19 تشرين الأول 2023 12:00ص حجر الياقوت

حجم الخط
 ما كنت أعرف معنى الزرقة الشديدة، ما كنت أتذوّق جمالها. ما كانت تشدّني إليها، لو لم أرها واجمة في صفحة السماء، فوق قمة عروبة، في جبل القموعة، وتحتها السهل الأفسح، السهل الأفيح، بحوافيه، من الشربين والبلوط والسنديان والبطم والطيون والعليق الأسود والأحمر.
ما كنت أعرف معنى هذه الزرقة الخالصة، ما تذوّقت عيناي ولا تذوّقت نفسي مثلها في حياتي، وأنا أنظر إلى مثل حجر الياقوت المعلق، في كبد السماء. كنت أظن أن حجر الياقوت، مقلعه من الصخر، حتى رأيته بعيني مقلع السماء الزرقاء الشديدة الحلكة، تنعكس حلكتها على الزهور والورود. فترى ظلال الياقوت على الأصفر والأحمر والأخضر. ترى حجر الياقوت، من ثريا عملاقة دهرية، معلقة في السماء فوق قمة جبل عروبة. ترى في سماء قمة عروبة، مقلع أحجار الياقوت، تحفّ به الغيوم البيضاء، تحف به الغيوم السوداء، تحف به الغيوم الحمراء، في الشفق، كما في الغسق، فتخضل النباتات كلها، تخضل الأشجار، تخضل الصخور والأحجار، يخضل الحصى والتراب، ويسيل الياقوت في الينابيع، جداول، جداول، يثرثر، يكركر، يفقش ضحكاته، على المنحنى، على المنحدرات، ويصبّ دموعه السماوية الزرقاء، في محاجر ذلك السهل المشتهى، سهل القموعة الأفيح، في عز شهر أيلول.
ما كنت أظن أن حجر الياقوت، مقلعه من كبد السماء فوق قمة عروبة، حتى رأيته بنفسي، مصاغا بشالات الغيوم، لسماء عروبة، أعجوبة صياغة الياقوت. ليست أرض عروبة هي الأعجوبة، وليست أحجار وصخور عروبة، هي الأعجوبة. ليست غابة العذر، ولا غابة الأرز  ولا غابات الشربين والعفص، ولا المنحدرات التي تقص الروايات، ولا الوديان التي تشهق لها النفوس، ولا سهل الأزاهير من كل الأنواع ومن كل الألوان، في سهل القموعة. ليس كل ذلك هو الأعجوبة، لأن أعجوبة القموعة، أعجوبة السهل والجبل، أعجوبة عروبة، أعجوبة قلعتها الدهرية، إنما هي من نسيج الأعاجيب، التي نسجتها أعجوبة حجر الياقوت، في كبد الكتاب السماوي الأزرق، في سماء قمة عروبة.

أستاذ في الجامعة اللبنانية