بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تموز 2023 12:00ص د. ظافر الخطيب وسوسيولوجيا الغربة الفلسطينية

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
 يقتضي البحث في سوسيولوجيا الغربة، ملازمة أمرين أساسيين: التخويض في حياة الشعب، والتخويض في الزمان والمكان معا. بذلك يمكن الوقوف، على الحقيقة العمياء، على الحقيقة المجهولة، على الحقيقة المطمورة، في ثياب الناس، وفي تلابيب الزمان والمكان. إذ إن علم السوسيولوجيا، إنما يشتغل على كشف الحقائق، على مكاشفتها، على جعلها بقعة ضوء، بدل أن تظل في العتمة، في الظلام.
كتاب: (د. ظافر الخطيب. الغربة الفلسطينية. دار نلسن. رأس بيروت. 2023: 194 ص.)، إنما يميط اللثام، عن وطن مهجور، وعن شعب مهجر، عن وطن محتل، وعن وطن تحت الإحتلال، عن غربة قاسية حلّت على شعب، في الزمان وفي المكان، دفعته عنوة للموت على حدود الوطن، للموت في داخل الوطن، للموت، خارج الوطن.. دفعته عنوة، للبحث عن موت وطن، حين سلت منه روحه، بدفع شعبه كله، مقيما ومهاجرا، تحت عنف الإحتلال.
يعود الأديب والباحث الإجتماعي، د. ظافر الخطيب، للحفر على جذور الغربة الفلسطينية، تلك التي يعرفها الناس العاديون، بالقضية الفلسطينية. نراه مهتما، بتعرية الحقائق الموجعة التي يتذوقها الشعب الفلسطيني، كل يوم، تحت الإحتلال، وفي بلاد المهاجر، في بلاد الشتات. يسلّط الأضواء على العذابات اليومية، التي تجعل الفلسطيني، يعيش دوما في الغربة القهرية: الغربة النفسية، الغربة الإجتماعية، الغربة الوطنية، الغربة الأسرية والعائلية، الغربة الفائضة عن أوجاع العالم كله، في الحروب، وفي المعاناة، وفي الهم المعيشي، والهم السكني، والهم التربوي، والهم الصحي، والهم الأعظم: هم حماية الشعب الفلسطيني، من الموت قتلا، كلما فكر بالعودة، كلما خطرت له خاطرة بالعودة، كلما كتب رسالة، ولو للهنود الحمر، يطلب منهم مؤازرته، في أخذ طريق العودة.
يقع كتاب «الغربة الفلسطينية»، في نحو من مئتي صفحة تقريبا، وهو يتكون من مقدمة عميقة (25 ص.) بقلم عبيدو باشا، وكذلك من إستهلال بقلم المؤلف نفسه، يشرح فيه الأسباب التي حملته على الكتابة في الغربة الفلسطينية، وعلى الإضافات التي أتى بها، وعلى الجوانب التي ضوأ عليها بالإجمال، ثم ينصرف لمناقشة العناوين الإثني عشر، التي وضعها، تلك التي وجد فيها مادة للحديث عن الغربة الفلسطينية، بحيث أراد أن يتم بحثا سوسيولوجيا، يكاد يختص، بالجوانب الإجتماعية للناس، حياة وثورة، ونظاما وتنظيمات، وأزمنة قاسية تجري عليها، وأرضا صعبة، تميد، تحت الناس، أينما كانوا، في الوطن المحتل، أو خارجه على حد سواء.
يتحدث د. ظافر الخطيب، بصفته أديبا وباحثا، عن أمور هامة وخطيرة، وفق ما رسمه من خطة لبحثه الشيّق:
 يتحدث أولا، عن الإشكالية التاريخية التي لا تزال موضع عناية من الفلسطينيين، والتي تتمحور، حول وحدتهم، بعدما دفعهم الإحتلال إلى التمزق، فرقا وشيعا وأحزابا، في داخل الوطن المحتل وخارجه. حتى بات الحديث عن الإنقسام اليوم، على كل شفة ولسان. وباتت الأسئلة مشروعة: لماذا يتحرك الفلسطيني ولا يتقدّم؟ لماذا ينفق الفلسطيني، ولا يحقق ربحا؟
وتحت عنوان: الدفاع - إنتحار، يقول الباحث أنه قد يذهب البعض للقول: إن منطق الخطاب السياسي على تنوّعه، يمينا ويسارا، كان يتأسس على أن قوة العدو، والدعم الهائل الذي كان يستند إليه، جعل حركة الشعب الفلسطينية المقاومة، في حالة بحث دائم عن مواءمة دائمة، وهو ما يفترض تكتيكات سياسية. وربما توجه بعضهم، إلى تقزيم الدفاع، بحدوده العسكرية. وعلى ما تقدم، فإن مسألة الجهل بالشيء يكون مرتبطا بالسياقات. وهي ربما تقيّد العمل، أكثر مما تحرره. ولهذا نراه يطالب بنقد بنية الحركة السياسية الفلسطينية، والتعرّف على عناصرها المكوّنة لها.
يتحدث الباحث أيضا، عن الرسالة الفلسطينية، والأثر الذي تتركه في نفوس الشعب، وفي نفوس القيادات، وكذلك في نفوس العالم وقادة العالم: الصديق للشعب الفلسطيني، والآخر غير المبال به، أو ذاك الذي يماشي سياسة أعدائه. ويقول: إن تغيّر الأفراد والقيادات سلبا أو إيجابا، يؤثر في المجتمع، تماما، كما يؤثر على القضية الفلسطينية نفسها، ويجعلها تعيش في الهامش، يجعلها تعيش في غربة، في الزمان وفي المكان، وهذا أشدّ من القتل.
يتحدث الباحث، عن السياسة الفلسطينية، إبتداء من منطلقاتها ومحدداتها، وصولا إلى مساراتها ونتائجها. ويناقش مسألتين أساسيتين: مسألة: لا أعرف. ومسألة: لا يعرف. وذلك على ضوء مقولة النظام السياسي، بين الثورة من جهة، والسلطة من جهة أخرى.
يغوص الباحث في الأسباب التي كانت ولا زالت، تصعد بالقضية الفلسطينية، فتجعلها ترقى إلى مصاف القضايا العالمية. تماما كما يغوص في الأسباب والمسارات، التي كانت تدفع بها إلى سبل الموات والإنهيار.. ولا يستبعد أن يكون وراء ذلك كله، ما أسماه بـ«نظرية التشوّه»، التي تقول بإن أخطر ما تعاني منه أية قضية من القضايا، هو أن تصاب بعقد التشوّه والإنحراف.
ويتابع د. ظافر الخطيب بحثه في أسباب الغربة الفلسطينية، وأسباب النهوض بالقضية، فيتحدث مثلا: عن التعبئة الوطنية، وعن التعبئة الحزبية، وعن التعبئة المعرفية، والتي هي جزء مهم من التعبئة الثقافية، والتي لا غنى عنها، لأي شعب من الشعوب، من التمسّك بها، لأجل نصرة القضية التي يدافع عنها.
وتحت عنوان: بين الدولة و«أرجمدون» أو المعركة الحاسمة والفاصلة، يقول الباحث: تحت تأثير عوامل متنوعة، تتشكّل قناعات تنقسم إلى مدارس وتيارات، تشترط شروطا معينة، ولا تقبل التشكيك بها. إنها نوع من أنواع الإيديولوجيات لأفراد فاعلين، لقيادات فاعلة. وفكرة «أرمجدون»، لا تعدو كونها تستند إلى السردية الدينية، ونبوءات النصر العظيم، وإستعادة زمن الفتوحات. ولهذا لا بد من إستعادة البُعد الفلسطيني، كقاطرة للنهوض.
يتحدث أيضا، عن المثلث الذهبي، بإعتباره جزءا من مكونات الهوية: (الأنا الجمعية والأنا الفردية والبُعد الجمعي)، وأن مثل هذا، يشكّل الحالة الفلسطينية، التي تعكس تكثيفا حادّا وقويا في المواجهات اليومية. ويختم بالقول:
بين الثلاثية الذهبية وواقع الحال، إفتراق عميق، نجم حتما عن غياب الاستراتيجيات، وعدم وضوح المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع الشعب الفلسطيني والإدارة السياسية. ولهذا بات الأمر يتطلب عقدا وطنيا إجتماعيا فلسطينيا جديدا، للحؤول دون السقوط في الغربة الفلسطينية القاتلة، التي يعيش فيها ويعاني منها، الشعب الفلسطيني اليوم، داخل الوطن المحتل، وفي بلدان الشتات.

أستاذ في الجامعة اللبنانية