إلا إذا عدنا إلى السجال في المربع الأول: السجال على «سلاح المقاومة».
في زمن قرقعة السلاح والتهويل، واللهاث وراء التحالفات الإقليمية والدولية، على اللبنانيين أن يحفظوا رؤوسهم، وهذا من مصلحة جميع القوى، ومن مصلحة جميع الأطراف. فلنذهب اليوم، بعد جفاف رغيف الفقراء، وجفاف الوقود، وجفاف السيولة، وإرتفاع سعر الصرف، والمضاربة على الليرة اللبنانية، أقول فلنذهب فورا، لتجاوز القطوع جميعا، ولنعمل يدا واحدة على تأمين المصلحة العامة لجميع المواطنين. وليكن عنوان هذه المرحلة: تأمين الرغيف وشمعة الكهرباء. ولنلتفت بعد ذلك، لتنظيف الطرقات، ورفع النفايات ومعالجتها، وتأمين مياه الشفة إلى بيوت الناس. فهذا وحده يستحق، أن يكون عنوانا، يعمل على تحقيقه المجلس الجديد.
دعوا إذا، السلاح في مخابئه السرية، فلا حاجة لنا لتكبير الحجر، لأن هذا الحجر، إذا ما تدحرج و«حطه السيل من عُلٍّ»، يصبح كجواد إمرئ القيس، لا طاقة للبنانيين عليه، فقد جاء في ظرف إقليمي ودولي، ولندعه يذهب في ظرف إقليمي ودولي. لأن اللبنانيين واعون جيدا، لما تفعله بهم الظروف الإقليمية والدولية، إذا ما تحركت الآلة العسكرية، لأنهم عجموا عيدانها كلها، وتذوّقوا فيها طعم المرارة والخسارة على حد سواء، وتركوا لشأنهم يديرون أزمتهم، بلا رحمة ولا شأفة من أحد، حين يلعلع الرصاص، وتصير كل صرخة عليهم.
ندعو إذا، إلى الهدوء والتروّي، في هذه المرحلة القاسية. ذلك إن العسكرة قد نقلت مركبتها، وجعلتها في مكان آخر، مع ما تحتاجه من تمويل حربي، ومن ضخ ومن سيولة، ومن دعم لوجستي. ولهذا لا نجد للبنان مصلحة، في هذة الآونة الحرجة، إقليميا ودوليا، أن ندحرج الحجر على رؤوس اللبنانيين، في أسوأ ظرف يمرّون به، وليس بين يديهم، ما يسدّون به رمقهم، وليس لهم، ما يقيمون به حياتهم الطبيعية: في الرغيف والدواء والماء والمحروقات. فكل من يدعوهم إلى الواجهة، والذهاب إلى متاريس الجبهة غير المدنية، فهو لا يتجنّى عليهم وحسب، بل يجني عليهم وحسب.
لبنان لا يحتاج إلى تقديم الحرب على السلم، ولا يحتاج إلى تقديم السلاح على الرغيف والكتاب.. فلندعْ السلاح في «مخابئه السرية»، ولنباشر العمل منذ اليوم الأول بعد الإنتخابات، بكل جدّ ونشاط ومثابرة، حتى نردّ عن الناس غائلة الجوع والفقر والقرّ.. وحتى نزيل المتاريس وجدران الفصل الوطني، من أمام مجلس النواب، في ساحة النجمة، من حول السراي الحكومي، ومن حول السور المضروب حول القصر الجمهوري.. فلنزل الأسوار الإسمنتية، من حول جميع السرايات، ولنشرع الأبواب أمام المجلس الأمة الجديد، فيكون ذلك أول الغيث، من النواب الجدد. ويسجل لهم اللبنانيون جميعا آنئذ، قدومهم السعد، والتموضع تحت قبة البرلمان.
فالناس سواسية في هذه الحاجات الملحّة، خصوصا في زمن الحصارات الإقليمية والدولية. وعلى «برلمان لبنان-2022»، أن ينظّم نفسه، ويشدّ عزمه، وينطلق لتأمين المصلحة الأمنية، والمصلحة الإقتصادية، للبنان، ونسيان «سلاح المخابئ السرية»، في هذا القطوع الإقليمي والدولي. حيث نمرُّ اليوم، في ممر شديد الضيق، من الصفيح الساخن والشاحن لكل ألوان الصراعات.
الناس يحتاجون اليوم، لأن يروا ورش العمل تنتشر، في بلدهم، من شماله إلى جنوبه.. فهم يحتاجون إلى شمعة نور وقطرة ماء.. وليس إلى «قرقعة السلاح».
هذه الكوكبة من النواب الجدد، التي حملتها «ثورة17- تشرين»، إلى قبة البرلمان، يجب أن تبرهن عن تطوعها للعمل ليلا ونهارا، لإثبات جدارتها في مغالبة الفقر والعوز والحصار، بالإضافة لتصويب البوصلة، في محاربة الفساد والمفسدين، وفي متابعة الملفات العالقة، في عجلات الدولة، والتي تعيق حركتها وتحرفها عن مسارها الصحيح.
هذه الكوكبة من النواب الجدد، الذين أمضوا عمرهم منذ ثورة 17- تشرين، يكتبون على بوابات وجدران وأرصفة مجلس النواب، بـ«الحبر الأحمر»، الذي أخذوه، من جروح اللبنانيين، آن لهم أن ينطلقوا اليوم، لتحقيق الأحلام الوردية للبنانيين، في السلام والبحبوحة والعيش الكريم، ريثما تمرُّ عاصفة الإقليم.

أستاذ في الجامعة اللبنانية