26 كانون الثاني 2024 12:00ص درجات الصداقة

حجم الخط
عالج أبو حيان التوحيدي، موضوع الصداقة والصديق، في القرن الهجري الرابع/ العاشر للميلاد. ووقعنا عليه محققا، بعناية الباحث والمحقق السوري الدكتور إبراهيم الكيلاني، وقد وضع له مقدمة، تليق بالكتاب وكاتبه. منوّها بما أتى به أبو حيان في رائعته: «الصداقة والصديق»، وراح يفصّل لنا أهمية الصداقة، ودرجاتها، ذاكرا أن الصديق بمثابة «الشمال من اليمين».
مهّدنا بذلك لتفصيل القول في درجات الصداقة، ومن ثم للتفريق بينها وبين الأسماء الأخرى، والتي أوردها، بل جمعها، بعض الباحثين اللغويين في لائحة، وقال إنها من درجات الصداقة في اللغة العربية.
تندرج هذة اللائحة وفق التفصيل التالي:
الترب: مثيلك في السن.
الزميل: رفيقك في العمل.
الجليس: من يصحبك في مجلسك.
السمير: من يحدثك ليلا.
النديم: من يصاحبك في شربك.
الصاحب: من يلازمك طوال الوقت.
الرفيق: من يصاحبك في سفرك.
الخل: من أسكنك قلبه بصدق.
الأنيس: من آنسك حضوره وأراح بالك.
النجي: من أسرّ لك في الحديث أسرارا.
الصفي: صديقك المخلص.
القرين: من كان وصله قويا بك روحيا.
وذكر بين هذه الأسماء، الصديق، فقال عنه: إنه من صدّقك وصاحبك بودٍّ. وكأنه يريد أن يقول لنا: إن جميع الأسماء التي ذكرها، هي من صفات الصديق، بل هي من مرادفاته اللغوية.
وهذه اللائحة بحسب ما إندرج فيها من أسماء، تشي بأنها من معاني الصديق، فهو الأصل، أما الأسماء الأخرى فهي من فروع الصداقة.
أودّ أولا أن أقدّر هذا الإجتهاد، وهذه النظرة الأدبية إلى كلمة الصديق، غير أني أرى الأمر مختلفا تماما، إذ اللغة العربية لا تعرف المترادفات وإنما تعرف الصفات. وهناك التباس قديم وقع للغويين وللمتأدبين، حين قالوا: إن الأسماء العربية لها الكثير من المترادفات. وقد جاروا بذلك، ما وقع في اللغات الأخرى. والأجدر لنا أن نمايز بين الصفة والرديف، وأن نفرّق بينهما. وما يصحّ في بعض اللغات، ليس من الضرورة أن يصحّ في اللغة العربية.
فقد وضعت الأسماء، بحسب مناسباتها، وبحسب المعاني التي اقتضتها. وكل إسم هو حجّة وحاجة بنفسه، دون إرتباط مع الأسماء المؤاخية له. فالترب والزميل والجليس والسمير والنديم والصاحب والرفيق والخل والأنيس والنجي والصفي والقرين، كما الصديق، كلها معاني متمايزة للرجل الذي يلازمك في أويقات، ويفارقك، وليس بينها درجات للدنو أو الإبتعاد. فالترب هو المجايل، فأين تقع درجته من درجة الصديق؟ وكذلك الزميل، فليس له أدنى سبب بالصديق، لأنه زميل عمل وحسب. وكذلك الجليس، لا يمكن أن يكون من درجة الأصدقاء. فما بالك بالسمير الذي يوافيك ليلا.. والنديم الذي يشاربك.. والصاحب الذي يصحبك أو يصاحبك.. والرفيق الذي يرافقك، في سفر أو في غير سفر.
وأما الخل والأنيس والنجي والصفي، فهي صفات تحتاج إلى تأمّل دقيق، حتى يمكن أن نضعها في عداد الصداقة والصديق. فما بالك بالقرين، الذي يدلّ على المساواة معك، في الثقافة وفي العمل.
وإذا ما تجاوزنا ذلك واعتبرنا أن كل هذه الألفاظ، إنما تدلّ على دراجات الصداقة، فأين لنا أن نعد الألفاظ الأخرى والتي لا تقع تحت حصر، مثل: الخدن والشريك والوفيق والمحب والمخلص والعميل والزبون والرائي والقائف.
هؤلاء، إذا ما إتسعت اللائحة لهم، يشتملون على معنى وعلى أداء، ولهم وظائف وأعمال، تتصل بالآخر، وربما يكون أو لا يكون هذا «الآخر» صديقا، ولا يحمل في قلبه ولا في صدره أي درجة من درجات الصداقة.
نعم هذه اللائحة، سواء منها ما إتصلت بنا، أو ما أضفنا، أو ما يمكن أن نتحدث به عن إضافات أخرى، ليس لها أدنى درجة من الصداقة، فهي صفات متنوعة. والصداقة غير ذلك، فهي صفة أخرى للرجل المصادق لك.
لماذا الإصرار على إتصال جميع هذه الأسماء والمعاني، بالصديق. إذ الصداقة، عظيمة في نفسها، ولا تحتاج إلى شريك لها. ولهذا وضعت فيها المؤلفات التي تدلّ على مقدار تميّزها، عن سائر المعاني للشركاء الآخرين. فالصديق له قيمته الخاصة في النفس، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون السمير أو القرين أو الخل، درجة من درجاته، وهو فيما قيل عنه، بمثابة الشمال من اليمين.

أستاذ في الجامعة اللبنانية