بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آب 2022 12:00ص حيتان السرقات

حجم الخط
الحيتان الضخمة في المحيطات، وفي البحار وفي البحيرات وفي الأنهار، تعيش على السرقات. تتبع المصائد المنصوبة لصيد الأسماك، فتسرق الأسماك منها. تتبع خطى الصيادين، تتبع مراكبهم عن بُعد، بحذر. تغمض منها عينا فوق الماء، وتفتح منها عينا تحت الماء، ثم تغافل الصياد، تنقض على مركب الحمولة العظيمة من السمك، فتسرقها في غفلة عن أصحابها، دون أن يدروا بها. ترصد سراق الحيتان العظيمة الصيادين وشباكهم ومراكبهم. تتقدم خفية مثل لصوص الليل، تتقدم في ساعات الغفلة، غفلة البشر عن المراكب وعن الشباك، وعن بيادر الأسماك، ولو كانت على أرض الشاطئ في اليابسة. تستعمل أسلوب التضاؤل والتخفّي والتمويه. فريق منها يراقب، فريق منها يتقدّم للسرقة، يجوس الماء، يسبح فيها مثل اللص، مثل غواصة الأعداء. عندما يعمّ الليل المكان، تستهدي بالرائحة، تحمل ما تستطيع حمله من الأسماك، تهرب بها إلى خبيئتها، إلى مكان لجوئها، تقدّمه لصغارها من الحيتان التي لم تتعلم بعد فن السرقات.
الحيتان الضخمة في عرض البحار، وفي عرض المحيطات، يعيشون على الغزو والسرقة. تغزو الحيتان الأحواض العظيمة، حيث تترعرع الأسماك العظيمة، حيث السمكات السمان. ترسل منها حوتا لصا.. حوتا، يتقن فن الإستطلاع وفن الإستكشاف، والتمويه، والغوص. يتقن فن التخفّي عن السمك السارح في الأحواض. يتقن فن التخفّي عن الصيادين، عن عموم البشر. فإذا ما اهتدى، إلى حوض أو إلى مركب صيد بحملة وازنة عاد إلى جماعته، ثم عاد بفرسانها اللصوص، من الحيتان، التي تتقن فن الانقضاض والسرقة في آن، وفن الهروب عن أعين الصيادين، عن عموم البشر، عن عيون الناس.
ليست هذه هي المسألة، فأهم خصلة عند الحيتان العظيمة الضخام، هو التخصص في فن سرقة الأسماك من البشر. فمن بين جماعة حيتان البحار والبحيرات والمحيطات والأنهار، هناك الحيتان الشرسة، وحيتان السرقات. وكما تعلّم الحيتان الشرسة أبناءها فن القتال والحرب والانقضاض، وفن مهاجمة النّاس، فإن حيتان السرقات، تعلّم أبناءها، وكل من يلتحق بها من الحيتان الناشئة، لا فن صيد الأسماك وافتراسها، وإنما فن سرقة الأسماك من الناس. يأخذ الحوت الماهر في السرقات أبناءه، يجعلهم حوله، يعلّمهم طريق تقصّي أثره. يعلّمهم طريقة إتباعه. يدرّبهم على خوض معركة السرقة. يعلّمهم الحذر، والاستطلاع والتخفّي، والتظاهر بالغفلة والنوم. ويظل ينتظر، يسهر طوال الليل، بلا نوم، لا تغفل له عين عن الرصد، عن المتابعات.
الحيتان من السراق، يعرفون الأماكن ذات السمك العظيم، مقصد الصيادين، مقصد مراكب الصيادين، مكمن نصب الشباك والفخاخ. ولهذا، فهم لا يغادرونها. فإذا ما شعروا بالعجز، بالتعب، بالمرض، بالشيخوخة، أو بقرب الأجل، أرسلوا أبناءهم بدلا عنهم، يتتبعون الناس ويسرقون منهم السمك، من دورهم، من بيوتهم، من خزائنهم.. يسرقونهم، يستلبونهم، ولو في الطرقات.
حيتان السرقات، متخصصون بحياض الأسماك، يرقبونها، يراقبونها، يحرسونها لهم ولأبنائهم من بعدهم، يقاتلون سائر الحيتان إذا ما اقتربوا من «أملاكهم»، من «أرزاقهم». يقيمون معارك ما أنزل الله بها من سلطان، لأجل سرقة من السرقات.
حيتان السرقات، يستنفرون جماعاتهم، لأجل الدفاع عن مكتسباتهم بلا هوادة. لا يهادنون خصومهم من السراق. يهددون ويتوعدون. يقيمون الأرض ولا يقعدونها، لمجرد تفكير بعض سائر الحيتان، بسرقة الأحواض التي يرصدونها.
حيتان السرقات في الأحواض وفي المجمعات وفي المجتمعات وفي البلدان، يحرصون على سليلتهم كلها بالعيش على السرقات، لا يفكرون بأي عمل آخر خارج السرقات، ولو تحت أعين الناس.

أستاذ في الجامعة اللبنانية